تشهد أسواق الذهب في بغداد إقبالاً كبيراً من المواطنين لا سيما من النساء العاملات بعد تحسن الرواتب وارتفاع نسبة الزواج بين الشباب العاملين منذ سقوط النظام السابق. ويقدر العاملون في صناعة الذهب والحلي أن نسبة المشترين ارتفعت بنسبة تفوق 40 في المئة خلال الشهرين الماضيين. تلقى المصوغات الإماراتية رواجاً واسعاً في بغداد ويفضلها المواطنون لدقة صياغتها وتنوع أشكالها على رغم ارتفاع أسعارها. ودخلت كميات كبيرة منها إلى أسواق الذهب في العراق بعد سقوط النظام مباشرة وفتح الحدود الذي ترافق مع غياب الرسوم الجمركية. وتنتشر غالبية الورش المحلية المختصة في صناعة الذهب في شارع النهر وضاحية الكاظمية وسط بغداد، وتعد من أقدم الورش في العراق وتتولى تجهيز جميع مدن العراق بالمصوغات. وتعود جذور صناعة الحلي والمجوهرات في العراق إلى مئات السنين، ولكن على رغم عراقتها لا تزال يدوية الطابع ولم تدخل التقنيات الحديثة في عمليات التطريق والتشكيل والحفر والتنزيل والسبك التي باتت تميز صناعة المجوهرات في بلدان الجوار، لا سيما في دولة الإمارات، حيث تتركز الصناعات هناك في إمارتي الشارقة ودبي. وتمر قطعة الحلي بمراحل عدة أثناء صياغتها قبل تركيب الأحجار الكريمة عليها، وجميع تلك المراحل ينجزها الصاغة العراقيون يدوياً وبوسائل بدائية. ويتقاضى العاملون في ورش العمل أجوراً تراوح بين 200 و500 دينار عراقي عن صياغة الغرام الواحد من الذهب. وتباع الحلي إلى معارض البيع المباشر وفق المعايير المتفق عليها عالمياً. وتختلف أسعار الذهب حسب نسبة الشوائب الداخلة فيه، ويُعد الذهب من عيار 21 قيراطاً أكثرها رواجاً وأغلاها سعراً، ويخلط بكميات من النحاس تصل إلى 125 غراماً لكل 875 غراماً من الذهب. ويأتي بعده عيار 18 قيراطاً الذي يخلط بنسبة 250 غراماً نحاساً مع 750 غراماً من الذهب. أما بقية العيارات الأخرى مثل ذهب 14 وذهب 12 فانخفضت نسبة الطلب عليها في الأسواق لاحتوائها كميات كبيرة من النحاس. ويفضل الصياغ استخدام النحاس بدلاً من الفضة لارتفاع أسعار هذه الأخيرة، مقابل توافر النحاس بكميات في العراق لا سيما بعد دخول القوات الأميركية إلى العراق، إذ استغل بعض تجار الخردة الفوضى التي رافقت دخول الجيش الاميركي إلى المدن وسرقوا مخازن الأسلحة الخفيفة المنتشرة قرب المناطق الصحراوية وباعوا مغلفاتها النحاسية إلى أصحاب معامل صياغة الذهب لاستخدامها في عمليات السبك التي يقومون بها. وتراوح الكميات التي تصيغها الورش الصغيرة المنتشرة في بغداد بين 500 وأربعة آلاف غرام يومياً، على رغم صعوبة العمل، وهي كمية صغيرة نسبياً مقارنة بحجم الطلب في سوق ضخمة مثل العراق حيث يعيش 25 مليون نسمة، وهو ما يفسر اللجوء إلى الاستيراد. ويشكو أصحاب المشاغل من غزو المصوغات الإماراتية للأسواق المحلية، ويقولون ان"إيقاف تدفقها سيؤدي إلى ارتفاع الطلب حتماً على الذهب العراقي بشكل أكبر". ويمتنع الكثير من الصياغ عن استدعاء عامل مختص لتنظيف ورشهم التي تمتد داخل أسواق كبيرة نظراً إلى تساقط ذرات الذهب أثناء العمل. ويصرون على عملية التنظيف بأنفسهم، فيما يقوم بعض متعهدي النفايات بشراء الأتربة والأوساخ والمياه الراكدة في مجاري ورش الصياغة بأسعار مرتفعة، ثم تصفيتها وغسلها في الأنهار باستخدام أقمشة ذات مسامات دقيقة لاستخراج ذرات الذهب منها وإعادة بيعها مرة أخرى. ويقول الصياغ العراقيون إن انفتاح السوق وتنامي القدرة الشرائية قد يحملان معهما تدفق مستثمرين عرب وأجانب لا يريدون فقط الاستثمار في فتح محلات لبيع منتجاتهم المصنعة في الخارج، وإنما لافتتاح مشاغل محلية بشكل يتيح الاستفادة من رخص المهارات المحلية. ويشيرون إلى أن تطور القطاع المصرفي ونظام الإقراض سيسمح لهم أيضاً بالحصول على الرساميل اللازمة لتطوير معداتهم واستيراد ماكينات لتحسين انتاجيتهم وقدرتهم التنافسية.