أصدر الحاكم المدني، بول بريمر، بصفته المدير الإداري لسلطة الائتلاف الموقتة، تمشياً مع قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة، بما في ذلك القرار المرقم 1483 لسنة 2003، وبموجب القوانين والأعراف المتبعة في حال الحرب، وهذا وضع العراق، وادراكاً من الحاكم المدني الأمريكي أن وجود نظام قضائي حر ومستقل لا يخضع للتأثيرات الخارجية، ويعمل فيه أشخاص أكفاء يمثل شرطاً أساسياً من شروط توافر سيادة القانون، قانوناً يعيد تشكيل مجلس القضاة وفي رأينا أن هذا القانون لم يأتِ بجديد لم تمارسه وزارة العدل، إلا في التركيز بقوة على مبدأ فصل السلطات، كما المفروض أن ينص عليه الدستور، بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية. إذ أن أي تجاوز على صلاحيات السلطة القضائية من قبل الحكومة وهي سلطة تنفيذية، وعلى الأداء القضائي يؤدي الى ابتعاد القرار القضائي عن العدالة. وعلينا أن نعترف ان المغفور له الملك فيصل الأول، حمل على كاهله، بعد التتويج، أن يبني دولة حضارية تملك الحد الأدنى من المفاهيم المتعارف عليها في ذلك الوقت، وهي العدالة والسيادة والحدود الواضحة، والقدرة بجيش وطني لحماية هذه الحدود، بعد أن يستطيع النظام أن يؤمن الاستقرار الداخلي. ولا نريد ان نواكب تسلسل خطوات بناء العراق الحديث، أيام الملكية، من انشاء الجيش، الى توسيع التعليم والعناية بالصحة. فكلنا يعرف ان العراق، بولاياته الثلاث الموصل والبصرة وبغداد، كان تحت سيطرة العهد العثماني. ولم يهيئ هذا العهد للعراق كوادر يبني بها كيانه المستقل. فأكثر القضاة كانوا عثمانيين، ويتكلمون اللغة التركية، ومع ذلك قام العهد الجديد بخطوات مذهلة في تأسيس نواة المحاكم العراقية، استعان بعلماء القانون، وخريجي المعاهد القانونية العثمانية، من العرب، ليكونوا نواة صالحة في قضاء عراقي متين وكفوء ونزيه. وكان كل قاضٍ مرجعاً لحسم الدعاوى الجزائية والحقوقية والشرعية، ناهيك عن قضايا الزواج والطلاق، وما يتعلق بقانون الأحوال الشخصية. وأخذ الجهاز القضائي في العراق ينمو ويتوسع، مع ما هيئ له من أسباب تغذي مسيرته، منها فتح كلية الحقوق، ومنها دعوة خريجي الثانوية لدورات قانونية بسيطة يكونون بعدها صالحين لأدء وظيفة الكتابة، ومساعدة القضاة. ومن المفارقات التاريخية ان الانتداب البريطاني عزز استقلال القضاء العراقي، وقوة قراراته ونزاهتها، وهو يشارك القضاة العراقيين في ادارة جلسات المحاكم، بصفة مستشارين يعاونون القضاة العراقيين في الوصول الى أعدل القرارات، وأقربها الى الحق، مؤيدين مبدأ فصل السلطات، مع أن العراق كان يحكمه الانتداب في رعاية الملك فيصل. الأمر الذي هو بمثابة قانون والصادر برقم 35 في 31 أيلول سبتمبر لعام 2003 صدر أمر هو بمثابة قانون ينظم القضاء العراقي. وينص في قسمه السادس على ما يلي: 1 - يقوم المجلس بتأدية واجباته والاضطلاع بمسؤولياته من دون ان يخضع لأي سيطرة أو رقابة أو اشراف من وزارة العدل. ويعلق العمل ببنود القانون العراقي، وتحديداً بنود قانون التنظيم القضائي القانون رقم 160 لعام 1979 وبنود قانون النيابة العامة قانون رقم 159 لعام 1979 في حالة تعارضها مع بنود هذا الأمر. 2 - يحل مجلس القضاة محل مجلس العدل الذي كان قد جرى تشكيله بموجب قانون التنظيم القضائي القانون رقم 160 لعام 1979 ويتولى ممارسة السلطات التي كان مجلس العدل يمارسها على أي قاض أو وكيل نيابة. ويتولى الآن مجلس القضاة فقط ممارسة الرقابة الادارية على القضاة ووكلاء النيابة، ويظل مجلس العدل قائماً ولكنه لن يمارس أياً من اختصاصاته على أي وكيل نيابي أو قاض. وهذا القانون احتوى على مبادئ مهمة تعزز مكانة القاضي، وتجعله على منصة مسورة بالحماية والضمانات، والمبادئ القانونية التي كانت في سابق العهد موجودة، وتحديداً في زمن العهد الدستوري الملكي. وشعار ذلك الوقت ان أي تجاوز من سلطة على أخرى هو موت العدالة. فعدم التجاوز يجب ان تحرص عليه السلطة التنفيذية أي الحكومة وزارة العدل. وهو يعني الحياد المطلق. خالد عيسى طه رئيس "محامون بلا حدود"