خلال سنوات العذاب سعت المرأة العراقية إلى الحفاظ على أسرة متماسكة تعيش بكرامتها، وناضلت بصبر وكافحت إلى جانب الرجل في ميادين العمل تدفعها الى ذلك الحاجة الملحة إلى لقمة العيش التي صعب الحصول عليها في فترة الحصار الذي عانى منه العراق. واضطرت الى ممارسة أعمال جديدة ومهن لم تكن مألوفة من قبل أصطلح على تسميتها "بمهن الحصار". الحاجّة أم صابر، خطف القدر زوجها وتركها أرملة معيلة وحيدة لأطفالها الخمسة فاضطرت الى أن تعمل في مهنة زوجها النجارة، وتقول: "على رغم أن مهنة النجارة مهنة الرجل، دفعتني ظروف الحياة لأعمل في الورشة الخاصة بزوجي وأربي أولادي دون الحاجة لمساعدة أحد". السيدة الوحيدة المعروفة على مستوى سائقي الأجرة في بغداد التي فضّلت أن نرمز اليها ب"أم نور" قالت: "منذ سنوات وقبل الحصار وأنا أعمل سائقة أجرة، وأين العيب أو الخطأ في ذلك؟ ما دمت أعمل بشرف لأعيل عائلتي، فالعمل شرف". هند نور الدين، كيماوية قالت: "قبل وصول صدام الى الحكم كانت المرأة العراقية ربة بيت وموظفة وعاملة وطبيبة ومدرسة ومهندسة، ولكن عندما حكم صدام العراق، عاش الشعب اقتصاداً متدهوراً وظروفاً معيشية صعبة وبدأنا نلاحظ حالاً جديدة، هي أن المرأة تعمل في مهن كانت مقتصرة على الرجال... وبعد سقوط نظام صدام أشرقت شمس الحرية على العراقيين ودخل شعاعها كل بيت عراقي، الحرية في خلاصهم من صدام وليست في دخول قوات الاحتلال". حرية الاختيار للبنات لكن... وتسأل نادية، وهي أم لأربع بنات: "لو فرضنا أن المرأة العراقية تحررت فهل من الممكن أن يقبل المجتمع العراقي المتحفّظ أن تعمل المرأة في مهن تخص الفن أو الإعلام، فتكون مطربة أو مذيعة، أو حتى صحافية، من دون أن تقابلها صرخات الرفض ونظرات الاستهجان؟"، وأضافت: "سأترك لبناتي حرية الاختيار سواء في دراستهن أم عملهن وحتى في زواجهن ولكن مطربة؟ هذا غير وارد في مفهومنا كعائلة وكعشيرة ملتزمة ومحافظة، العمل كمذيعة في العراق لا يصح أيضاً إلا إذا هاجرنا فهذا جائز، أما العمل كصحافية فهو أهون... لكن أيضاً على مضض كما يقال". شذى يوسف التي تمتلك صوتاً شجياً قالت: "أهلي يفرحون ويطربون عندما أغني وكانوا يشجعونني عندما كنت طفلة صغيرة ولكن ما أن أصبحتُ كبيرة واعية حتى أدركتُ الكارثة في أن أصبح مطربة فكتمت الحلم في صدري". والآنسة بيان عبد السادة وهي خريجة كلية الأعلام - قسم الإذاعة والتلفزيون التي تحلم في العمل مذيعة قالت: "هناك العديد من المذيعات المثقفات اللواتي عملن لسنوات في القنوات المحلية بأمانة واخلاص وشرف ولكن نظرة العراقيين كانت وما زالت إلى المذيعة نظرة تحفظ وربما ستتغير هذه النظرة مستقبلاً". المذيعة "ل" التي عملت في قناة الشباب قالت: "رغبتي في أن اصبح مقدمة برامج ومذيعة دفعتني للعمل في تلفزيون الشباب وانا بعد طالبة في المرحلة الإعدادية ولكنني بعد فترة تركت العمل وتفرغت للدراسة في اختصاص لا يمت للاعلام بصلة، فقد جرحت بما فيه الكفاية وقدمت تنازلات بما فيه الكفاية ولا أريد الحديث عما عانيته". وعلى النقيض منها تجد إحدى الفتيات في تجربتها الصحافية جانباً اعتبارياً، وتضيف: "كنت مراسلة أخبار وعملت ثلاث سنوات في جريدة "نبض الشباب" ولم أصادف فيها أي معاكسات أو مشكلات عدا الملابسات التي قد تحدث في أي عمل. لم أفكر بإجبار أهلي على القبول بمهنتي فقد تفهموا تماماً رغبتي مثلما تفهمني زوجي وهو مهندس. صحيح أننا كنا مقيدين ولكن استطعنا أن نبدع في عملنا الصحافي". الآنسة داليا رياض أكدت أنها تكتب منذ سنوات ولم تفكر يوماً بنشر كتاباتها أو العمل صحافية، وأضافت: "هناك شيء في داخلي يكاد يخنقني، صديقتي عارضت أهلها وعملت في إحدى المجلات المحلية ولكن والحق يقال فقد فاتها العديد من فرص الزواج إذ فرض المتقدم لخطبتها شرط التخلي عن عملها فاختارت الصحافة وهي عاطلة من العمل بعد حل وزارة الإعلام العراقية". رأي الرجل أما الرجل العراقي فله رأي مختلف، إنما صريح وجريء... قال الشاب مهند وافي: "عندما أفكر بالزواج فلن أتزوج من صحافية أو مذيعة أو مطربة. هذا لن يخطر ببالي أبداً، وليس لدينا مطربات أصلاً ولن يكون. الرجل الشرقي والعراقي بالذات يريد امرأة تدير بيته وتربي أطفاله". ويعقب هادي شبيب: "الإعلام والفن أمران جميلان ومحترمان ولو اهتممنا بتوعية الناس لخرجنا بجيل مثقف. ومع ذلك أرفض الارتباط بإعلامية أو فنانة". السيدة شيماء عماد وهي صحافية في "مجلة ألف باء" سابقاً ومقدمة برامج في قناة العراق الفضائية قالت: "اعتقد أن النجاح بالنسبة الى المرأة في العمل يعتمد أولاً وأخيراً على شخصية المرأة فلو شاءت أن تبتعد عن المشكلات "الرخيصة" لتجاوزتها بمنتهى السهولة اعتماداً على الكفاية والحضور والذكاء. فهي ليست بحاجة إذا امتلكت هذه الصفات الثلاث الى التقرب من المسؤول الذي تحيط به استفهامات عدة، وبذلك تكون مرتبطة بعملها فقط أما في حال فقدانها احد الشروط الثلاثة... فلتترك العمل الإعلامي وهذا افضل. وكانت مشكلتي سابقاً مقتصرة على ضيق الوقت لعدم وجود زمن محدد للعمل الإعلامي ولكن استطعت تنظيم تداخل البيت مع العمل وأي فتاة تستطيع ذلك الأمر بحاجة فقط إلى لمسة ذكاء. أما اليوم وبعد سقوط نظام صدام وحل وزارة الاعلام فما زلنا فاقدي الثقة بالجهة المسؤولة. لا نستطيع أن نحدد طبيعة ولوج المرأة العراقية العمل الإعلامي أو مقدار الحرية التي تتمتع بها فالأمر بحاجة إلى سنوات لبيان ذلك. أما بالنسبة للفن فإنه لا يزال كما كان في بوتقة الانعزال للرجل فكيف الحال بالنسبة الى المرأة؟" وأضافت: "أخشى على المرأة العراقية من الحرية لأن بعد اكثر من أربعين سنة من الانعزال عن العالم فقدت الكثير من الثقافة واليوم تضطر الى التعامل مع المجتمع الجديد بخوف وحذر".