سلّط الانفجار في مترو أنفاق موسكو أمس الضوء على المتمرد الشيشاني شامل باسايف الذي يستخدم "الجنس اللطيف" لتنفيذ هجمات انتحارية بالمتفجرات، في وضح النهار في العاصمة والمدن الروسية الاخرى، ناقلاً بذلك الصراع الى قلب موسكو، ليتجنب عدم التكافؤ بين رجاله والقوات الروسية في ارض الشيشان المكشوفة. ومنذ الهجوم في مسرح موسكو في تشرين الأول أكتوبر 2002 الى انفجار المترو امس، مروراً بتفجير في الساحة الحمراء قرب الكرملين في كانون الأول ديسمبر الماضي، نفذ باسايف الوعد الذي اطلقه في أيار مايو 2003، بشن "حملة نسائية انتحارية على روسيا". وكانت ثلاثة هجمات وقعت في ايار الماضي، نفذتها انتحاريات وأدت إلى مقتل أكثر من 91 شخصاً، استهدف أقواها حافلة روسية ونفذته امرأة في شمال أوسيتيا قرب الشيشان. ونقل في حينه عن الناطق باسم الأمن الفديرالي الروسي سيرغي إيغناتشنكو قوله أن "المعلومات تفيد أن نساء تدربن في الخارج لتفجير أنفسهن" وأن "أطباء نفسيين متخصصين يعملون معهن، يدفعونهن الى طلب الموت لبلوغ السعادة". "الارامل السود" وتقف في طوابير "المتطوعات للاستشهاد" زوجات وشقيقات وأمهات مقاتلين شيشان قضوا خلال المعارك مع القوات الروسية. ولا تحظى كل المتطوعات بهذا "الشرف"، اذ يتعين على الراغبات منهن، الا يثير مظهرهن الخارجي الشبهات. وتعتبر خافا باراييفا أول انتحارية شيشانية كتبت حولها القصائد وألفت لها الأغنيات. وعلى رغم اطلاق الروس عليهن لقب "الأرامل السود"، فان الانتحاريات يتنكرن بمظهر عصري ويكن في غالب الاحيان فاتنات، لينجحن في الوصل الى هدفهن واثارة موجة ذعر غير مسبوقة في أوساط الروس. وفي ظرف سنتين، قتل أكثر من 500 شخص في عمليات نفذتها انتحاريات في موسكو والشيشان وأقاليم أخرى جنوبروسيا. وتصر الحكومة الروسية على الربط بين الانفصاليين الشيشان وتنظيم "القاعدة"، فيما يرى المحللون أن المقاومة الشيشانية مردها الكبت الناتج عن الهيمنة الروسية. وسربت موسكو انباء عن تلقي باسايف تدريباً خاصاً في معسكرات تمولها الاستخبارات الباكستانية. باسايف: حليف سابق لموسكو! ويتكتم الاعلام الروسي على صلة قامت بين الرئيس السابق بوريس يلتسن وباسايف في آب اغسطس عام 1991 عندما شارك الشاب الشيشاني في الدفاع عن مقر البرلمان الروسي الذي كان يلتسن اتخذه معقلاً لمقاومة المحاولة الانقلابية الفاشلة ضده آنذاك. وتعود هذه الصلة الى دور لعبه اثرياء يهود كانوا نافذين في اروقة السلطة في موسكو، في مد الجسور مع "اصوليي" القوقاز. ولد باسايف عام 1965 في قضاء فيدينو جنوب شرقي الشيشان. وانتسب الى معهد مساحة الأراضي طوبوغرافيا في موسكو عام 1985. وعرف باتزانه وهدوئه وابتعاده عن الحفلات الصاخبة والكحول. كما عرف عنه ولعه بكرة القدم وقرض الشعر ومساجلة الاساتذة الذين يدرّسون الماركسية اللينينية واصراره على ان تقرير المصير هو حق مطلق للشعوب. عاد إلى الشيشان حيث صار مقرباً لرمز المقاومة الراحل جوهر دودايف الذي توسم فيه قدرات تنظيمية وعسكرية سرعان ما ظهرت بجلاء في ابخازيا حيث شارك ضمن مجموعة من القوقازيين وآخرين في معارك خاضها الابخاز من اجل الاستقلال عن جورجيا. واصبح خلال فترة قصيرة قائداً معروفاً ونائباً لوزير الدفاع في ابخازيا. ومن المفارقات ان باسايف كان آنذاك حليفاً للروس الذين ساندوا الابخازيين ضد الجورجيين الرافضين للتعامل مع موسكو. وعند عودته الى الشيشان، غدت "الكتيبة الابخازية" التي ضمت شيشانيين قاتلوا معه في جورجيا، من أهم التشكيلات العسكرية، واستخدمها دودايف لاغراض متعددة ومنها تصفية عصابات السطو على القطارات المسافرة من روسيا الى اذربيجان. ولا تذكر موسكو الآن ل"الارهابي" باسايف هذه الخدمة، على رغم ان الكرملين اعتبر السطو على القطارات ذريعة لاعلان الشيشان "جمهورية اجرام" وفرض حال الطوارئ فيها عام 1992. وتحول شامل بطلاً اثر معركة غروزني عندما كانت "الكتيبة الابخازية" من أهم التشكيلات التي صمدت فيها قبل ان تنسحب الى سفوح الجبال في قضاء فيديفو موطن باسايف. وأدى القصف الجوي والمدفعي الروسي على المنطقة الى مصرع زوجة شامل الابخازية انديرا التي لم تكمل عامها الثامن عشر وولده الرضيع ادريس وشقيقيه واختيه وعدد من اقاربه. ورأى عدد من المعلقين الروس في ذلك دافعاً حرك لدى شامل روح الثأر.