لم يحرك الإسلامي المغربي عبدالغني المزودي ساكناً ولم تظهر على وجهه أي علامات سرور وهو يستمع إلى حكم البراءة الصادر في حقه داخل قاعة محكمة هامبورغ العليا أمس، بعد ثلاثين جلسة امتدت على مدى ستة أشهر تقريباً. واستمع المزودي وهو يقف مطأطئ الرأس إلى جانب محامييه إلى كلام رئيس المحكمة القاضي كلاوس روله الذي قال له: "قد يشكل ذلك سبباً للارتياح لك، لكن لا للابتهاج"، ذلك أن "المحكمة لم تصدر حكم البراءة لأنها مقتنعة بأنك غير مذنب، وإنما لأن الاثباتات ضدك غير كافية"، مشيراً إلى اعتماد المحكمة مبدأ "في حال الشك يُحكم لمصلحة المتهم". ورفض وزير الداخلية الألماني أوتو شيلي التعليق على قرار القاضي، مشيراً إلى أن ذلك من واجب الادعاء العام الذي سارع إلى رفض الحكم وأبدى إصراره على استئنافه، سعياً وراء إدانة المزودي بتهمة التواطوء في هجمات 11 أيلول باعتباره عضواً في خلية هامبورغ بقيادة الطيار الانتحاري محمد عطا واحد الموقعين على وصية الاخير. وفتحت تبرئة المزودي ملفاً جديداً أمامه وهو احتمال ترحيله من البلاد، وتعرضه لمخاطر الخطف من جانب الأميركيين أو التصفية من جانب ناشطي "القاعدة" بهدف اسكاته. وأكد وزير الداخلية في حكومة هامبورغ المحلية ديرك نوكيمن أن مكتب اللجوء في الولاية يدرس الآن إمكان ترحيل المزودي إلى المغرب. وعلى رغم تصريحه قبل أسبوعين أنه سيعمل فوراً على ترحيل المزودي في حال تبرئته، أشار نوكيمن أمس، إلى أن القانون يفرض إثبات دعم المذكور للإرهاب الدولي قبل إقرار ترحيله، وهو أمر سهل باعتبار أن الأصولي المغربي "يشكل خطراً، إذ تدرب في أفغانستان على إطلاق النار لأنه يريد ممارسة الجهاد". واعتبر رئيس نقابة الشرطة الألمانية كونراد فرايبرغ أن الحكم "يمثل ضربة قوية لمكافحة الإرهاب" وطالب بترحيل المزودي فوراً. وكان محاميَا الأصولي المغربي أعربا أكثر من مرة أخيراً، عن تخوفهم من وقوع موكلهم في أيدي السلطات الأميركية في حال ترحيله من ألمانيا، خصوصاً أن واشنطن طالبت باسترداده. البراءة سببها عدم تعاون أميركا وفي سرده لحيثيات الحكم، ذكر رئيس المحكمة روله أن من الممكن جداً أن يكون المتهم على علم بالاعتداءات التي حصلت في الولاياتالمتحدة وذهب ضحيتها أكثر من 3000 قتيل، "إلا أن أحداً لم يتمكن من إثبات مشاركته في الإعداد لها". وأضاف: "لم تسهّل هيئة المحكمة المهمة على نفسها، ونحن وصلنا في القضية إلى أقصى حد ممكن للكشف عن الحقيقة، ولم نتمكن من الاستماع إلى العديد من الشهود في الولاياتالمتحدة الذين حظروا علينا بسبب السرية التي فرضتها السلطات الأميركية، وكان علينا أن نحكم لمصلحة المتهم بسبب وجود شك". ورأى أن فرض عقاب على المتهم ثأراً لضحايا 11 أيلول لا يمكن حدوثه في دولة القانون. وكانت هيئة المحكمة قطعت الجلسة التي عقدت صباحاً لدراسة طلب تأجيل إصدار الحكم الذي قدمه محامي الادعاء الخاص الممثل لأسر ضحايا الاعتداءات الأميركيين. وذكر محامي أسر الضحايا آندرياس شولتس أنه يعتقد بأن الحكومة الأميركية غيرت رأيها في ما يخص تقديم ملفات التحقيقات التي أجريت مع المعتقل الرئيسي رمزي بن الشيبة أحد المشاركين الرئيسين في اعتداءات 11 أيلول، داعياً المحكمة إلى أن ترسل طلباً جديداً إلى السلطات القضائية الأميركية للحصول على هذه الملفات. لكن هيئة المحكمة وصلت في جلسة خاصة إلى قناعة بعدم وجود إشارات تنم عن وجود استعداد لدى الولاياتالمتحدة لتقديم معلومات سرية إليها، فرفضت طلب الادعاء الخاص وتابعت الجلسة من جديد بعد توقف لنحو 30 دقيقة. وكان ممثل النيابة العامة الاتحادية طالب المحكمة في الجلسة السابقة بسجن المزودي 15 سنة على رغم فشل شاهده الإيراني في إقناع هيئة المحكمة بصحة المعلومات التي لديه عن تورط المزودي مع الطيارين الانتحاريين في "خلية هامبورغ". وكان رئيس المحكمة قرر قبل ثلاثة أشهر تقريباً الإفراج بصورة موقتة عن المزودي بعدما نقلت الاستخبارات الألمانية شهادة علم أنها لبن الشيبة، برأته مع غيره من أي علاقة باعتداءات 11 أيلول، الأمر الذي أثار استياء السلطات الأميركية في حينه. وأثارت بعض الأوساط على الأثر إشاعات مفادها أن لدى تنظيم "القاعدة" شكوكاً في أن يكون المزودي قدم إلى المحققين الألمان معلومات عن الإسلاميين في ألمانيا. ولم تؤد زيارة سرية قام بها وزير الداخلية شيلي إلى الولاياتالمتحدة أخيراً، إلى إقناع واشنطن بتقديم معلومات سرية تتضمن أدلة دامغة على تورط المذكور. وأشارت مصادر قضائية إلى أن براءة المزودي ستنعكس بالتأكيد إيجاباً لمصلحة صديقه منير المتصدق الذي حكم بالسجن 15 سنة استناداً إلى التهم نفسها، مطلع العام الماضي.