تتمحور أعمال عادل السيوي حول الوجه البشري بصفته قناعاً للتحولات الدائمة، وكأن هذا التشكيلي المصري المتفرد، حين يرصد تفاصيل الوجه وتضاريسه الروحية، يقوم باختزال التاريخ السري لصاحبه بضربة ريشة أو إيماءة بصرية، عبر كثافة لونية توحي بعوالمه التعبيرية أو انشغالاته الوجدانية. وإذ تبدو العين هي مركز الثقل، فإنها تعبر عن حضور بصري للأشياء في الدرجة الأولى، حيث تنزلق من المركز كتل لونية موازية أو مضادة لتأكيد شعرية غائبة أو متوارية وراء القناع. وتتفاوت "وجوه" عادل السيوي في معرضه الجديد بين البهجة اللونية التي تشي بحنين خفي الى ماضٍ بعيد وملتبس، والأسى والقلق والانتظار المجهول، لكن هذا التجاور بين لحظتين متنافرتين ومتنابذتين، يميل إلى مساحة جمالية شاغرة، سرعان ما تقوم بترميمها عين المتلقي في مواجهة مضادة لما تقترحه اللوحة من أحاسيس ورغبات وشهوات مؤجلة. فالمتلقي وهو يجد نفسه محاصراً بعدد لا يحصى من الوجوه، يدخل في متاهة أسئلة عن تاريخه الشخصي أو سيرته الذاتية المختبئة تحت السطح مباشرة، في بحث محموم عما هو غائب، في لعبة ثنائيات ماكرة. إذ ان هذه الوجوه التي تحاصره بقدر ما تبدو مألوفة لديه، فإنها غائمة، من دون ملامح صريحة، وكأن عادل السيوي يرتحل في زمن واحد بين "البورتريه" و"الأيقونة" لإلغاء ما هو مقدس، ونبش ما هو دنيوي وحسي وتقريبه إلى منطقة الألفة بين جغرافيات متباعدة، تمتد من الفرعوني إلى البوذي لمزج هويات مختلفة على جدار واحد. هكذا يتوغل عادل السيوي في فضاء لوني مفتوح على احتمالات راهنة، مثلما يحيل إلى أساطير قديمة، تبدو كأنها بوصلة سرية للحدس البصري والحكائي والجمالي. ولعل نظرة متأنية الى أعمال هذا التشكيلي المولود في مدينة "البحيرة" في العام 1952، والذي درس الفن في روما، وعاش اضطرابات جيل الستينات في مصر، تؤكد رحابة منطلقاته التشكيلية التي يتجاور فيها الموروث المحلي والبعد الكوني في رؤية ذاتية عميقة تتكئ على التجريب البصري المتواصل، ما يحقق هوية تشكيلية قائمة على الاختبارات الدائمة، تصوغها وجوهه التي تشبه مرايا الذات في أقصى حالات عزلتها وصخبها، صمتها وبوحها العاطفي في آن واحد. وهي بذلك تنتقل من التشخيص الأول إلى التجريد الصوفي، مثلما تقترب من الكتابة البصرية في إحالاتها المتعددة. وإذا كانت تجربة عادل السيوي في مقاربة الوجه باعتباره مختبر الجسد، وبؤرته الحسية والروحية، فإنها على صعيد اللون، تدخل في تجريبية لافتة، تمنح الذهبي والأبيض مساحة استثنائية، وتضاف إلى الأحمر والأسود، لتشكل تصورات ذهنية مفارقة لاقتراحات السطح الأول للوحة، في متواليات من الأسئلة والتواريخ المنهوبة التي لا تتوقف عند إجابة نهائية.