استمعت لجنة "ستازي" لشهادات أشخاص من اتجاهات مختلفة. ما الذي اثار انتباهك من خلال ما قيل امام اللجنة؟ - أكثر ما استوقفني ملاحظات أدلى بها عاملون في مؤسسات عامة مثل المستشفيات والسجون والمدارس العامة. شعرت اننا امام مشكلة تزداد تفاقماً مع مرور الوقت، وتجاوزت مجرد الرغبة في التعبير عن انتماء ديني. اذ روى عدد من العاملين في الوسط الطبي انهم يواجهون حالات متزايدة لنساء من المهاجرات وأخريات من اليهوديات المتدينات يرفضن اخضاع انفسهن لأطباء ذكور، مما يؤدي الى اوضاع شديدة التعقيد ومن الصعب التعامل معها. اما في السجون، فأفاد بعض الشهادات ان مجموعات من السجناء المسلمين تعمل على السيطرة على اماكن الاختلاط داخل السجن وتحظر على غير المسلمين استخدامها. وأشار البعض الى ما تسنى لي ان ألمسه بنفسي، وهو ان النساء في اسواق مناطق معينة يتعرضن للتهجم من قبل رجال يأخذون عليهن عدم ارتدائهن للحجاب. وهناك نوع من الضغط المستمر المسلط على النساء في الشارع وفي احيائهن وداخل اسرهن. اما في المدارس، فهناك قضية الحجاب والادانة والشتائم التي تستهدف مثلاً التلاميذ الذين لا يصومون خلال شهر رمضان والتلاميذ المسيحيين الذين يوصفون ب"أكلة لحم الخنزير". هل تقصدين ان هناك نوعاً من المصادرة والقضم تتعرض لها المؤسسات التعليمية العامة؟ - نعم وهذا هو مكمن الخطر. فنحن امام تصاعد فعلي للأصولية. ليست الاصولية المسلمة فقط وانما الاصولية عموماً، لكن الاصولية المسلمة هي الاكثر بروزاً بسبب طابعها النضالي ونشاطيتها، وتلقى صدى واسعاً في الاوساط المسلمة المنبثقة من الهجرة والتي يقارب عدد افرادها الخمسة ملايين. لكن هذه المجموعات لا تشكل غالبية في وسط الفرنسيين المسلمين؟ - هم اقلية لكن خطورتهم تكمن في التربة التي تسمح لهم بتغذية وجودهم. فنشاطيتهم بدأت بالبروز في منتصف الثمانينات. وفي أي حال فإن التحركات والتظاهرات التي نظموها اظهرت حدود حجمهم وحدود قدرتهم على التعبئة. وعلى رغم ذلك يملأون الساحة بفضل نشاطيتهم وبفضل وسائل الاعلام التي تعيرهم اهتمامها. هل هو اهتمام ام استخدام يلجأ اليه الاعلام الفرنسي؟ - من الصعب التمييز. فالاعلام عموماً يصغي ويتابع عن كثب تحركاتهم ومطالبهم مما يضعهم في موقع المحاور احياناً، علماً انهم لا يمثلون مسلمي فرنسا، لأن هؤلاء المسلمين لا مطالب مميزة لديهم باستثناء العيش الهادئ وممارسة دينهم بعيداً من اي مزايدة. بما ان هذه المجموعات اقلية محدودة، هل كان من الضروري مواجهتها بقانون يخدش عملياً مشاعر المسلمين عموماً في فرنسا؟ - هناك امران لا بد من الاشارة اليهما. الاول ان ظاهرة التشدد والميل نحو الاصولية برزت منذ نحو 15 عاماً وهي في نمو مستمر، وسط لامبالاة السياسيين. فبدا كما لو ان الامر لا يعني سوى الاعلام والرأي العام في غياب اي تحرك من قبل المسؤولين. والامر الثاني يتمثل بالآراء التي تصدر عن فتيات ونساء غير متدينات، تدافعن عن الحجاب، من منطلق الحرص على حرية خيار سواهن من النساء او من منطلق مفاده ان الحجاب بديهي للمسلمات. وهذه الآراء تنطوي على خطورة من حيث نوعية الوعي والادراك لما يعنيه التحرر. والمؤسف ان هناك فتيات من تلميذات المدارس العامة تدافعن عن الحجاب باعتباره من مظاهر التحرر. هل هذا يعني ان الهدف من القانون التضييق على ظاهرة التشدد وحماية النساء المنبثقات من الهجرة من نظرة مغلوطة لما يعنيه التحرر؟ - بالتأكيد، وهذا ما حمل رئيس الجمهورية على انشاء لجنة خاصة، ليس لتقويم واقع الحجاب وانما واقع العلمانية لأن الاوضاع تتجه نحو دائرة الخطر. لكن ما الذي يحمل فتيات ولدن في فرنسا وتعلمن في مدارسها، على الشعور بحاجة للتعبير عن هوية دينية بارتداء الحجاب؟ - الامر على صلة بالاهمال الذي ادى الى تدهور في اوضاع مناطق اقامة الجاليات المهاجرة، فالبطالة شديدة الارتفاع في اوساطهم والاوضاع السكنية سيئة، مما يولد شعوراً بالاحباط. وعلى غرار ما حصل في عدد من الدول العربية، استغلت التيارات الاصولية هذا الشعور واقترحت بدائل تتمثل بالعودة الى الاسلام باعتباره حلاً للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية وغيرها. وهدف هذه التيارات عملياً هو استيعاب الاحباط لمصلحة طروحاتها، من خلال الوجود في الاحياء وتقديم الخدمات المتنوعة. وفي بعض المدن مثل ليون وستراسبورغ حاولت هذه التيارات اغراء الاسر بمبالغ مادية لقاء ارتداء فتياتها للحجاب. وهذا ما ادى برئيس الجمهورية الى اعتبار أن في الامر مشكلة سياسية تنامت عبر سنوات من اللامبالاة وبات من الواجب التعامل معها كمشكلة سياسية. وبدأت المنظمات والمجموعات الاصولية تدرك ان هناك من سيضع حداً لتجارتها. لكن التضارب في الآراء ادى الى جدل صاخب ومشحون بالعواطف والمشاعر الطائفية بما يوحي بأجواء حرب اهلية؟ - الجدل الذي اثير حول موضوع الحجاب اصبح منهكاً وبدأ يثير مواقف عنصرية تقريباً، ادى الى تعميم الكلام عن الطائفية والعداء للسامية والخوف من اليهودية، فكان لا بد من وقف هذه الدوامة وتشخيص المشكلة بوضوح وتحديد المنظمات والحركات التي تشجع على كل ذلك. هذه المنظمات ليست مهتمة بالمسلمين المنبثقين من الهجرة ولا بالاسلام كمعتقد وانما تعبئة فئة معينة من المواطنين بما يتيح لها اكتساب شرعية المحاور باسمها. قانون صون العلمانية سيحل قضية الحجاب في المدارس العامة، لكنه لن يلغي هذه المنظمات الموجودة طالما بقيت الضواحي اشبه بالغيتوهات؟ - قانون اعادة تأكيد العلمانية بدا ضرورياً للقول لهذه المنظمات ان ليس من حقها فرض سيطرتها على النساء والقول لها ان وضع النساء ليس شأنكم بل شأن الجمهورية. فهذه المنظمات كانت تتعمد الحديث باسم المسلمين عموماً، لكنها بدأت الآن تتحدث بأسمائها. فحزب مسلمي فرنسا مثلاً يتخذ من مدينة ستراسبورغ مقراً له يؤكد اهدافه السياسية وشعاراته والنموذج الحضاري الذي يعمل لأجله وينص من ضمن امور اخرى على رفض الاختلاط بين الرجال والنساء. وهذا ما لم يكن واضحاً في الفترة السابقة، لكنهم الآن اضطروا لابراز مواقفهم، لمجرد الاظهار بأنهم لا يزالون في طليعة حركة الاحتجاج الشعبية. وبهذا الظهور سيصبح من الممكن استهدافهم دون سواهم من المسلمين، على رغم الصعوبات المترتبة عن ذلك نتيجة الاوضاع الدولية وانعكاساتها على الاوضاع الفرنسية، والتي تجعل الرأي العام على درجة من الحساسية البالغة حيال هذه المواضيع. كيف يمكن دفع الاجواء في اتجاه التهدئة عندما يعلن رئيس تحرير مجلة فرنسية بارزة خوفه من الاسلام، ويعمل البعض على استباق القانون حول العلمانية باعتماد اجراءات تنطوي على تمييز في حق المحجبات؟ - في اعتقادي هناك انزلاقات مردها الى حال التشوش القائمة وربما الى الخوف. وأنا ارى ان هناك خوفاً لدى البعض في فرنسا التي شهدت اعتداءات ارهابية متعددة. ولكن هناك ايضاً انزلاقات كلامية خطرة ينبغي عدم التساهل معها سواء كانت صادرة عن صحافي او عن رجل سياسي. فالمسلمون هم في غالبيتهم فرنسيون، ومن الواجب الكلام عنهم في شكل لائق بمعزل عن معتقداتهم الدينية. وفي تقديري ان هذه الانزلاقات ستنحسر مع تطبيق القانون. في اطار الجدل حول الحجاب، بدت اصوات المسلمين المعتدلين ومؤيدي العلمانية شبه غائبة، ما هو سبب ذلك؟ - المسلمون الذين يعيشون دينهم بهدوء ورزانة مثلهم مثل سواهم من المواطنين عديدون جداً. فهم يتكلمون لكن اصواتهم لا تسمع بالقدر الكافي لأنهم غير منظمين. وجرت العام الماضي مساع تنظيمية قام بها اشخاص معينون، لكنهم يفتقرون حتى الان للهيكلية الفعالة. وفي الوقت ذاته هناك العديد من المسلمين الفرنسيين الذين لا يرغبون بأن ينظموا وفقاً لانتماء ديني بل يتوقون للعيش باحترام شأنهم شأن المواطنين الآخرين.