ترصد الأوساط الرسمية والسياسية في المغرب الاستحقاق الرئاسي في الجزائر باهتمام أكبر، حتى وان بدا الموضوع مسألة داخلية جزائرية يصعب على الرباط وعواصم الجوار التعاطي المباشر معها. وكان الملك الراحل الحسن الثاني شكا مراراً من أن مجرد ابداء أي موقف من الأوضاع الداخلية في الجزائر يثير حساسيات المسؤولين فيها. ويذكر أنه حين دعا العاهل المغربي الراحل الى اختبار تجربة الاسلاميين في الحكم، بعد الانتخابات البرلمانية في الجزائر، جاء الرد عنيفاً من الرسميين الجزائريين الذين طلبوا منه أن يجرب ذلك في بلاده. إلا أن التداخل في العلاقات بين البلدين، عبر ارتباط أكثر الملفات العالقة بالموقف من تطورات قضية الصحراء يفرض نفسه على المغاربة، وعلى شركاء الجزائر في المنطقة المغاربية. ويزداد هذا التداخل من خلال اهتمام بلدان الاتحاد الأوروبي، ذات النفوذ التقليدي في الشمال الافريقي، بالاستحقاق الجزائري. ويقول سياسي مغربي ان دخول الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة على خط المنافسة الرئاسية يعيد الى الأذهان الآمال التي برزت، إثر انتخابه للمرة الأولى في ربيع 1999، من أجل تحسين العلاقات المغربية الجزائرية، خصوصاً ان الرئيس الجزائري يعتبر احدى أهم الشخصيات التي تعاطت مع ملف الصحراء منذ أن كان وزيراً للخارجية. وساد الاعتقاد، بعد رحيل الملك الحسن الثاني، ان تولي الملك محمد السادس عرش بلاده والذي تزامن مع انتخاب بوتفليقة سيحرر البلدين من مخلفات سنوات الصراع. خصوصاً ان الرباط نظرت الى بوتفليقة كأول رئيس مدني يتولى الحكم في بلاده، في الوقت الذي ترى ان ضغوط المؤسسة العسكرية في الجزائر حالت مراراً دون حدوث الانفراج في علاقات البلدين. إلا أن الولاية الرئاسية الأولى لبوتفليقة لم تمكن من تحقيق الانفراج في العلاقات المغربية الجزائرية، على رغم لقاءات عدة جمعته مع الملك محمد السادس، كان آخرها على هامش اجتماعات الأممالمتحدة في نيويورك خريف العام الماضي. ويرى مراقبون ان هذه العلاقات زادت سوءاً، بعد تبني الجزائر، خلال المحادثات مع الوسيط الدولي، فكرة تقسيم الصحراء الغربية بين المغرب وجبهة "بوليساريو". يضاف الى ذلك استمرار اغلاق الحدود بين البلدين منذ حوالى عشر سنوات، وان تمكن البلدان من تحقيق بعض التقدم في النظر الى المسألة الأمنية والتطرف الاسلامي والارهاب وملفات الهجرة غير المشروعة وتهريب المخدرات. ولاحظ مراقبون في الرباط ان الموقف من قضية الصحراء، حتى وان بدا انه قضية ليست شعبية في الجزائر، يميل معظم المرشحين الى الرئاسة الجزائرية الى التمسك بما يعتبرونه موقفاً مبدئياً في دعم "بوليساريو". حتى ان بوتفليقة كان أول رئيس جزائري يزور مخيمات "بوليساريو" في تندوف جنوب غربي الجزائر، خلال فترة تصاعد الخلافات المغربية الجزائرية. ويربط الموقف الرسمي الجزائري بين معاودة فتح الحدود مع المغرب بكل الملفات العالقة من اقتصادية وسياسية وأمنية، في سياق ما يعبر عنه وزير الداخلية الجزائري يزيد زرهوني ب"المقاربة الشاملة". ويشار الى أن التوتر في العلاقات المغربية الجزائرية ترك أثراً سلبياً على جهود معاودة تفعيل الاتحاد المغاربي، ولم تتمكن الجزائر من استضافة قمتين مغربيتين مقررتين بسبب تداعيات الخلافات مع الرباط. كما أشارت هذه الأزمة في الملفات الاقليمية. فقد تلاقت مواقف اسبانياوالجزائر عند اندلاع أزمة جزيرة ليلى بين المغرب واسبانيا، وفي الوقت ذاته حرصت فرنسا على تقريب وجهات نظر البلدين عبر زيارتين للرئيس الفرنسي جاك شيراك الى كل من الجزائروالرباط. ودخلت واشنطن بدورها على خط تحريك الشراكة بين بلدان الشمال الافريقي. مما يدفع الى الاعتقاد بأن المواقف الجزائرية في الفترة المقبلة قد تكون مختلفة عن سابقتها، بصرف النظر عن شخصية الرئيس المقبل. اذ سيكون الرئيس المنتخب أكثر تحرراً من الضغوط الداخلية والاقليمية، وان كان ثابتاً انه على امتداد أكثر من أربعين عاماً لم تعرف علاقات البلدين الجارين غير سنوات قليلة من الانفراج.