القضايا الثقافية السعودية تبتلعها الصحافة باستهلاك مفرط. وفي كل يوم تتحرك الصحافة في زاوية من الزوايا الثقافية من غير التشديد على إيجاد الحلول لتلك الأسئلة المتناثرة هنا وهناك... ومن جملة تلك القضايا التي دأبت الصحافة على منحها زخماً، قضية ترجمة الأدب السعودي إلى لغات العالم المختلفة. استجاب الأدباء لهذا الإغراء الصحافي فتناثرت مقالات متعددة معقّبة على الاستطلاعات وهي تنص على ضرورة ترجمة الأدب المحلي الى لغات عالمية. هذه المطالبة أدت الى ظهور لجنة منبثقة من جمعية الثقافة والفنون تضم نخبة من الأكاديميين مهمتها ترجمة الأدب المحلي. لكن السؤال المطروح هو: هل دخل الأدب السعودي مرحلة الترجمة؟ ترى، ألا يقود الأدب المتميز الى الترجمة من غير وجود لجنة؟ هذه النظرة يقف منها بعض الكتاب موقفاً متأملاً. القاص والمترجم مبارك الخالدي يرى ان الأعمال الإبداعية ذات القيمة الفنية لا تحتاج الى توصيات لكي يتم نقلها الى اللغات الاخرى وأن مهمة النقل الى لغات أخرى هي مهمة المتابع من خارج محيط الادب المعني بالترجمة. يضع الكاتب مبارك الخالدي جملته الصريحة: "قبل الترجمة علينا ان نفكر كيف يمكننا جعل الآخرين في حاجة الى أدبنا". الكاتب محمد الغامدي يقف موقفاً مؤيداً لترجمة الأدب السعودي، مؤكداً ان هذا الأدب لا يخلو من نصوص وكتب تستحق ان تترجم إلى لغات عالمية. ويرى الغامدي أن ليس كل ما يكتب يستحق الترجمة، لكنّ الكثير منه يصل إلى هذا المستوى ويُنتقى من هذا الكثير أحسنه، وهذه مهمة اللجنة المشكلة التي ينبغي ان تقف على النتاج الأدبي المحلي وتختار أفضله من غير محاباة او مجاملة أو تحيز، ويكون المقياس الحقيقي للاختيار جودة العمل وجدته وما يمثل خصائص البلاد ويعطي صورتها المتفردة للآخرين. ويؤكد الغامدي أهمية وجود اللجنة المنبثقة عن جمعية الثقافة والفنون لترجمة الأدب السعودي وبحثها في الأدب المتميز وتقديمه، معتبراً أن الأدب يضم النوع المتميز وغير المتميز وتصبح مهمة اللجنة ان تبين ذلك المتميز وتخرجه الى الناس. وإن لم تفعل ذلك فسيظل الأدب السعودي محبوساً في الداخل حتى يطول به المدى ويتأخر به الزمان. يرى عوض الجميعي الأستاذ في جامعة ام القرى، ان الأدب المتميز يفرض نفسه بامتلاك النفوس والقلوب والأفكار للذين يتلقونه في لغته الأم. وانتشاره يسهم في ذيوعه على المستوى المحلي للجماعة الواحدة ثم قد يمتد أثره عبر جسور النقل والترجمة والاقتباس. وهنا تصبح ترجمته ودراسته في غير لغته مطلباً ملحاً. ويلحظ الجميعي ان الترجمة في المجتمعات الغربية تسير بين لغاتها معتمدة الأعمال ذات القيمة الأدبية، متلازمة أو متلاحقة مع أو بعد ظهورها في لغتها الأم. ويعمق الجميعي المسألة بقوله: "من المعضلات التي تواجهنا - كعرب - أن الاعمال ذات القيمة العالية في ثقافتنا العربية لا تستطيع الجهود الفردية أن تقوم بها بمفردها، لا من حيث الكلفة المادية فحسب، بل من حيث الجهد الفردي وعجزه عن القيام بكل هذه الطموحات والغايات. لذا، فإن الجهد الجمعي يتحقق عبره ما لا يتحقق بالجهد الفردي، شرط توزيع المسؤولية وفق ما يطلب من كل فرد القيام به بدوره أو اداء ما يعهد اليه من عمل كأن يكون دور الجماعة او الجمعية او الهيئة القيام باختيار النص الذي يرون انه صالح للترجمة ثم متابعة المراجعة والتنسيق والنشر وحفظ الحقوق لأصحابها". ولكي نستأنس برأي اللجنة التي تكونت لترجمة الادب السعودي توجهنا بسؤالنا الى أحد الأعضاء - رفض ذكر اسمه - الذين أعلنت الصحف عضويتهم في اللجنة التي انشئت من أجل ترجمة الأدب السعودي، عما قامت به هذه اللجنة من الإعداد وما قدمت من النصوص المقترحة للترجمة. ونفى هذا العضو تبليغه بعضويته او انه اجتمع بأحد من الاعضاء الذين وردت اسماؤهم لهذا الغرض وقال: "قرأت في الصحف - قبل عام او عامين - عن هذه اللجنة ولكن لم يبلغني أحد بهذا رسمياً ولم نجتمع من اجل هذا المشروع البتة. وربما ما تم الاعلان عنه هو مجرد استجابة صحافية لما كانت تطالب به الصحف المحلية".