في الوقت الذي اعتادت فيه طالبات المدارس الخاصة السعودية وجود ما يسمى بحصص الرياضة الدينية كنشاط لا صفي، وافق مجلس الشورى السعودي على ادخال مادة التربية الرياضية في المدارس الحكومية أسوة بمثيلاتها في القطاع الخاص. وأثار القرار جدلاً في الشارع السعودي، خصوصاً بين أولياء الأمور في المناطق الريفية، وبعض المناطق المحافظة. تركز الجدل حول كيفية تطبيق مثل هذه المادة أو النشاط، خصوصاً في ظل انعدام وجود كلية تعنى بتدريب وتعليم الفتيات مواد التربية الرياضية على غرار كلية التربية الرياضية للشباب. ومن الأسئلة التي طرحت: هل ستكون المواد التي تدخل ضمن المجموع الدراسي أم لا؟ وبصرف النظر عن الجدل، حبذت الطالبات الفكرة، بل اعتبرنها دافعاً فعلياً لتخطي الكثير من الاحباط الذي يشعرن به أحياناً بفعل ثقل بعض المواد الدراسية، وضرورة تحصيل العلامات. وقالت لينا محمد وهي تلميذة في المرحلة المتوسطة: "لدينا الكثير من المواد اللامنهجية، كالرسم والتربية المنزلية وغيرها، التي تتدرب من خلالها الطالبات على فنون وحرف مختلفة. وجميعها يدخل في المجموع النهائي في الشهادات التعليمية، تماماً كما مواد التاريخ والرياضيات... ما يزيد التوتر والضغط على الفتاة، وإذا كانت حصص التربية الرياضية ستنطبق عليها الشروط والمواصفات نفسها التي تنطبق على المواد الأخرى، فمن الأفضل ألا تعتمد لأنها ستشكل عبئاً جديداً علينا. ولكن، إن كانت لتفريغ الطاقات المكبوتة في داخلنا، ولتفريغ شحنات الاكتئاب المتواصل التي تتسبب فيها المواد الدراسية الأخرى فستكون بالتأكيد في مصلحة الدراسة، خصوصاً ان وفرت لمثل هذه المادة معلمات يستوعبن طاقاتنا الداخلية". جيهان الغامدي في الصف الثالث متوسط تحبذ الفكرة مهما كانت الشروط، مؤكدة انها تستطيع تخيل هذه النوعية من النشاطات وما تعطيه من حيوية، لأنها حتى الصف السادس، قبل أن تنتقل الى مدرسة حكومية في المرحلة المتوسطة. وتوضح جيهان الفرق بين النوعين من المدارس: "يختلف الوضع في المدارس الاهلية، وبالفعل كنا نجد في الحصص الرياضية، خصوصاً في الفترة الصباحية، متنفساً حقيقياً يعطينا القدرة على تحمل الضغط الدراسي. وغالباً ما كانت مدرسات التربية الرياضية خفيفات الظل، اضافة الى انهن يفهمن في الحميات الخاصة بمراقبة الوزن مثلاً... كل هذا يخلق فتيات يحافظن على أجسامهن سليمة".. فاطمة الزهراني تلميذة ثانوية عامة تؤيد حصص التربية الرياضية مثل معظم فتيات صفها، مشددة على انها "متنفس حقيقي للشحنات الداخلية، ولكثير من التوتر العصبي داخل المدرسة أو خارجها، فهي مفيدة للتنشيط الجسدي، والترفيه العقلي". وتشترط فاطمة "وجود مدرسات مؤهلات بطريقة دينية في المقام الاول ولديهن المهارات التي تفتح امام الفتيات الباب لممارسة التمارين الرياضية المناسبة لطبيعتهن الانثوية". ولأولياء الأمور رأيهم في الموضوع. ويطالب بعضهم بتوزيع استبيانات لمعرفة التصور النهائي لهذه الحصص، وما هي أهم النقاط التي يشترك فيها الآباء والامهات، لافتين الى ان الهدف من هذا النشاط يجب أن يكون احتواء القدرات التي تتمتع بها الطالبات في هذه السن الحيوية من دون الاسفاف، او الخروج عن نمطية العادات والتقاليد السعودية المتعارف عليها". وقال طلال النافع، المشرف الاجتماعي والأب لثلاث فتيات في مراحل تعليمية مختلفة: "ليس من الخطأ البحث والتطور في كل ما يفيد أولادنا سواء في التعليم، او مجالات الحياة المتعددة، الا انه علينا مراعاة الكثير من الجوانب التي تحتمل الجدل في مثل هذا القرار، فمثلاً العديد يسأل كيف ستكون آلية التطبيق؟ من سيدرب البنات في ظل غياب مدرسات متخصصات في التربية الرياضية؟ هل ستدخل الحصص ضمن المجموع الدراسي ام انها مجرد نشاط لمرة او مرتين في الاسبوع؟ هناك علامات استفهام عديدة". من جهتهم، يعتقد المتخصصون بأهمية الحصص الرياضية. منهم صباح الصيب، عضو باحث في وحدة الدراسات والبحوث التربوية في وزارة التربية والتعليم - فرع تعليم البنات في جدة، التي رأت "ضرورة إدخال التربية الرياضية الى المدارس، على أن تكون نشاطاً لا صفيّاً غير مرتبط بالمجموع"، معللة ذلك "بعدم وجود قسم متخصص في كليات البنات السعودية لتدريس مواد التربية الرياضية، وبذلك لا يوجد متخصصات في هذا القسم". وأضافت: "في حال فرضها على انها مادة اجبارية، ستنفر الطالبات منها كبقية المواد الدراسية وبذلك تنتفي عنها صفة النشاط الترفيهي، الذي يساعد في حرية التفكير، وتجديد الخلايا البدنية المحفزة لزيادة الانزيمات المنشطة للجسد. ولكن حتى لو لم ترتبط هذه المادة بالمنهج الدراسي، فإنها تخضع للكثير من القوانين والضوابط التي يجب ان تفرض على المدارس من النواحي الدينية بحيث لا تمارس انواع الرياضة التي تؤثر في شكل او بآخر على النواحي الانثوية. وعلى المدربات ان يلتحقن بدورات طبية تدريبية بحيث يستطعن التصرف في حال وقوع بعض الحوادث البسيطة". ورحبت مديرة ادارة التطوير التربوي في الادارة العامة للتربية والتعليم في جدة، جواهر محمد مهدي، بتبني مجلس الشورى القرار والموافقة عليه والعمل على تنفيذه، "خصوصاً عندما تتبع الانظمة والقوانين التي توافق السلوك والاخلاق والعادات الاسلامية، فالرسول عليه الصلاة والسلام كان يسابق زوجته السيدة عائشة، وسيدنا عمر رضي الله عنه قال علموا أولادكم السباحة، والرماية، وركوب الخيل". وأضافت ان مجلس الشورى "لن يغفل التفاصيل الدقيقة والعامة عند اقراره تدريس مثل هذه المواد". ولدى سؤالها عما اذا كان مثل هذا القرار سيوجد نوعاً جديداً من الوظائف النسائية في السعودية، قالت: "من المعروف اننا لا نحظى بكلية تربية رياضية للفتيات، ما يعود بنا مرة اخرى الى العمالة الوافدة خلال السنوات الخمس الأولى على أقل تقدير، لذلك يجب ان يكون هناك خطة... والسؤال هنا هل سيكون لدينا كلية تدرس مواد التربية الرياضية للبنات على غرار الشباب، ام سنبقى في دائرة العمالة الوافدة؟ لذا يجب ان نرى ما هي الامكانات البشرية، والتدريبية، والتدريسية، والملاعب المتوافرة في المباني المدرسية الحكومية. واعتقد انه علينا التريث قليلاً لدراسة الجدوى التربوية والاقتصادية للقرار، لتوفير كل ما يتطلبه تنفيذه في المدارس الحكومية، للوصول الى صورة متكاملة تجنّب الوقوع في أخطاء تجعل اولياء الامور ينفرون من دخول الرياضة الى المناهج".