قال "بنك الكويت الوطني" انه يبدو ان الولاياتالمتحدة تريد ان يضعف الدولار بشكل تدرجي، على رغم تأكيد وزير الخزانة الاميركي جون سنو بين الحين والآخر دعمه لسياسة دولار قوي. وأضاف البنك في تقريره الاسبوعي ان أسعار الفائدة الأميركية ستظل على الأغلب عند أدنى مستوياتها التاريخية خلال النصف الأول من سنة 2004، لافتاً الى أنه على الدولار أن يقطع شوطاً طويلاً قبل أن يتمكن من تغيير مساره. وزاد انه من الواضح أن التفكير الحالي في أوروبا بدأ يتقبل فكرة الدولار الضعيف على المدى الطويل، مشيراً الى ان عالم الأعمال الاوروبي لا بد أن يتقبل في نهاية المطاف تداول اليورو ضمن نطاق أعلى ما بين 1.25 و1.35 دولار. وفي ما يأتي ما ورد في التقرير: أنهى وزراء المال في الدول الصناعية السبع الذين اجتمعوا في بوكا راتون في ولاية فلوريدا الأميركية يومي الجمعة والسبت من الاسبوع الماضي اجتماعاتهم ويغمرهم شعور عارم بالرضا عما أنجزوه، فقد صرح الأوروبيون أنهم حققوا تفاهماً للتعاون من أجل وقف الفوضى في الأسواق، وقال وزير الخزانة الاميركي ان وضع الدولار على ما يرام وأنه سعيد بالبيان الصادر عن الدول الصناعية السبع، بينما أعلن اليابانيون تمسكهم بالموقف الذي أعلنوه قبل الاجتماع. ولكن في نهاية المطاف، لم تكن أي من تلك المواقف والتصريحات لتغير من الأمر شيئاً، نظراً الى أن رئيس مجلس الاحتياط الفيديرالي المصرف المركزي الاميركي الان غرينسبان هو الذي أطلق اوضح اشارات الى الاسواق حول الاتجاه الذي يحبذه للدولار. ولم يكتف غرينسبان، في تقديمه لتقرير مجلس الاحتياط الفيديرالي نصف السنوي للكونغرس الأميركي حول السياسة النقدية، بتبديد التوقعات بإمكانية رفع اسعار الفائدة قريباً، بل قال أيضاً ان تراجع قيمة الدولار كان متدرجاً ولم تكن له أي آثار جانبية مادية سيئة في أسواق رأس المال الأميركية. اضافة الى ذلك، قال غرينسبان ان ذلك "لا بد وأن يساعد في النهاية على احتواء العجز في الحساب الجاري". فهل من مزيد لمستزيد؟ لقد تهاوى الدولار إلى أدنى مستوى له منذ أعوام عدة مقابل عملات عدة عقب هذه التعليقات. وتوقع غرينسبان أيضاً أن النمو في الوظائف سيتحسن قريباً وأن معدل البطالة قد ينخفض لما يقارب اربعة في المئة عما كان عليه في شهر كانون الثاني يناير الماضي وهو 5.7 في المئة، قبل أن يبدأ التضخم بالتسارع. ولنتذكر أنه قال من خلال بيان لجنة السوق المفتوحة: "إن التضخم المنخفض يمكن مجلس الاحتياط الفيديرالي من التحلي بالصبر" في ما يخص رفع أسعار الفائدة. فماذا تعني تلك التطورات بالنسبة للأسواق؟ أولا، لم ينته بعد المنحى التنازلي للدولار، فالتحركات لم تكن غير منتظمة حتى الآن، وذلك على الأقل حسبما أفاد أحد المندوبين إثر اجتماع بوكا راتون، وأيضا حسب وزير المال البلجيكي ديديه رايندرس، حيث لم يبحث موضوع التدخل في الاسواق لوقف تدهور الدولار. وترغب الولاياتالمتحدة بدولار يضعف تدرجاً، على رغم تأكيد وزير الخزانة الاميركي بين الحين والآخر لسياسته الداعمة لدولار قوي. وستظل أسعار الفائدة الأميركية على الأغلب في أدنى مستوياتها التاريخية خلال النصف الأول من سنة 2004، فالعجز التجاري لا يزال مقلقاً، على اعتبار أن العجز بلغ في شهر كانون الاول ديسمبر 42.48 بليون دولار وهو رقم فاق الأربعين بليون دولار الذي توقعه الاقتصاديون بالإجماع. وبلغت ثقة المستهلك في شهر شباط فبراير، حسب مؤشر جامعة ميشيغان، 93.1 نقطة مقابل 103.8 نقطة في كانون الثاني، وهي قراءة غير إيجابية بالنسبة للدولار. وخلاصة القول انه على الدولار أن يقطع شوطاً طويلاً قبل أن يتمكن من تغيير مساره. أوروبا منطقة اليورو حسبما جاء على لسان أحد الديبلوماسيين الذين حضروا اجتماع الدول الصناعية السبع في فلوريدا، فإن وزراء المال الأوروبيين سيبحثون في "كل الطرق الممكنة" لوقف ارتفاع اليورو. لكن الديبلوماسي نفسه أقر "أن هناك ثلاثة طرق فقط للتدخل وهي التدخل الكلامي وخفض أسعار الفوائد والتدخل الفعلي". والواضح تماماً أن أحداً لا يتوقع أن يكون للتدخل تأثير دائم، خصوصاً إذا لم يكن تدخلاً منسقاً، فبمعزل عن مباركة الولاياتالمتحدة لن يكون للتدخل تأثير سوى توفير فرصة لشراء اليورو بسعر أرخص. أما التدخل عن طريقة خفض أسعار الفوائد فالارجح أن يكون له تأثير دائم وأقوى في قيمة اليورو. وأجمع عدد من الاقتصاديين الألمان أخيراً على أن تأثير ارتفاع اليورو في النمو الاقتصادي الوليد سيكون فقط في حال ارتفاعه بشدة مقابل الدولار. وتوقع هؤلاء أن يكون النمو الاقتصادي بمعدل 1.8 في المئة وأن ارتفاع اليورو من 1.28 مقابل الدولار حالياً إلى 1.45 سيخفض النمو بنسبة 0.5 في المئة فقط. وكان رئيس معهد دي أي دبليو الاقتصادي كلاوس زميرمان صرح أن الأوروبيين لن يواجهوا مشاكل حقيقية إلا في حال ارتفاع اليورو ما فوق 1.35 دولار على المدى الطويل. والواضح من هذه التصريحات أن التفكير الحالي في أوروبا بدأ يتقبل فكرة الدولار الضعيف على المدى الطويل، وشيئاً فشيئاً لا بد أن يتقبل عالم الأعمال الأوروبي في نهاية المطاف تداول اليورو ضمن نطاق أعلى ما بين 1.25 و1.35 دولار. وفي هذه الأثناء زادت قناعة البنك المركزي الأوروبي من أن ارتفاع اليورو سيلجم التضخم عن طريق إبقاء أسعار السلع المستوردة متدنية. ولهذا فإن أي انخفاض لليورو ولأي سبب كان يعتبر فرصة لتغطية المراكز والتحوط في هذه العملة. المملكة المتحدة أصدر بنك إنكلترا المركزي تقريره ربع السنوي حول التضخم في الأسبوع الماضي، الذي توقع ارتفاع التضخم هذه السنة بشدة، وان يصل إلى المعدل المستهدف من قبل البنك المركزي عند اثنين في المئة خلال سنتين. لكن ارتفاع الجنيه سيعمل على التخفيف من تأثير ارتفاع التضخم في الاقتصاد. وكان معدل البطالة ومعدل الدخل الفردي أكدا توقعات الأسواق برفع أسعار الفائدة على الاسترليني تدرجاً بمقدار 50 نقطة أساس حتى نهاية السنة الجارية. وانخفض معدل البطالة في كانون الثاني إلى 2.9 في المئة من ثلاثة في المئة. كما ارتفع معدل الدخل الفردي بنسبة 3.4 في المئة. كل هذه المؤشرات، بالإضافة إلى انخفاض الدولار، ساعدت على رفع الجنيه إلى أعلى مستوى له منذ 11 عاماً لما يقارب 1.9000 مقابل الدولار. وكانت الأسواق بدأت الحديث فعلياً عن إمكانية وصول الجنيه لمستوى دولارين، وهو المستوى الذي كان عليه الجنيه قبيل "الأربعاء الأسود" في أيلول سبتمبر عام 1992 عندما تسببت أزمة العملة البريطانية وقتئذ بخروج الجنيه من آلية أسعار الصرف الأوروبية. وأشرنا مرات عدة في السابق لهذه الإمكانية، إذ ما زال نمو الاقتصاد البريطاني يتفوق على مثيله الأوروبي خلال الأعوام القليلة الماضية. وبما أن بنك إنكلترا المركزي ما زال يرغب في المزيد من رفع أسعار الفوائد، فإن فروقات النمو وفروقات أسعار الفوائد لصالح بريطانيا يمثلان عاملي ضغط قويين تعلل للأسواق شراء الجنيه عند أي ارتداد كبير له. اليابان زادت الإشاعات في الأسواق أخيراً حول تفكير الصين الجدي برفع قبضتها عن عملتها المغللة بالحديد مقابل الدولار. وسيكون أمر كهذا أكبر تغيير في السياسة النقدية في الصين منذ عقد من الزمن وسيجعل الدول الآسيوية الأخرى تحذو حذو الصين وتعدل قيمة عملاتها مقابل الدولار. ويبقى السؤال الأهم هو مدى تحرك الين إن صحت هذه الإشاعات. وكانت الأسواق بدأت بشراء الين من دون توقف منذ اجتماع الدول الصناعية السبع في أيلول في دبي والذي تم من خلاله تحديد اللوم على كل من الصينواليابان كونهما المسيئان لمجهودات عملية التعديل الدولية. ان المؤشرات التقنية قد تدعونا للاعتقاد بأن هناك مخاطر من إرهاق المراكز البائعة للدولار مقابل الين قريباً، إلا أن التدفق المتواصل للبيانات الاقتصادية الإيجابية بالإضافة للتدفق الرأسمالي يؤشران إلى أن هبوط الدولار مقابل الين إلى مستوى 101 إلى 102 تبقى مسألة وقت. وكان الفائض في الحساب الجاري الياباني سجل نسبة نمو مقدارها 38.5 في المئة في كانون الاول مقارنة بعام مضى وهو النمو الشهري السادس على التوالي، مستفيداً من انتعاش قطاع الصادرات. وكان الفائض في الميزان التجاري ارتفع بنسبة 33.9 في المئة في كانون الاول، كما ارتفعت طلبات الآلات الأساسية بنسبة 8.1 في المئة في الشهر نفسه، ما يشير إلى تحسن الاستثمار الرأسمالي من قبل الشركات. وبشكل عام، فعلى رغم تصريح مساعد وزير المال للشؤون الدولية زيمبي ميزوغوتشي من أن اليابانيين "سيتصرفون بما هو لازم"، يبدو ان الين متجه في مساره لتحقيق مستويات أعلى، وعلى رغم أننا لا نتوقع أن يكون الطريق سلساً، الا ان الوجهة باتت واضحة. تعليق الصور: بورصة نيويورك أ ب