تتجه أنظار المغاربة والعرب والأفارقة مساء اليوم إلى ملعب "7 نوفمبر" في رادس الضاحية الجنوبية للعاصمة التونسية، والذي يحتضن نهائي كأس أمم أفريقيا، في أول دربي مغاربي ساخن ما بين المنتخبين التونسي والمغربي وثاني مواجهة عربية - عربية من أجل التتويج باللقب الأفريقي بعد 45 عاماً والتي كانت جمعت المنتخب المصري بشقيقه السوداني. ربما بدا الأمر مبكراً، لتقويم حصاد هذه الكأس الأفريقية، لكنها كانت الدورة التي حطمت غالبية التكهنات المسبقة واستطلاعات الرأي المصاحبة، شهدت سقوط الكبار، وتراجع المنتخبات العريقة لأفريقيا السمراء وما وراء الصحراء، وذبول بريق النجوم التقليديين، وبذور التأثير المتنامي لجيل المهاجرين والمغتربين، وانتصار إرادة المجموعة وروح الفريق على المهارات الفردية للاعبين الأفارقة، وانتفاضة المنتخبات المغاربية وحسن إدارتها لمشوار البطولة الطويل بذكاء وتعطش قوي لأبنائها للتألق والتتويج... ومع قليل من الحظ أدرك منتخبا تونس والمغرب المحطة الأخيرة والدور النهائي. وبعد "الفرحة الصغرى" والتأهل للنهائي الثالث في تاريخهم بعد عامي 1965 و1996، كبر حلم التوانسة وأقسموا سراً وعلانية بأن الكأس هذه المرة لن تغادر بلدهم، وأصبح موعد اليوم المحور الرئيس لأحاديثهم في المجالس والمقاهي والمكاتب. غابت كل أسئلتهم ومشكلاتهم الكبرى: البطالة والحريات والانتخابات وصارت كلمة السر "الانتصار يا أولاد... ولا شيء غير الانتصار". انتعشت السوق السوداء بشكل "مخيف" حتى تعدى ثمن بطاقة الدخول العادية ال100 دولار، ونشطت الاتصالات الهاتفية و"التوسلات" لدى أصحاب القرار والمسؤولين طمعاً في حجز مقعد في ملعب رادس. استبدت الرغبة الجارفة في النفوس وتخمر تحت سحر الفاتنة المستديرة أشد عقلاءهم وأبرز مثقفيهم وروابطهم الفكرية والحزبية التي أبت إلا أن "تنزل" إلى الشارع، وتقترب من نبض كل الناس في أحلام كل الدنيا في تونس 2004: التتويج بالكأس الأفريقية. يدرك آخر من تبقى من التوانسة متحفظاً أمام "الهستيريا الشعبية" بأن المنتخب المغربي ومدربه وشبابه كانوا أبرز مفاجآت هذه الدورة، فهم لم يسرقوا تأهلهم من أحد ولديهم أفضل خط هجومي وأفضل دفاع. انبهروا بذكاء الحارس السابق المدرب بادو الزاكي في مسيرته الأفريقية، والذي غامر بإبعاد طلال الفرفوري وجواد الزايري من مباراته الأخيرة أمام مالي، فكسب الرهان و"خبأها" إلى النهائي المغاربي. شاهدوا تحفز الجالية المغربية المقيمة في تونس لدعم منتخبها القومي، وسمعوا ب10 طائرات جاءت من الرباط والدار البيضاء محملة بالتعزيز الجماهيري. توجسوا خيفة من تعيين السنغالي ندوي فالا حكماً للمباراة بعد الذي حدث في لقاء تونس والسنغال في الدور الربع النهائي، وتحسروا لغياب قائدهم المدافع خالد بدرة بعد حصوله على الإنذار الثاني كما غاب قائدهم سامي الطرابلسي في نهائي جنوب أفريقيا عام 1996. أسقطوا الأمثلة الشعبية والأساطير من ذاكرتهم حيث لا بد من ثلاث، بعد الأول والثاني في النجاح والخيبات كما يقال في المثال الفرنسي: "لا اثنين من دون ثالث". خسروا نهائي 1965 أمام غانا في ملعب المنزه وخسروا نهائي جوهانسبورغ عام 1996، وربحوا في تونس 2004، منتخب واعد جمع ما بين نخبة المحليين وشبابهم المهاجر وإضافة الفرنسي روجيه لومير الذي يحلم بالكأس القارية الثانية بعد كأس أمم أوروبا 2000... ولكنهم أصبحوا خارج دائرة العقلانية و"فتنة" وغدر الساحرة المستديرة وأقسموا على الانتصار في يوم الاستقلال الكروي... وعيد الحب العالمي.