تزامن عقد الدورة ال 82 لمهرجان القاهرة السينمائي مع ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المصادف في شهر كانون الاول ديسمبر الجاري، وحتّم وجود أفلام عدة في المهرجان القاهري تنضوي تحت خانة حقوق الإنسان. من هذه الأفلام"ذاكرة معتقلة"للمخرج والممثل المغربي جيلالي فرحاتي الذي كان قدم مجموعة من الأفلام نذكر منها"شرخة في الحائط"و"شاطئ الأطفال الضائعين"وغيرهما. في"ذاكرة معتقلة"يأخذنا فرحاتي في رحلة اكتشاف الذاكرة الجماعية المغربية من خلال اعادة اكتشاف ذاكرة أحد المعتقلين السياسيين في المغرب. فنتعرف الى الجو المغربي العام في السبعينات، وإلى النضال والبحث عن الحرية، وما يسمونه هناك بسنوات الجمر أو النحاس، نكتشف وجوهاً لا يزال الماضي يكبلها. ندخل صلب آلام تلك الوجوه. ونشعر بشيء من الألم على رغم غياب مشاهد العنف. وإذا كان فرحاتي عرف كيف يجعلنا نتألم لحال هؤلاء بلا مشاهد مبتذلة - الأمر الذي أعطى الفيلم قوة كبيرة. رائحة الطباشير التي تعيده الى الماضي البعيد، الماضي الذي فقده مع فقدان ذاكرته. رائحة الدم وأصوات الأبواب المغلقة أيقظت الألم الذي راح يتطور شيئاً فشيئاً على"دروب الجلجلة"التي ستصبح فيما بعد دروب الحرية مع عودة الذاكرة اليه. إذاً دروب الجلجلة التي سلكها مختار، أماكن الماضي البعيد التي قاده اليها زهير ابن احد المعتقلين السياسيين من رفاق مختار والذي مات في السجن، كانت السبيل الى خلاص الاثنين معاً مختار وزهير. مختار الرجل السبعيني الذي حرمه المعتقل من كل شيء حتى الذاكرة. فأصبح كالجثة الهامدة، إذ كما يقول زهير في الفيلم"الإنسان بلا ذاكرة رجل ميت". وزهير الفتى الشاب المتمرد الذي يرفض طاعة والدته بعد أن تنكرت لذكرى والده بزواجها من رجل آخر، والذي يحاول تتبع خطوات ابيه التي ما هي إلا خطوات مختار نفسه. "ذاكرة معتقلة"فيلم مغربي متميز بإنتاج فرنسي مشترك يأخذنا بشاعرية ورهافة الى الماضي الأليم ليمكن جيلالي فرحاتي من اراحة ضميره هو الذي صرح عقب انتهاء الفيلم بأن طرحه هذا الموضوع كان لقضية شخصية لم تنقطع عن ازعاجه من قديم الزمان وحتى اليوم كونه لم يشارك أهله في"سنوات الجمر"إذ كان مسافراً. من هنا كان لا بد له من اراحة ضميره وانجاز فيلم عن الاعتقالات السياسية في السبعينات"بعد أن أصبح المغرب اليوم في مرحلة الحرية والأمل"، كما يقول. "ذاكرة معتقلة"ما هو إلا تحية لهؤلاء الأشخاص الذين كافحوا وناضلوا ولاقوا الأمرين في سبيل الحرية. وهو يندرج ضمن إطار موجة الأفلام التي نراها بكثرة اليوم في المغرب والتي تصور تلك الفترة من الزمن مع ميزة خاصة تتلخص في نظرة المخرج الشاعر الذي أبى إلا أن يكون فيلمه عن الأمل.