سجل عام 2004 تغيرات جلية في عالم الإعلام، فظهرت تركيبة إعلامية غير مألوفة، قلبت المقاييس وبرزت أسماء على حساب أخرى. افتتحت قنوات متخصصة إخبارية وفنية وشبابية وطربية في لبنان وقطر واليمن، وافتتحت في واشنطن قناة"الحرة". حركة انتقال الإعلاميين بين المحطات والفنانين بين شركات الانتاج أنعشت المشهد الفضائي. إلا أن التركيبة الجديدة أفرزت ظواهر لم تتضح نتائجها حتى الآن. تحولات المشهد الفضائي على صعيد المشهد الفضائي، كان تلفزيون الواقع سيد الموقف بلا منازع. برنامج "ستار أكاديمي"استفحل في مجتمعنا العربي... جن جنون الجمهور العربي. تحوّل البرنامج من تجربة إعلامية أطلقتها"المؤسسة اللبنانية للإرسال"وأدخلت من خلالها"تلفزيون الواقع"إلى المشهد الفضائي العربي، إلى ظاهرة اجتماعية وثقافية وسياسية صارت الشغل الشاغل للجمهور العربي وقياداته السياسية. "المؤسسة اللبنانية للإرسال"لم تنه المجازفة بل راهنت على جولة عربية أكدت نجاح البرنامج من جهة وأفرزت لغطاً أدى إلى مشكلات سياسية في بعض الدول المضيفة أحياناً. في تونس، لاقى الجمهور التونسي الذواق الطلاب بالترحاب. وفي الكويت، انتظر الجمهور بفارغ الصبر حفلة الأكاديمية التي حققت إنجازاً ليس فقط لأنها استطاعت أن تفرض قرار الدولة على الجماعات المعارضة فحسب، وإنما لأنها شكلت سابقة على الصعيد الفني. وفي وقت كان الطلاب الثمانية ينشدون أغانيهم للجمهور الذي غلب عليه حضور غير مسبوق للنساء والأطفال، تجمع على بعد 300 متر نحو 150 متشدداً عبروا عن رفضهم للحفلة. وندد عشرات المتظاهرين من الأحزاب الإسلامية في الكويت بالحفلة وهددوا نواب الكتلة الإسلامية بعدم تأييدهم في الانتخابات المقبلة. بعد"ستار أكاديمي"، استمرت"المؤسسة اللبنانية للإرسال"في رهانها وقدمت مسابقة ملكة جمال لبنان على مبدأ"الواقع". تجربة تلفزيون الواقع هذه المرة لم تمر على خير. فقد أخذت جلسة"النسوان العصريات"حول"تنوّر القرية الفضائية"منحى أكبر بكثير من اللازم. فجاء البرنامج سطحياً ولم يحقق النجاح المطلوب. مع برنامج"الرئيس"الذي قدم على"أم بي سي"، جرت الرياح عكس ما اشتهتها السفن. فقد اوقفت السلطات الرسمية في البحرين البرنامج. ووجه أعضاء فريق عمل برنامج"الرئيس"رسالة إلى ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة قدموا خلالها الشكر لاستضافته فريق العمل والمشتركين طالبين"إعادة النظر في وضعهم... وتقويم الإساءة التي ألحقت بسمعتهم وسمعة عائلاتهم من أجل رد الاعتبار إليهم، وكف ألسنة السوء وأقلامه التي تنوعت بين سياسية وإعلامية". في الجهة المقابلة، احتدمت المعركة في الجزء الثاني من"سوبر ستار"بين ليبيا وفلسطين. ففي فلسطين، كثفت الجماهير الجهود لمناصرة بطلها"القومي"عمار حسن. وأسهم أيمن الأعتر في إدخال البرنامج الفني إلى ليبيا. المسألة لم تكن عادية. فالوضع هناك لم يكن يسمح للفن أن يتواصل كثيراً مع بقية أقطار العالم العربي. إلا أن مشاركة أيمن الأعتر في البرنامج خلقت جواً حماسياً في الشارع الليبي: وسائل الإعلام الورقية والإلكترونية شنت حملات دعم، ومحلات الإنترنت خفضت التسعيرة من أجل التصويت على موقع البرنامج. كما استقبل الرئيس القذافي الأعتر تشجيعاً. تلفزيون الواقع في الغرب أخذ منحى مختلفاً، فمل الوجبة التقليدية وطرق باب السياسية. قدم الإعلام الغربي برنامجين، الأول رصد حياة الأميش المعروفين بانغلاقهم التام على أنفسهم ورفضهم الكامل لأي شكل من أشكال التمدن وتشكيلهم مجتمعاً خاصاً بهم خصوصاً في ولاية بنسلفانيا الأميركية. أما البرنامج الثاني فسخر من الطامحين في الحصول على"البطاقة الخضراء"التي تخولهم العمل والإقامة داخل أرجاء البلاد. في إيران، أدخلت"الموضة"إلى التلفزيون الرسمي الإيراني من خلال برنامج محلي، وبات يشغل الكثير من المشاهدين. والبرنامج الذي استضاف في حلقاته الأولى رجل دين تحدث عن أهمية مواكبة الموضة واعتبرها من ضرورات الحياة وأكد أنها لا تتصادم مع تقاليد إيران، يجيب عن سؤال أساس: ما هي الموضة؟ عالم الغناء في العام 2004، واصلت شركة"روتانا"سياستها التوسعية. فافتتحت قناة للطرب حاولت من خلالها خلق توازن فعلي بين الفن الجميل والآخر الاستهلاكي... ذلك أن مشروعها الجديد يحمل ورشة حقيقية لتأريخ حقبة زمنية فنية عريقة وإنعاش ذاكرة المشاهدين، لعلّ ذلك الرهان يسهم في فرز اتجاهات فنية راقية. وافتتحت"روتانا"أكاديمية فنية، تعنى بالمواهب الشابة وتعمل على صقل موهبتها ودعمها انتاجياً واعلامياً. وسط كل شؤون عالم الغناء وشجونه، طرح كل مستمع عربي هذا العام سؤالاً بديهياً: إلى متى ستظل الحال الفنية تعكس واقعاً فوضوياً نعيشه في مجتمعنا العربي؟ ومتى سيمسك بعض الفنانين بزمام الأمور فيحاولون إصلاح ما يمكن إصلاحه، ويقدمون فناً هادفاً يفعل في المجتمع ولو نصف ما كانت تفعل أم كلثوم وفيروز وعبد الحليم وفريد الأطرش وصباح وعبد الوهاب وغيرهم الكثير؟ دخول العارضات المجال الفني، كان الظاهرة الأبرز هذا العام. سيرين عبد النور ودومينيك حوراني ونيكول بردويل ونيكول سابا إلى عالم التمثيل... ماريا وبوسي سمير والراقصة بوسي وميرنا وليد وتينا إلى عالم الغناء. العري الذي رفعت لواءه تلك"المغنيات"أثر سلباً في الساحة الغنائية. فاختفت أسماء كثيرة ملت الوضع الموسيقي الراهن، فجاء العام عاماً غنائياً مملاً لم يقدم أي جديد على مستوى اللحن والكلام، حتى بات باستطاعة المستمع التأكيد أن الأغنيات الضاربة كانت نادرة هذا العام. الحال الفنية هذه السنة لم تكن بخير. فالمقاييس انقلبت ومن كان يعتبر نفسه في المقدمة بدأ يشعر بخطر كبير: أسهم تتراجع في بورصة الغناء، شركات الإنتاج تحكم قبضتها على كل شيء، وسوق الكاسيت يسجل خسارات كبيرة. وابرز ما يلفت الانتباه ضمن هذا التراجع، ظاهرة تحكم شركات الإنتاج بمهرجانات الصيف من جهة، وكثرة الحفلات والعروض الثنائية التي تشكل علامة ضعف ضد النجوم وقدرتهم على تقديم حفلة متكاملة العناصر من جهة ثانية. قد يكون مهرجان قرطاج الدولي مثالاً على تلك السيطرة، فالكثير من العروض التي قدمها ثنائية. واجهت تلك العروض نقداً كبيراً من وسائل الإعلام التونسية التي اعتبرت أن الحفلات المشتركة تقلل من قيمة المهرجان الحقيقية ومكانة الفنان الضيف. إذ جرت العادة أن يتكل على قدرات كل نجم دون سواه. وحقيقة الأمر أن المنتجين آثروا تقديم حفلات مشتركة تحسباً لئلا يستطيع النجم وحده أن يجذب جمهوراً كبيراً لذا"سيكون من الأضمن أن تحمل الحفلة إسمين". من جهة ثانية، شهدت الساحة الغنائية عودة بعض المطربات بعد غياب... نوال الزغبي، ديانا حداد، وسميرة سعيد عدن إلى الساحة، فنجحن في الحفاظ على مكانتهن غير انهن لم يعدن الوهج الذي كللهن سابقاً. نانسي عجرم كانت مطربة العام. فأحرزت تقدماً كبيراً وأثرت سلباً في نجومية الأخريات، ففشلت حفلة هيفا وهبي في قرطاج، ولم تسجل حفلة إليسا النجاح المطلوب في جرش. وأخيراً،"ستار أكاديمي -2"ينطلق اليوم، و"سوبر ستار 3"على الأبواب. نانسي بدأت التحضير لألبومها المقبل وهيفا تحضر مفاجأة جديدة للجمهور. عبد الحليم حافظ يدخل تلفزيون الواقع وابطال مسلسل حياته سيختارهم الجمهور عبر التصويت..."روتانا سينما"تفتتح غداً... فما الجديد الذي ستقدمه سنة 2005؟