في الأسبوع الأخير من كلّ سنة تتسابق"منجّمات"لبنانيات على الفوز بجمهور تفتنه أسرار"الأبراج"فتمتلئ الشاشات الصغيرة بهنّ وتنتشر كتبهن في المكتبات والأكشاك حاملة صورهن"الجميلة"على الأغلفة، اضافة الى اطلالاتهن في الصحف والمجلات... هذا"البازار"التنجيمي الذي يعرفه لبنان أكثر من أيّ دولة عربية أخرى تهيمن عليه سيدات وآنسات جئن"علم الفلك"من طريق"أبراج الحظّ". وأصبح هذا الميدان الذي يتسابقن فيه مورداً كبيراً للربح والربح السريع، لا سيما بعد دخول تقنيات الاتصال الخلويّ في صميم اللعبة. وربما لم يكن مفاجئاً احتلال كتاب"كارمن والأبراج"المرتبة الأولى في قائمة"علم الفلك"ضمن الكتب الأكثر مبيعاً في معرض بيروت للكتاب هذه السنة. لكن المفاجئ والمستهجن بالأحرى أن يصنف المعرض هذا الكتاب في سياق"علم الفلك"وكأنه كتاب علمي أو أكاديمي، فيما هو مجرد كتاب من كتب"الأبراج"المفضوحة المصادر والمراجع وما أكثرها في اللغات الأجنبية. لكن"كارمن"المسؤولة عن برنامج الأبراج في تلفزيون"المستقبل"استطاعت أن تحقق"انتصاراً"على ماغي فرح التي عملت طويلاً في"عالم الأبراج"في اذاعة"صوت لبنان"أيام كان حزب"الكتائب"لا يزال واحداً. وانتصرت كذلك على"المنجمة"زينة خوري التي لم تشفع بها اطلالتها الشهيرة في"استديو الفن"فتزيد من رواج كتبها ومن"الطلب عليها"كما يقال في المجلات والشاشات الفضائية... وهناك"منجّمات"أخريات يأتين في الدرجة الثانية ويطللن آخر كلّ سنة من خلال كتبهن وفي مقدمهن وفاء الزين التي تتميز"أبراجها"بطابع رومانسيّ. كوارث، زلازل، حروب، اغتيالات، عواصف، حرائق، أعاصير، فيضانات، غارات جوية، انفجارات، ثورات... هذه المفردات وسواها تحتل مطالع الكتب"التنجيمية"ويشعر القارئ حيالها بأن العام المزمع على المجيء سيكون أشد كارثية من العام الذي يكاد أن ينصرم. إلا أن مثل هذا"التهويل"الفلكي يرد دوماً في الكتب عاماً تلو آخر، خصوصاً بعد حادث 11 أيلول سبتمبر 2001 وصعود حركات الارهاب. وقد غدرت الطبيعة هذه السنة بالمنجمات اللبنانيات إذ وقع زلزال سومطرة المأسوي قبل نهاية هذا العام وليس في العام الجديد الذي انصبّت توقعاتهن عليه. وكانت وفاة زعيمين عربيين هذه السنة، هما الرئيس ياسر عرفات والشيخ زايد، قد فاتتهن بعدما توقع بعضهن وفاة زعيم عربي واحد وكانت أنظارهن طبعاً على عرفات لصحته السيئة. أما أطرف ما تحمل كتب"الأبراج"فهو هذا السيل من التوقعات والتبصرّات التي لا تحدها حدود. ويستطيع القارئ أن يتابع ما"سيحصل"له شهراً تلو شهر، عاطفياً ومالياً واجتماعياً وصحياً ووظيفياً، وأياً يكن هذا القارئ، عازباً أو متزوجاً، أباً أو أماً، شاباً أو عجوزاً، تلميذاً أو طفلاً... فالمنجمات"المتجمّلات"والمتبرّجات بحسب صورهن الملونة على الأغلفة لا يدعن أي حادث متوقع حصوله يفوتهن. فهن يسهرن على"مستقبل"جمهورهن ويسائلن الكواكب والأفلاك، ويرصدن حركتها ولو بالعين المجرّدة، ليلاً ونهاراً، من وراء الزجاج في بيوتهن... ويحاولن أن يطمئن المواليد الأقل حظاً بأن الانفراج لا بد آتٍ بعد أن يدخل كوكب عطارد برج أورانوس أو بعد أن يخرج كوكب نبتون من برج المريخ. وتبلغ معرفتهن الدقيقة بحركة الكواكب ذروتها عندما يرحن يحددن حركة المدّ والجزر الفلكية بالأشهر والأيام والساعات... إنها عينهن المجردة، العين السحرية التي لا تحتاج الى"مناظير"عملاقة ولا الى أجهزة الكترونية... فهن قادرات فعلاً على قراءة الكتب الأجنبية ونسخها بالعربية مع رشة"بهارات"محلّية تمنح التوقعات المزيد من الترغيب والترهيب. واللافت ان القراء"يتهافتون"على مثل هذه الكتب، بحماسة وشوق، وفي ظنهم انهم يستبقون هكذا مستقبلهم القريب والأيام التي ستقبل، حاملة معها ما تحمل من مفاجآت سارّة حيناً وبائسة حيناً. وكم من فتيات ونسوة يأخذن بنصائح"المنجمات"شهراً بشهر فيغيّرن نظام حياتهن وعملهن تحاشياً للأذى الذي تتوقعه المنجمات لهن... وليس من المستغرب أن تتعلق الفتيات والشابات بهذه الكتب بحثاً عن أوهام عاطفية يعلّلن أنفسهن بها، منتظرات أن"يهجم"النصيب ويقع الحبيب في الفخ. على أن"منجمة"عريقة مثل ماغي فرح، وهي كانت سابقاً في طليعة"المبرجات"، حاولت هذه السنة اللجوء الى الأبراج الصينية بعدما ضاقت بها الأبراج العادية، فأعلنت أن العام المقبل هو عام"صراع الديوك"بحسب التقويم الفلكي الصينيّ. ولا أحد يدري الى أين سيؤدي صراع الديوك هذا خصوصاً، أن الأبراج الصينية تحمل أسماء حيوانات ضارية كالأسد والنمر... وما تجدر الاشارة اليه ان ميدان الأبراج الذي طالما كان وقفاً على الإنسان والسيدات راح يقتحمه قبل بضع سنوات منجمون وعرّافون ذكور، محاولين التنافس معهن. لكن"النجومية"في هذا الميدان تظلّ للوجوه الأنثوية الجميلة أو"المتجمّلة"، أي التي خضعت لعمليات تجميل غير قليلة!