... أما ونحن شعوب نبحث عن الخرافة ونصدقها، وتتلبسنا الميتافيزيقيا وتسكننا حتى تتحول حياتنا، وتفاصيل أيامنا، وأطر قراراتنا بقول «بصارة براجة» ونصيحة قارئة كف، أو فنجان، أو ضاربة ودع، أو بصارة بأوراق اللعب «الشدة» بلهجة أخوتنا اللبنانيين، و«الكوتشينة» بلهجة أخوتنا المصريين. أما ونحن شعوب نبحث عن مستقبلاتنا، ونبني أفق تطلعاتنا، ونستشرف انتصاراتنا، ومساحات التفوق في صناعة تاريخنا، وإصلاح واقعنا عبر تقريرات وتقديرات ونصائح «كارمن» و«ماغي فرح» و«ميشال حايك» و«هدى الزين» و«حسن الشاروني» وعشرات غيرهم في كل الوطن العربي من محيطه الى خليجه يبيعون لنا الوهم، ويحذروننا من التحركات الفلكية، والتقارب بين زحل والشمس، وتزاوج عطارد مع القمر.. أما ومنا فئة جاهلة بليدة مخدرة بالميتافيزيقيا، تبحث عن السعادة من ورقة لعب، وتؤطر حياتها بيوم سعد، ويوم نحس، وتخطط لطموحاتها، وتحصيلها الحياتي، وإثراء واقعها بالإنجازات الشخصية والجماعية، الفردية والوطنية عبر قراءة سيدة جاهلة لفنجان قهوتها الصباحية.. أما ونحن كذلك، فلا أمل لنا، ولا رجاء، ولا احتمالات بأن تحقق هذه الأمة نهضة فكرية، وانتصارية، وثقافية، واجتماعية، وان تنعتق من التخلف الذي تعيشه في كافة مجالاتها الحياتية، وحياة إنسانها المشدود إلى الوهم، والخرافة، المرهق بالغيبيات والاساطير والارواح، والعوامل الخفية المؤثرة.. وربما أتفق - الآن - مع الأستاذ الدكتور سعيد السريحي في اعتقاده بانقراض الثقافة العربية، وربما العنصر العربي. أيام قليلة جداً. مجرد أيام لا شهور.. في نهاية السنة تتسابق الفضائيات العربية على استضافة حسن الشاروني، وميشال حايك، وهدى الزين ليقرأوا أقدارنا، ومصير نضالاتنا، وعذاباتنا، وقهرنا، وإحباطاتنا، وتعاساتنا في هذا الشرق المسكون بالخرافة، ويطعمونا خبز الوهم والاتكالية والعجز والهروب، وعلينا أن ننمط حياتنا، ونعي مستقبلاتنا على كل توقعاتهم. على الفلسطينيين أن يفرحوا لأن حياة شارون «السفاح» ستكون نهاية لآلامهم في طريق الجلجلة. وعلينا، علينا جميعاً، أن ندخل في سبات عميق.. عميق ليتولى أمرنا الشاروني، وكارمن..!!