يوم قدّم الموسيقار بليغ حمدي علي الحجار في أغنيتهما الأولى معاً"على قدّ ما حبينا"أواخر السبعينات كان واضحاً أن الحجار سيصبح أحد علامات الغناء المصري. ها هو بعد عقدين ونصف، يفرض نفسه، ويحتلّ موقعاً متميزاً - شأنه في ذلك شأن زميله محمد منير - حائزاً لقب مطرب النخبة الثقافية في مصر والعالم العربي. من لا يعرفه جيداً قد يتّهمه بالكسل. فهو يصمت بين 5 و7 سنوات بين ألبوم وآخر. لكن هذا الفاصل الزمني عائد إلى سبب جوهري، هو أن الحجار ينتج أعماله بنفسه كي يضمن عدم تدخّل المنتج - التاجر في عمله الابداعي، وهو يعترف بفشله في التسويق والترويج لأعماله. اطلالاته قليلة، عبر حفلات نخبوية في دار الأوبرا وشعبية في ميادين القاهرة، كذلك عبر أغاني المسلسلات التي ارتبط بها منذ بداياته، وحقّق بصمته الخاصة في عالم الدراما المصرية. يجفل إذ يُسأل عن الاعتزال ويقول:"اعتزال الغناء هو انتحار المطرب، وهو لم يرد يوماً في بالي". ماذا وراء هذا العشق؟ يجيب:"عرفت من البداية أنني لن أستطيع تغيير الكون كما حلمت ولن أجد في الغناء حلّ رموز هموم وطني، فاخترت أن أكون قطرة أول الغيث التي يحتمل أن تخضّر غرسة، أن أدرأ عن بلدي شرّ تهمة، فأكون استثناء وسط الإنحطاط الفني. هكذا فضّلت أن أكون جندياً في كتيبة على أن أكون قائداً معتزلاً. على الصعيد الشخصي أردت أن أثأر لوالدي الفنان والموسيقي ابراهيم الحجار الذي طُرد من الإذاعة لأن اسمه لم يعجب المدير. أردت أن أخلّد اسم"الحجار"، فنياً واجتماعياً عبر انجاب الكثير من الأولاد يحملون اسم العائلة. دلّني والدي الى أول الطريق يوم نصحني بأن أقدّم أعمالاً تعيش بعد أن أموت لا تموت وأنا عائش". مع علي الحجار لا بدّ أن نتساءل عن تعثّر جيله، جيل الثمانينات، الذي كان من المفروض أن يحتلّ الساحة الفنية، ويشكّل تياراً موسيقياً وغنائياً قوياً، لكنّه، اليوم، يكتفي بركن خاص، متفادياً زحمة الطفيليات الرائجة. يعترف الحجار بالظروف القاسية التي مرّ بها الغناء في العقدين المنصرمين، كما القطاع الثقافي في شكل عام، وأهمّها تفاقم الجانب التجاري والمادي في العملية الابداعية. كذلك تردّي الأوضاع السياسية الأقليمية تحديداً. بينما كان الحجار يمضي في مسيرته الملتزمة فنياً وإثر صدور كاسيت"في قلب الليل"عام 48 ظهرت الموجة الشبابية الغنائية. يعلّق:"قلت في نفسي إنها موقتة وسحابة صيف، كنت واثقاً بالجمهور العربي ووعيه وذائقته. لكن الموجة علت وأغرقت الجميع. قدّمت عام 98 كاسيت"أنا كنت عيدك"فحقّق نجاحاً كبيراً وكان دليلاً الى أن ذواقة الفن الجيد ما زالوا موجودين. لكن في ذلك الوقت ظهر الفيديو كليب ثم البثّ الفضائي وصولاً إلى الشركات الانتاجية الاحتكارية، مما فاقم الأمر سوءاً. لا حاجة اليوم للذهاب إلى الملاهي الليلية التي حضرت بنفسها إلى منازلنا". مرحلتان مهمتان يتوقف الحجار عندهما في تقويم حياته الفنية: الأولى اثر حرب الخليج الأولى، عندما أوقف ألبوماً عاطفياً كان يحضره ليصدر ألبوم"لمّي الشمل"، الأغنية التي قصد بها القضية الفلسطينية، بعدما رأى أنها سائرة نحو التهميش، والثانية هي مشروع"مئة سنة غناء"الذي يرمي إلى تجديد تراث المئة سنة الأخيرة. وقّع وزير الثقافة المصري بالموافقة على تمويل المشروع، وسيُباشر بالتنفيذ فور انتهاء المعاملات الإدارية. يؤكد الحجار أن المجال مفتوح أمام زملائه المطربين والموزعين الموسيقيين للمشاركة. مشروع كهذا يعطي أملاً بأن ثمة مساحة للأحلام الكبيرة. لكن الرسالة السياسية عبر الأغنية والموسيقى تبقى خارج هذه الأحلام، فبعد اصرار الحجار على تمرير أغان سياسية مباشرة وغير مباشرة توصّل إلى أنه ما من أغنية تستطيع أن تحرّك وجدان الشعوب العربية بعد كلّ ما تراه وتعيشه وفي ظلّ الفجور السياسي الحاصل. يصوّر الحجار حالياً مسلسل"رباعيات جاهين"للمخرج هاني اسماعيل وهو سبق أن غنّى الرباعيات محققاً أمنية روادته منذ كان في الرابعة عشرة من العمر. عن المستقبل يقول:"أؤمن أن لكل نهاية بداية جديدة عكسها. ما دمنا قد وصلنا إلى أسفل القاع فلم يعد أمامنا سوى الصعود. وهناك بوادر. منها كاظم الساهر".