وقّع مئات السياسيين والمثقفين المصريين بياناً تضامنياً مع تلفزيون المنار في مواجهة الحملة التي يتعرض لها في فرنسا من اللوبي الصهيوني، والتي وصلت الى حد تدخل رئيس الوزراء الفرنسي شخصياً للمطالبة بوقف بث المنار في فرنسا، ثم في أوروبا قاطبة. وتحقق لاسرائيل ما أرادت في وقف البث. وطالب الموقعون على البيان الحكومة الفرنسية التي ترفع شعارات الحرية بألا ترضخ لوأد الصوت المقاوم في العالم الإسلامي. كما يخشى الموقعون من خطورة التضييق على وسائل الاعلام العربية في أوروبا كافة، والذي يبدو انه آخذ في التزايد ليطاول قنوات فضائية، ووسائل إعلامية أخرى. ومنذ عامين أقدمت الرابطة الدولية لمناهضة العنصرية على رفع دعوى ضد الاستاذ ابراهيم نافع، رئيس تحرير"الأهرام"ونقيب الصحافيين المصريين آنذاك ورئيس اتحاد الصحافة العربية، بسبب مقال نشرته الاهرام للكاتب عادل حمودة بعنوان"فطيرة يهودية من دم العرب"، يتحدث فيه عن واقعة يهودية قديمة مرتبطة بعيد الفصح، واعتبرته الرابطة محرضاً على الكراهية والعنف العنصري. ولجأت الرابطة الى الاحتكام لقانون"غايسو - فابيوس"الفرنسي الذي يمنع التشكيك في المذابح والمحارق الهولوكوست التي حدثت لليهود في أوروبا إبان الحرب العالمية الثانية. ويعد هذا القانون أحد المعوقات التي تقف في وجه حرية الصافة الفرنسية. وكان رجاء جارودي، المفكر الفرنسي، أحد ضحايا هذا القانون بعد ان اصدر كتاباً يشكك في، أو ينفي روايات المحارق اليهودية والأرقام التي قيلت عنها. واستغلت هذه القوانين في ملاحقة وسائل الاعلام العربية التي كانت لها في السنوات الماضية قصب السبق في التفوق الاعلامي على نظيرتها اليهودية والأميركية، وكانت شواهد ذلك كثيرة ومتعددة وفي اكثر من ساحة. فقد نجح الاعلام العربي - الإسلامي بفضل توحيد الخطاب في مؤتمر مناهضة العنصرية في جنوب افريقيا، واستطاع ادانة الصهيونية كحركة عنصرية بعد اعتراضات أميركية واسرائىلية. لكن توحيد الخطاب في المؤتمر أثمر خروج هذه الإدانة، الأمر الذي اضطرت معه أميركا واسرائيل الى الانسحاب من المؤتمر. وحاولت اسرائيل أيضاً - بالتعاون مع أميركا - الضغط على قناتي أبو ظبي والكويت لمنع بث برنامج"إرهابيات". ووصل الضغط حده عندما لجأت الدولتان بشكواها الى الأممالمتحدة واليونسكو، معتبرتين ان البرنامج يعكس ثقافة تحريض وكراهية، ويستدعي فترات مظلمة من التاريخ. وعلى رغم ذلك بث البرنامج كاملاً، ولم يلتفت الى تلك الاحتجاجات والضغوط. والشيء نفسه حدث مع المسلسل العربي"فارس بلا جواد"، لكنه بث ايضاً كاملاً، ولم تعبأ قناة"دريم"بالتهديدات. واللافت للنظر ان الاعلام العربي، بفعل السموات المفتوحة، بدأ تأثيره يأخذ بريقه وفاعليته على ساحة الاعلام الدولي التي كانت اسرائيل ترى نفسها فيه الدولة الاكثر تأثيراً، والمهيمنة فيه واللاعب الوحيد الذي لا ينافسه أحد. فدخل الاعلام العربي في منافسة مع الاعلام الصهيوني لطرح الحقائق من وجهة نظره، بعد ان ظل العالم بأسره يخضع لوجهة نظر واحدة، لحقبة تمتد الى نصف قرن، هي وجهة نظر اليهود في القضايا العربية والدولية. كما نجحت قناة الجزيرة في تغطيتها لحرب الارهاب التي قامت بها أميركا، منذ عامين، ضد أفغانستان بعد أحداث 11 أيلول سبتمبر الشهيرة، ونقلت ما يحدث هناك، الامر الذي أزعج الأميركان، فضربوا مقر القناة بالطائرات. وحدث الشيء نفسه إبان حرب أميركا ضد العراق مع قناتي الجزيرة وأبو ظبي، ثم بعد الاحتلال مع قناة العربية. فقد تعرضت القنوات لمضايقات أعقبها قصف لمواقعها، وقامت بتدمير مقارها. واستبشرنا خيراً بهذا، وقلنا إننا نمضي على قدم وساق مع هذه الآلة الاعلامية، وباستطاعتنا ان نناطحها ونماثلها في ما تقدمه من برامج سياسية ودرامية. وقد حدث ذلك بالفعل، لولا اننا لا نملك سياسة النفس الطويل، ووضع الاستراتيجيات طويلة الأمد من أجل الحفاظ على هذه المكتسبات التي تحققت بفضل الصمود للضغوط الدولية، ومحاولة كسب المزيد من الجولات الاعلامية لصالحنا حتى يقتنع العالم بصحة وجهة نظرنا. لكننا لم نستثمر فعل النجاحات وتأثيراتها للمضي قدماً في تقديم المزيد من الاعمال، من خلال العمل الجماعي العربي، ومن خلال رؤية عربية للمستقبل. وقد تركنا جماعية العمل لتعمل كل دولة على حدة، فتلقينا ضربات. ومنع بث قناة المنار في أوروبا بعد بث مسلسل الشتات، ويبدو انها حققت نجاحاً في هذا الصدد لغياب العمل الجماعي العربي. وتركنا القناة تواجه منفردة هذه الضغوط العاتية. فكانت هذه النتيجة التي تدخل فيها رئيس الوزراء الفرنسي بنفسه لحسمها. وخضع تلفزيون دولة قطر للتهديدات نفسها، لكن هذه المرة من قوى إسلامية، بوقف مسلسل"الطريق الى كابول"، وإلا تعرضت القناة، والممثلون لعمل، إرهابي. واستجاب التلفزيون القطري للتهديدات، وأوقف بث المسلسل بعد ان بث منه ثماني حلقات. ومن الممكن ان يحدث المزيد من التنازلات. فمثل هذه التراجعات تشجع العدو على المزيد من الضغوط لكسب معركته الاعلامية ضدنا. فقد قرأنا ان مكتبة الاسكندرية سحبت"بروتوكولات بني صهيون من رفوفها، واعتبرتها مادة لا تخضع للمقاييس العلمية. كما كتب الزميل الدكتور رفعت سيد أحمد مقالاً في صحيفة"مايو"- لسان حال الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم في مصر - يعترض فيه على الارقام الاحصائية التي كتبتها الصهيونية العالمية في حادث المحرقة الشهير، وشكك في تلك الارقام من خلال مصادر موثقة وعلمية. غير ان وزير الاعلام المصري قدم اعتذاراً عن هذا الخطأ، وتم تغيير رئيس تحرير الصحيفة بعد ضغوط ترتبت على هذه المقالة. وأغلقت الإمارات العربية المتحدة مركز ابحاث ودراسات، بعد ان صنفته الصهيونية العالمية بأنه مركز ضد السامية، وينشر ثقافة الكراهية والعنصرية ضد اليهود. كل ذلك يجعلنا نضع ايدينا على قلوبنا خوفاً من المزيد من التنازلات العربية للضغوط في ميدان الاعلام، وهو أهم الميادين تأثيراً لنقل وجهة النظر العربية للعالم فيما يشهده من احداث وفعاليات. ومن ثم فإن القيادات الاعلامية مطالبة بأن تبذل المزيد من الجهد لوضع رؤية عربية موحدة لمواجهة هذه الحملة الصهيونية العاتية علينا حتى يكون لنا صوت في هذا الكون يقول لهم:"إننا عرب ولا يزال لنا حضور فيه"، أو على الأقل ان يعرف العالم اننا ما زلنا على قيد الحياة. القاهرة - رضا محمد العراقي صحافي مصري