يكاد الحضور الدرامي السوري الكثيف أن يطغى على ما عداه في المشهد الثقافي العام، إذ أن الأحاديث والأقاويل تصب في هذا الاتجاه، بعدما تراجع دور السينما والمسرح والكتاب خلال العقد الأخير المنصرم لأسباب عديدة، وأخذت خريطة الدراما تستحوذ على اهتمام الثقافة الرسمية. وتتسابق شركات الإنتاج على اقتناء نصوص يكتبها في العادة كتاب سيناريو غير محترفين جاؤوا في الهوجة العامة، وإذ بهم يتبؤون مكانة مرموقة في الجانبين المعنوي والمادي ثمن الساعة الدرامية نحو 0001 دولار. هذا الموسم ارتفعت نسبة الإنتاج السوري في شكل غير مسبوق، اذ تم انتاج 72 مسلسلاً درامياً بعدد ساعات تصل إلى نحو 0001ساعة راوحت بين التاريخي والاجتماعي والكوميدي، وبذلك استعادت هذه الدراما زخمها الذي بدأ منذ مطلع التسعينات، بعد أن انتزع القطاع الخاص قوانين جديدة أتاحت له العمل بحرية رقابية نسبية، فتأسست عشرات الشركات الإنتاجية برأسمال خليجي في الدرجة الأولى، قبل أن تنسحب بعض الشركات المحدودة لتبقى بضع شركات تعمل بغزارة بصرف النظر عن الجدوى الاقتصادية، وهناك من يتساءل اليوم عن الأسباب الخفية لعمل هذه الشركات في ظل اقتصاد سوري متعثر؟ التغريبة الفلسطينية أولاً... باستثناء"التغريبة الفلسطينية"، العمل الذي حمل توقيع حاتم علي مخرجاً ووليد سيف كاتباً، لم تحمل الدراما السورية لهذا الموسم أي مفاجآت، إلا فيما ندر، إذا لم نقل أن بعض هذه الأعمال تراجع فعلاً، ففي الوقت الذي فقد مخرج مثل نجدت أنزور موقعه في الصف الأول بعد أمجاده في الفانتازيا، حيث مر عمله الجديد"فارس بني مروان"بصمت، وقع مخرج مهم آخر هو هيثم حقي في فخ الدراما السهلة في مسلسل"الخيط الأبيض"، إذ لم يتمكن صانعوه من تقديم دراما مقنعة، فالمسلسل الذي يتصدى لواقع الاعلام المرئي، والتنافس بين المحطات التلفزيونية، تحول بعد حلقاته الأولى إلى سباق محموم بين نجميه جمال سليمان وجومانة مراد، تقليداً للنص الأجنبي الذي اقتبس عنه من دون إشارة، وهو بذلك ذهب بعيداً في أطروحاته، تبعاً لبيئة أخرى، لا تلامس في مواصفاتها البيئة السورية، وهي بعيدة عن صورة الاعلام السوري في ظل شاشة مغلقة على ذاتها منذ عقود، من دون التماعات مهنية، اراد المسلسل تأكيدها، فجاء العمل بمواصفات مكسيكية، ذللت العقبات أمام بطلته ومنتجته جومانة مراد، في استعراض عشرات الأزياء وتقليد جوليا روبرتس في النسخة الأصلية للشريط الذي كان بعنوان"أحب المشاكل"فيما ذهبت جدية جمال سليمان واشتغاله على شخصيته في مهب الريح، في غياب البصمة الإخراجية. أما"ليالي الصالحية"للمخرج بسام الملا فقد حقق نسبة مشاهدة عالية بالمقارنة مع غالبية المسلسلات على رغم أنه كان صدى لعمل سابق للمخرج نفسه بعنوان"أيام شامية"، ولعل اشتغاله على البيئة الدمشقية المغلقة على ذاتها أيقظ ذاكرة نائمة على أمجاد الحارة قبل قرن مضىبعاداتها وتقاليدها المفتقدة. وهكذا برز عمل"التغريبة الفلسطينية"في المقدمة، ليضع حاتم علي في طليعة المخرجين السوريين، على صعيد المقترح البصري الخلاق، والسرد المشهدي الحار لنص مشغول روائياً على خلفية قضية ساخنة من دون شعارات. واذا كان لا بد من حصيلة عمومية لما اقترحته الدراما السورية لهذا الموسم، فينبغي أن نشير إلى أن بطل هذه الدراما هو الممثل، إذ كشفت عن طاقات لافتة لممثلين شبان في أدوار متباينة في خصوصيتها، مثل رامي حنا وباسل خياط ونادين سلامة وتيم حسن إضافة إلى جمال سليمان في دور"أبو صالح"في"التغريبة..."، وبسام كوسا في"أحلام كبيرة". واعتقد أن الاكتشاف الحقيقي كان طاهر مامللي الذي كتب الموسيقى التصويرية لمسلسل"التغريبة الفلسطينية"، هذه الموسيقى المبتكرة التي كانت كتابة موازية للنص الدرامي. أسئلة الدراما السورية لا تزال تدور حول الماضي من دون ان تقترب من الراهن إلا عبر بعض اللوحات الكوميدية التي وجدت في النكتة الشائعة ملاذها التعبيري.