أطاحت التحولات الاستهلاكية المتسارعة بأشياء وجماليات خاصة، كانت ركناً اساسياً من اركان البيت، إذ كانت العائلة تتباهى بأن"الصالون"هو مرآة ثقافتها وموقعها الاجتماعي. من هنا، فإن اصحاب البيت كانوا يضعون"لوحات"في ركن من الصالون، مجاورة لصورة"رب العائلة"في شبابه الأول. اما الركن الحميم فهو الذي يستضيف رفوف المكتبة، حتى أن الزائر لا بد من ان يقوم بجولة سريعة لاكتشاف محتويات هذه المكتبة وتقدير قيمتها من جهة، ومعرفة اهتمامات صاحبها من جهة أخرى. كتب أبراج... وطبخ اليوم، صار من النادر جداً، ان تدخل بيتاً عربياً عصرياً وتجد في الصالون ركناً للكتب. ففي الركن المخصص لرفوف المكتبة، يمكنك ان تجد"فاترينة"من البلور والمعدن، تضم رفوفها افخر انواع الكؤوس والتماثيل الخزفية والأطباق الملونة. وفي احسن الأحوال، ستجد رفاً متواضعاً لأشرطة التسجيل او"سي دي"متنوعة لمطربي اليوم. اما الكتاب الورقي فقد كاد يختفي من معظم البيوت، عدا الكتب المدرسية بالطبع. وتحوّلت علاقة البعض بالكتاب الى مجرد شائعة كاقتناء كتاب أثار ضجة ما. وليس شرطاً ان يكون هذا الكتاب سياسياً أو فكرياً، فالكتاب يكون غالباً عن الأبراج والطبخ، وأحياناً يكون رواية نسائية فضائحية. اما الذي احتل"صدر"الصالون، فهو جهاز التلفزيون هناك إعلانات عن جهاز تلفزيون تقول: السينما في بيتك، الذي طغى على ما عداه من اهتمامات، بوجود عدد هائل من المحطات الفضائية التي تستقطب كل أفراد العائلة، ضمن ادعاء فج بأنه يقوم بدور"كتاب العصر". فهنا تتكدس ثقافة العموميات او"فتوش الثقافة": نشرة اخبار مصوّرة، نشرة جوية، خبر علمي، وبالطبع ساعات من الدراما البائسة بدلاً من الروايات، وبرامج حوارية قائمة على الصراخ والشتائم تخفف من صراخ الزوج للزوجة. هكذا انسحبت المكتبة الى العلية او"السقيفة"بصفة نتاج مرحلة آفلة وخاسرة، بعد ان ظهرت طبقة اجتماعية كنتيجة حتمية لمجتمع هجين. فهذه الطبقة تفتقد بطبيعة الحال الى تقاليد الطبقة الوسطى، ولم تتمكن من التقاط عناصر الطبقة العليا. وهي اقتحمت الساحة الاجتماعية بأموال غامضة وصفقات مشبوهة، وإذ بها تدخل الى الثقافة من باب الكماليات. ابناء هذه الطبقة يقومون بتصنيع مكتبة جمالية كجزء من ديكور الصالون الأنيق، وهنا لا بد من اقتناء"امهات الكتب"باستشارة مباشرة من اصحاب المكتبات العمومية. وليس مهماً ان تكون هذه الكتب مهمة او مفيدة، فالمهم هنا اناقة المجلدات وحجمها الذي يتناسب مع الديكور من دون زيادة او نقصان، كي توحي للزائر بأناقة المكان وذوق اصحابه، وتحقيق البعد التزييني للجدار، مثلها مثل اللوحة. وهذه الطبقة تفضل لوحات تنتسب الى مجال تزييني ايضاً:"طبيعة ميتة"، أو"منظر طبيعي"، تبعاً لمفهوم هؤلاء للفن ومقاصده الجمالية. الصالون، مثله مثل غرفة النوم او غرفة المعيشة، لفظ الكتاب خارجاً من دون ندم، إما لأسباب اقتصادية او نتيجة تحولات في الذائقة الاجتماعية، ولم يعد"ملجأ الأحلام". ومن هذا المنطلق وبحسب غاستون باشلار فنحن"نقرأ الحجرة"، أو"نكتب البيت". تشير هذه القراءة الى ان غالبية بيوت الأسرة العربية، تخلو من ركن المكتبة، اذ ان المكتبة"فائضة عن الحاجة"، ولا مانع من تزيين الجدران بأشياء اخرى كالسجادة مثلاً، او صورة لنجم تلفزيوني او سياسي او بطبق من القش الملون...