سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
شدد على ضرورة عقد مؤتمر جامع لتحويل اتفاقات الحكومة و"الحركة الشعبية" الى اتفاقات قومية . الصادق المهدي ل"الحياة": سنلجأ الى العصيان المدني اذا لم "تفكك" الحكومة "قنابل" اتفاق السلام
هدد رئيس الوزراء السوداني السابق زعيم حزب الأمة المعارض الصادق المهدي باللجوء إلى "العصيان المدني" اذا تمسكت الحكومة برفضها عقد مؤتمر قومي دستوري لتحويل اتفاق السلام في جنوب البلاد، المنتظر توقيعه بين الخرطوم و"الحركة الشعبية لتحرير السودان" في غضون أسابيع، من اتفاق ثنائي إلى قومي ومعالجة القضايا الغامضة و"تفكيك القنابل الموقوتة" في داخله. وحذر المهدي في حوار مع "الحياة" في مقر اقامته في أم درمان، ثاني أكبر مدن الخرطوم الثلاث، من أن اتفاق السلام لن يكون ملزماً إلا لطرفيه، الامر الذي يجعله هشاً غير مستدام ويحرض قوى جديدة على التمرد وحمل السلاح. وحمل في شدة على الحكومة واتهمها بأنها أوصلت السودان إلى مرحلة "محمية دولية" والاستجابة للضغوط الأجنبية وتبديد المال العام في اختراق أحزاب المعارضة وإضعافها، والتخبط والاستعجال في اتخاذ المواقف والتراجع عنها في وجه الضغوط. ودعا إلى تعبئة شعبية وممارسة ضغوط سياسية لحمل الحكومة على التراجع عن رفض عقد مؤتمر دستوري، مشيراً إلى أن اتفاقات السلام في صورتها الحالية "صنيعة أجنبية"، وليست نابعة من إرادة طرفي المحادثات ورغبتهما وقناعتهما. وبدا المهدي واثقاً من أن حزبه سيفوز في أي انتخابات حرة ونزيهة تجرى في البلاد وسيحتفظ بموقعه باعتباره أكبر الأحزاب السودانية بحسب آخر انتخابات جرت في مرحلة الديموقراطية عام 1986، واعتبر تحديد نسبة 14 في المئة من مقاعد مجلس الوزراء في الحكومة الانتقالية التي ستشكل عقب توقيع اتفاق السلام النهائي إلى المعارضة بأنها "مسيئة" مؤكداً ان حزبه لن يلهث وراءها، وربط مشاركته فيها بعقد مؤتمر دستوري. ودعا زعيم حزب الأمة إلى "تحقيق مستقل ومحاكمات دولية وجنائية وشعبية لكل من اقترف جرماً في حق شعبه ووطنه منذ استقلال البلاد" قبل نحو 49 عاماً، "خصوصاً الذين شاركوا في الانقلابات العسكرية واعتدوا على الشرعية والمال العام وانتهكوا حقوق الإنسان". وفي ما يأتي نص الحوار: تعهدت الحكومة السودانية و"الحركة الشعبية لتحرير السودان" أمام مجلس الأمن في جلسته الاستثنائية في نيروبي أخيراً إقرار اتفاق سلام نهائي بحلول نهاية السنة الجارية. هل تعتقد بأن السودان سيدخل مرحلة سياسية جديدة في تاريخه في العام الجديد؟ - الملاحظة الأولى في التكتيك الذي اتبع في عملية السلام أن الاتفاق سيكون إرادة أجنبية وليس سودانية، وهذا يعكسه تحديد موعد للتوصل إلى اتفاق. كذلك فإن بعض بنود الاتفاقات التي وقعت بين الطرفين تبدو استجابة لضغوط وليست قناعة ذاتية، وهذه المسائل ستكون خصماً على الاتفاق. ومع ذلك، فالسودانيون يرحبون بالاتفاقات على رغم عيوبها لأسباب أساسية لأنها أوقفت الحرب والخراب، وتبشر باحترام حقوق الإنسان في صورة ملزمة. كما أنها تفتح باب الأمل والتحول الديموقراطي. لكن ما يجب عمله لتحسين الاتفاق وتحقيق استدامة له أن يقتنع الطرفان بحقائق جوهرية تشمل أن الاتفاق سيكون ملزماً لهما وليس لغيرهما، وانهما لا يمثلان كل الشمال والجنوب بل جزءاً منهما، وأن استدامة الاتفاق تتطلب ترقيته من الثنائية إلى القومية، وهذا ممكن بل ضروري حتى يصبح كافياً. اذاً، ماذا تقترحون لتحويل اتفاق السلام بين الحكومة و"الحركة الشعبية" من الثنائية الى القومية حتى يلتزم به الجميع؟ - أرى أن يعرض على مؤتمر وطني قومي تشارك فيه القوى السياسية مثلما حدث في جنوب أفريقيا بعد انتهاء عهد الفصل العنصري. ففي مؤتمر الكوديسا عام 1992 شاركت كل القوى السياسية وعرض فيه الاتفاق بين الرئيس فريدريك دو كليرك والزعيم نلسون مانديلا وصار اتفاقهما قومياً شاملاً قاد إلى خريطة طريق لبناء جنوب أفريقيا الجديدة. وكنا نرى أن على الأسرة الدولية، مع حرصها على أن يتفق الطرفان السودانيان، أن تؤكد لهما أن الاتفاق الثنائي وحده ليس كافياً لئلا يكون الاتفاق بين طرفين دون سواهما حافزاً لجماعات أخرى من أجل حمل السلاح لتحقيق مطالبها المشروعة وفرض احترام رأيها ولفت انظار المجتمع الدولي الى موقفها. هل تتحفظون عن بعض بنود اتفاقات السلام حتى تطالبون بعرضها على مؤتمر قومي أم تريدون عرض بنود اتفاق السلام النهائي على المؤتمر لمراجعتها، الأمر الذي يعني إعادة المحادثات إلى المربع الأول؟ - هذا فهم غير صحيح. لا نريد مراجعة الاتفاقات أو تعديلها، لكن بعد النظرة الموضوعية للبروتوكولات الستة التي وقعت يتضح أن هناك بنوداً لا خلاف عليها وهي محل اجماع مثل منح الجنوب حق تقرير المصير وإقرار الحريات الديموقراطية وحقوق الإنسان، وهذه ستجرى المصادقة عليها في صورة تلقائية. لكن هناك نحو 20 نقطة في الاتفاقات "رمادية" ويمكن تفسيرها بأكثر من وجه، مثل تطبيق التشريعات الإسلامية في شمال البلاد. فبأي اجتهاد ستطبق الشريعة: برأي غالبية المسلمين أم باجتهاد الجبهة الإسلامية القومية؟ وكذلك الحديث عن قومية الجيش من دون تحديد العقيدة القتالية وتركيبتها، وهناك من يعتقد أن الجيش سيكون شراكة بين حزب المؤتمر الوطني الحاكم حالياً و"الحركة الشعبية"، وايضاً كيفية تشكيل لجنة مراجعة الدستور وسبع مفوضيات أخرى ستنشأ من دون تحديد صلاحياتها وكيفية تشكيلها. والحديث عن إجراء الانتخابات أيضاً غامض، اذ تجنب الاتفاق ذكر إجراء انتخابات رئاسية. كل هذه القضايا "قنابل موقوتة" ستهدد اتفاق السلام اذا لم تفكك وتوضح. اغفلت الاتفاقات أيضاً قضايا مهمة مثل قضية المياه التي صارت من المواضيع الحساسة، اذ يوجد اتفاق بين السودان ودول حوض النيل في شأن اقتسامها. ولكن ما هي علاقة الشمال والجنوب بهذا الأمر؟ من تقترحون للمشاركة في المؤتمر القومي لأن هناك أكثر من 40 حزباً مسجلة وأخرى غير مسجلة، وهناك فصائل تحمل السلاح، الأمر الذي يجعل من عقد المؤتمر أمراً غير يسير؟ - هذا السؤال يريد ان يضعنا بين خيارين: إما ان نقبل باتفاق الحكومة "والحركة الشعبية" أو الفوضى. طرفا الاتفاق يعترفان بالأحزاب التي كانت في البرلمان الذي حله الرئيس عمر البشير بعد استيلائه على السلطة في حزيران يونيو 1989، كما يعترفان بقوى تحمل السلاح حالياً ك"حركة تحرير السودان" و"حركة العدل والمساواة" في دارفور و"تنظيم البجا" و"تنظيم الاسود الحرة" في شرق البلاد الى جانب قوى مدنية غير مسلحة ولكنها فاعلة مثل تنظيم التحالف وحزب البعث. واذا وجدنا صعوبة في تحديد القوى التي ستشارك في المؤتمر القومي طرح البعض اقتراح تشكيل لجنة تحضيرية للمؤتمر تتألف من ثماني شخصيات لا خلاف على ثقلها السياسي وهم زعماء احزاب الأمة الصادق المهدي والاتحاد الديموقراطي محمد عثمان الميرغني والمؤتمر الوطني الرئيس عمر البشير والمؤتمر الشعبي الدكتور حسن الترابي والشيوعي محمد إبراهيم نقد و"الحركة الشعبية" جون قرنق الى جانب شخصيتين من غرب البلاد وشرقها، وتكون مهمة هؤلاء تحديد القوى المشاركة في المؤتمر القومي وأجندته وطرق اتخاذ القرار في داخله، وأؤكد أنه اذا توافرت إرادة فلن نجد صعوبة في تنظيم المؤتمر. لكن الحكومة اعلنت مراراً رفضها عقد المؤتمر القومي مما يعني قطع الطريق أمام خطوات تنظيمه؟ - أعتقد أن موقف الحكومة مضطرب جداً ومهزوز، وهي كثيراً ما اعلنت مواقف ووجدت نفسها مضطرة الى التراجع عنها في وجه الحقائق والضغوط كما فعلت في رفضها لحظر الطيران العسكري فوق دارفور ونقل القوات الأفريقية إلى الإقليم عبر طائرات أميركية أو ألمانية. الحكومة تتعجل وتتخذ مواقف من دون دراسة. وأعتقد بأن مسؤولين كباراً في الحكومة يتعاملون بانفعال تجاه عقد مؤتمر قومي لأنه قبل انقلاب البشير اتفقت القوى السياسية على عقد مؤتمر في 19 ايلول سبتمبر 1989، وأعلن الانقلابيون ان من اهداف انقلابهم الحيلولة دون المؤتمر، لأنه في نظرهم كان سيتراجع عن تطبيق الشريعة الإسلامية. وأرى أن ما تراجعوا عنه أكثر بكثير مما كان سيبقى في المؤتمر القومي الدستوري. هل تعتقد أن البشير لم يحقق الأهداف التي أعلنها من استيلائه على السلطة قبل اكثر من 15 عاماً؟ - نعم، فقد أعلن الانقلابيون عندما وصلوا الى السلطة أنهم يريدون تحديد القرار الوطني على رغم أن بعض اصدقائهم اعترفوا أخيراً بأن الحكومة الديموقراطية التي اطاحوها كانت من اكثر حكومات دول العالم الثالث استقلالاً في القرار الوطني. والآن وصل الانقلابيون بنا إلى ان صار السودان محمية دولية، وهو أمر مؤسف. اذاً، هذه الانفعالات من قادة الحكم لا معنى لها، وسيواجه النظام الحاكم بضغط شعبي لعقد مؤتمر قومي وربما طالب بذلك ايضاً بعض حاملي السلاح من المعارضين والأسرة الدولية، وهم لا يستطيعون أن يعصوا أمراً وأعتقد بأنهم سيتراجعون في وجه هذه الضغوط. ما هي خياراتكم أو خيار القوى السياسية المطالبة بعقد مؤتمر قومي اذا استمرت الحكومة في رفضها وتمسكت بموقفها المناهض للمؤتمر؟ - ستصعد القوى السياسية تعبئتها بكل الوسائل الممكنة، ويمكن أن تصل حتى إلى درجة العصيان المدني، وهذا وارد لأن القوى السياسية لا تتخذ موقفاً ضد السلام وإنما حرصاً عليه وعلى استدامته وبمنطق اتفاقات السلام التي تدعو إلى كفالة الحريات وحقوق الإنسان وتكريس التعددية السياسية وتتطلع إلى تحقيق الإجماع الوطني، وكل ما نطالب به تنفيذ ما نصت عليه الاتفاقات. وستجد الأسرة الدولية والحكومة و"الحركة الشعبية" أن من غير المنطقي ان تعطي الناس حقاً وتمنعهم من ممارسته، مثل أن تقول للعطشى هذا ماء ولكن لا تقربوه. هل تعتقد بأن اتفاق السلام سيوقف الحرب ولكنه لن يؤدي إلى سلام اذا لم يتحقق إجماعٌ في شأنه عبر مؤتمر قومي كما تطالبون؟ - اتفاق السلام اذا استثنى القوى السياسية الأخرى غير طرفي الاتفاق، فإنه لن يكون ملزماً إلا لطرفيه وهو بذلك سيكون اتفاقاً هشاً ومهدداً بعدم الاستقرار والديمومة. ونشهد في داخل الحكومة و"الحركة الشعبية" دعوة إلى التعامل بديموقراطية مع اتفاقات السلام وشهدنا في الحركة اجتهادات وآراء مختلفة لا أسميها انقسامات، ولكن الحركة استطاعت عبر مؤتمرها الأخير في رمبيك احتواء هذه الآراء بقرارها إعادة هيكلة نفسها سياسياً وعسكرياً وتنظيمياً في ما يعني احترام الرأي الآخر داخل الحركة وممارسة الديموقراطية، والأشخاص الذين تولوا ملفات إعادة الهيكلة هم الذين حامت حول آرائهم الحاجة الى ديموقراطية القرار. وهذا ينطبق ايضاً على الحكومة، إذ توجد تيارات داخلها تطالب بإشراكها في اتخاذ القرار في شأن السلام، لأن القرار يتخذ بصورة فوقية، ورفع نحو 44 نائباً فى البرلمان ينتمون إلى الحزب الحاكم مذكرة إلى قيادة الحكم أبدوا فيها تحفظات جوهرية عن اتفاقات السلام. وماذا تفعلون اذا تمسكت الحكومة و"الحركة الشعبية" باتفاق السلام بينهما ولم يستجيبا مطالب المعارضة بعرضه على مؤتمر قومي حتى تشترك في صناعة السلام وتلتزم به؟ - هذا موقف سيستفز القوى السياسية الأخرى في صورة لا داعي لها وتضر باستدامة الاتفاق، ووضح تماماً أن أي اتفاقات ثنائية فاشلة تؤدي إلى نتائج قصيرة النظرة، ومع الاتفاقات التي وقعها الطرفان في نيروبي حتى الآن، فإن الحرب لم تتوقف بصورة تامة واستمرت في بعض مناطق الجنوب، في الاستوائية وأعالي النيل ووسط بحر الغزال بالوكالة، وكذلك في دارفور. مع اقتراب السلام في الجنوب ظهرت حركات تمرد مسلحة في شمال البلاد مثل حركة "انصاف المهجرين" وحركة ثالثة في دارفور باسم "حركة الإصلاح والتنمية" إلى جانب حركتي "تحرير السودان" و"العدل والمساواة". الى ماذا تعزو ذلك؟ - اذا لم تثمر محادثات السلام اتفاقاً شاملاً يشعر فيه أهل السودان بأن قضايا اقتسام السلطة والثروة عولجت بنظرة كاملة وشاملة، فإن كل اتفاق ثنائي سيحرض على تمرد جديد. يعتقد كثيرون بأن اتفاق السلام النهائي سيؤدي إلى تفكيك حكومة "الإنقاذ" التي استمرت 15 عاماً وبداية عهد سياسي جديد في السودان، ويرى آخرون أنه سيكرس صفقة ثنائية بين الحكومة الثنائية و"الحركة الشعبية". إلى أي تفسير تميل؟ - من المؤكد أن اتفاق السلام سيفتح صفحة سياسية جديدة، لكن حتى تكون مستدامة وتؤدي إلى بناء الوطن، فإنها تحتاج إلى معالجة قومية. القوى السياسية ستدخل اختباراً انتخابياً بعد ثلاث سنوات من بداية تنفيذ اتفاق السلام. هل تعتقد بأنها مستعدة للامتحان السياسي؟ - بعض القوى مستعدة وأخرى غير ذلك. لقد اتخذت أحزاب موقفاً صحيحاً من رفض "التوجه الحضاري" الذي تبناه الانقلابيون وثبت ان موقفهم صحيح. هؤلاء لديهم رأس مال سياسي، وبعضهم اتخذ موقفاً عقلانياً من تطور الأحداث واستطاعوا مخاطبة التطلعات الجديدة الاثنية والشبابية والجندرية وتنظيم أنفسهم في صورة تحترم الرأي والرأي الآخر والديموقراطية والمؤسسية، وهؤلاء سيكسبون أي انتخابات حرة ونزيهة كما حدث في انتخابات الاتحادات الطلابية في الجامعات التي ابرزت هذه الحقائق. اما الذين فرطوا في مخاطبة المستجدات في الساحة وعجزوا عن تنظيم انفسهم في صورة تخدم الديموقراطية والمؤسسية فسيجدون انفسهم أمام عقوبات شعبية في ظل الانتخابات. معظم الاحزاب اصابتها انقسامات مثل ما حدث للحزب الحاكم الذي استقل عنه الدكتور حسن الترابي وأسس حزب المؤتمر الشعبي وكذلك الحزب الاتحادي الديموقراطي الذي يشارك تيار منه في الحكم، وحزبكم أيضاً انشقت عنه مجموعة التحقت بالسلطة وكذلك الحزب الشيوعي أيضاً انشق. الا يؤثر ذلك في مواقف الاحزاب في الانتخابات بما يعيد تشكيل الحياة السياسية في البلاد؟ - السؤال يعني ضمناً أن القوى السياسية الرئيسة جميعها اعتراها ضعف سيؤثر في موقفها الانتخابي، وبالطبع فإن بعضها يمكن ان يتأثر سلباً. ما حدث في حزب الأمة ليس انقساماً وإنما اختراقاً لأنه لم يكن نتيجة اختلاف في الرأي، لأن مؤسسة الحزب كانت وما زالت تتخذ القرار في صورة مؤسسية وديموقراطية. وأعتقد أن ما أصاب حزبنا هو بسبب الكيد المباشر من الحزب الحاكم، واذا سألنا عن الأموال التي صرفها حزب الحكومة في تمزيق الاحزاب سنجد أن مبالغ كبيرة صرفت من المال العام واستغلت وبددت في مكائد لا تفيد الحزب الحاكم نفسه. والذين انسلخوا عنا وانضموا إلى الحكومة ثبت أنهم غير ديموقراطيين ولا يحترمون الرأي والرأي الآخر وتشرذموا الآن إلى أربع مجموعات تناوش بعضها بعضاً وتعرضوا إلى "بهدلة". هل انت مستعد للتفاهم مع المجموعة التي تخلت عن حزبكم بزعامة ابن عمك مبارك الفاضل المهدي وشاركت في السلطة وتواجه انقساماً حالياً بعد اقالة مبارك من منصبه في الحكم؟ - باب السياسة مفتوح للمراجعات. هؤلاء أخطأوا في حق أنفسهم وحزبهم ووطنهم بالتعدي على الشرعية الحزبية كما أخطأ الانقلابيون بالتعدي على الشرعية الدستورية، وينبغي أن يكونوا نادمين على ما فعلوا بعد ما أصابهم من السلطة. لقد غادرت المجموعة حزبها وهو يحترم رأيها ويشركها في القرار ولا ينال احدهم بسوء، فإذا مارس هؤلاء نقداً ذاتياً ووصلوا إلى قناعة بأن تجربة العامين التي فارقوا فيها الحزب كانت فاشلة وسالبة، وطالبوا بالعودة إلى الشرعية، فإن حزب الأمة سيناقش هذه المعطيات ويقرر في شأنها في صورة تحترم الشرعية والمؤسسية، وإلا فليست لدينا مصلحة في مناقشة قضية يراد لها أن تحل في ظل غموض وانعدام الوضوح والشفافية. حزب الأمة كان أكبر حزب في البلاد بحسب آخر انتخابات حرة اجريت في البلاد في عهد الديموقراطية الثالثة عام 1985 وصار صاحب أكبر كتلة برلمانية. هل سيحتفظ بموقعه اذا اجريت انتخابات في المرحلة المقبلة؟ - سأرد عليك بالحقائق، اذ ان حزبنا منذ دخل في الانتخابات العامة في السودان كان الخط البياني لأدائه مرتفعاً. ففي عام 1954 حصل على نصف عدد مقاعد الحزب الاتحادي، وفي 1986 حصل على ضعف عدد مقاعد غريمه الحزب الاتحادي، أي أنه في صعود، كما اتخذ موقفاً من انقلاب البشير رافضاً مواقفه الفكرية والسياسية، وقال قبل 15 عاماً ان الديموقراطية عائدة وراجحة وثبتت صحة ذلك. ومن الحقائق ايضاً، فإن كل الافكار التي تكونت منها لبنات الاتفاقات الحالية بين الحكومة و"الحركة الشعبية" مثل منح جنوب السودان حق تقرير المصير في مقابل وقف الحرب وجعل المواطنة أساس الحقوق والواجبات لمعالجة علاقة الدين بالدولة كانت من بنات افكارنا. وحزبنا هو الوحيد الذي عقد مؤتمراً عاماً هو السادس داخل البلاد وهو معارض، كما إنه يساهم في صورة فاعلة في أي منبر، وهو الرقم الانتخابي الأول في أي انتخابات اجريت في الجامعات حتى الآن، فهذه المعطيات والحقائق ترشح حزب الأمة لمواصلة ارتفاع رصيده في أي انتخابات حرة ونزيهة تجرى في البلاد. يبدو من خلال الاتصالات التي ظهرت على السطح انكم تسعون الى تشكيل تحالف سياسي معارض جديد مع مجموعة من الاحزاب. ما شكل هذا التحالف وطبيعته؟ - نحن في صدد تكوين جبهة وطنية مشتركة. شكل هذا الموقف تحدده القوى السياسية المعنية، ولكننا محتاجون إلى دعم السلام العاجل والتحول الديموقراطي وتطوير اتفاق السلام حتى يصبح مستداماً وقومياً ولا تستثنى من اتصالاتنا حتى الحكومة و"الحركة الشعبية". يهتم حزبكم بأنه يتخذ أحياناً مواقف متعجلة ومصادمة لرغبة المجتمع الدولي والولاياتالمتحدة؟ - المتعجلون هم الذين يحددون مواعيد لإقرار السلام في صورة غير واقعية، ونحن نحاول ملاحقة القرارات والمواقف المتعجلة. اما اننا نعارض رغبات اميركا، نعم فهي ليست رب العالمين تخطئ وتصيب. في عام 1999 عندما وقعنا اتفاقاً مع الحكومة في جيبوتي عارضت واشنطن ذلك لأن موقفها كان مجابهة الحكومة وعزلها واحتواءها. وبعد وصول بوش إلى السلطة عدلت الولاياتالمتحدة سياستها تجاه السودان نحو أقرب ما كانت تنادي به، وكذلك عارضنا ضرب اميركا مصنع الشفاء للأدوية في الخرطوم في 1989 ووصفناها ب"الصديق الجاهل". وفي شأن موقفنا من المجتمع الدولي، فإن حزب الأمة الذي انتقد قرار مجلس الأمن في جلسته الاستثنائية في نيروبي لأنه أرسل اشارات خاطئة وجد مساندة قوى كثيرة، وأن جزءاً من تدهور الأوضاع في السودان كان بسبب القرار 1574 الذي تجاهل رأي الأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان. بعد اسابيع ستشكل حكومة انتقالية في البلاد بعد اقرار اتفاق السلام في جنوب البلاد. هل سيشارك حزبكم في هذه الحكومة، وما توقعكم لمستقبلها في ظل نسبة حددها الاتفاق للقوى الشمالية المعارضة هي 14 في المئة تمثل نصيبها في السلطة قبل اجراء الانتخابات؟ - حزب الأمة لم يتخذ قراراً في شأن المشاركة في الحكومة الانتقالية التي ستكون مهمتها تنفيذ اتفاق السلام، واذا كانت لدينا تحفظات عن بعض بنود الاتفاق فلن نشارك حتى لو منحنا 90 في المئة من مقاعدها. ونعتقد بأن تحديد نسبة 14 في المئة للقوى السياسية الشمالية الرئيسة في الحكومة مسيء لأن الذين يمنحون لا يمثلون 14 في المئة من الشعب، ولكن اذا تجاوزنا ذلك، فإن المهم لنا هو تحقيق قضايا أساسية تشمل اقرار الحريات العامة وتحويل مؤسسات الدولة من حزبية إلى قومية، وتشكيل لجنة قومية لصوغ الدستور واجراء انتخابات حرة ونزيهة ومراقبة دولياً. وأرى أن القوى الحاكمة ينبغى أن تخاطب القوى الأخرى بما يغريها بالمشاركة في السلطة الانتقالية لأن من يشارك سيدفع تكاليف باهظة الثمن خصوصاً اذا كان لا يستطيع التأثير في القرار. وعلى أي حال، فإن حزب الأمة سيقرر المشاركة في الحكومة الانتقالية بعد اتضاح الموقف في شأن عقد مؤتمر جامع لأنه ينبغي أن يقرر تشكيل هذه الحكومة وشكلها، أما اذا كان حزب الأمة مدعواً الى أن يقبل من دون نقاش ولا رأي اتفاقات السلام الثنائية فأعتقد انه لا توجد قوى سياسية تحترم نفسها ستدخل المزاد وتلهث خلف 14 في المئة حتى تعطى جزاءً. موقفنا اذاً مرتبط بما يعرض علينا وهل سيكون فيه احترام للقوى السياسية أم اذلال لها. ارتفعت في الأوساط الشعبية والسياسية دعوة الى تنحي الزعامات التقليدية التي ظلت على المسرح السياسي في البلاد منذ أربعين عاماً، وهم المهدي والميرغني والترابي ونقد، باعتبارهم جزءاً من أزمة الوطن وبالتالي غير مؤهلين لحل مشكلاته وتعقيداته التي ساهموا فيها؟ - هذا أمر غير عادل وغير موضوعي، لأن المعايير لا يمكن تطبيقها على الجميع، وفي شكل متساو على من اعتدى على الشرعية وانتهك حقوق الإنسان وتعدى على المال العام واستقلال القضاء. أنا واثق تماماً من أن القوى السياسية كان لها أداء مختلف، وأرجو ان يترك هذا الأمر للشعب السوداني ونطرح عليه المهدي والترابي والبشير ونقد والميرغني حتى يقبل من يقبل ويرفض من يرفض. ارفعوا الوصاية على الشعب واتركوه ليحكم على الآخرين. جوهر الديموقراطية هو الاحتكام إلى الشعب. المطلب هو أن يفسح الزعماء الذين طعنوا في السن المجال امام الشباب حتى يقودوا البلاد وضخ دماء جديدة في الساحة السياسية التي ظلت محتكرة ومتكلسة أكثر من أربعة عقود؟ - نحن في حزب الأمة افسحنا المجال أمام الشباب وصارت هناك قيادات شبابية لها موقعها في مؤسسات الحزب، ولكن آخرين لا يزالون يعتمدون كبار السن والكهول. في النهاية ينبغي أن نحكم على الناس بأدائهم وعطائهم ومن يحدد ذلك هو الشعب. اذاً، انت تدعو إلى محاكمات شعبية وليست جنائية على الذين أجرموا في حق الشعب من الساسة والمسؤولين على مر العهود في البلاد؟ - لا... لا... انا أدعو ايضاً إلى محاكمات جنائية دولية لكل من انتهك حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني ومن اعتدى على المال. لكن المهم جداً أن تكون هناك محاكمات شعبية، لأن الشعب يمكنه معاقبة الساسة عبر صناديق الانتخابات. ومن غير المنطقي أن تضع الذين ناضلوا من أجل الحريات والديموقراطية ودخلوا السجون في سبيلها وصودرت أموالهم في سلة واحدة مع من قهروا الناس وفتحوا المعتقلات وظلموا وأكلوا الأموال بالباطل، وأنا أقترح إجراء تحقيق يشمل الفترة منذ استقلال البلاد قبل نحو 49 عاماً في شأن الاعتداء على المال العام والتعدي على السيادة الوطنية أو أي تجاوز، والذين شاركوا في الانقلابات العسكرية، وقد أحصيت 43 مسألة يمكن أن يجرى فيها تحقيق ومحاسبة جنائية.