تتضافر عوامل عدة لتشكل حائط صد في مواجهة رغبة تركيا للحاق بالقطار الأوروبي. بيد أن ما قد يقطع بإمكانات وأد الطموح التركي باللحاق بذلك القطار، أو أقله تأجيله سنوات يصعب التكهن باحتمالات تحققه في نهايتها من عدمه، ليس العناء المترتب على توسع الرقعة الجغرافية للاتحاد الأوروبي وتبعاته فحسب، ولا حسم تركيا أمرها، وتقيد واجهتها بنحو عموم الغرب. فالموقف الأوروبي المعارض، الشعبوي والرسمي، لانضمام الأتراك الى المنظمة الاقتصادية والثقافية والسياسية الأوروبية، تتجاذبه محددات تدفع باتجاه تبنيه مواقف مقابلة لاتجاه سير طموحات تركيا في أوساط اليمين الديني واليسار القومي. بل توحي بعض مدلولاته انه بات على بلاد اتاتورك إدراك صعوبة أن تغدو تركيا في الاتحاد الأوروبي، استناداً لأحكام الجغرافيا والتاريخ والدين والثقافة يصعب تناسيها في بعض قطاعات القارة العجوز، وبعض شقيقاتها العائدات من براثن الشيوعية. يعلو، من تلك المحددات، ما يلامس الثقل الديموغرافي لتركيا، ووضع أوروبا ديموغرافياً بجانب ثانٍ. ذاك عنصر حاسم في غلق النافذة الأوروبية، ولو موقتاً، في وجه الجار التركي المتاخم، وتأجيل البت أو تمييعه، أو إتاحة امكانات نكوصه. ولخص فاليري جيسكار ديستان، رئيس لجنة الدستور في الاتحاد الأوروبي، هواجس أوروبا حين قال:"عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي تمثل نهاية أوروبا"، مبدياً معاملة تمييزية لم تنل من عزم الأتراك. وهلل جيسكار ديستان لتقرير المفوضية الأوروبية الموصي بمنح تركيا موعداً لبدء مفاوضات انضمامها الى الاتحاد الأوروبي. ان ديموغرافية تركيا تبدو أهم معوقات ترسيخ تغريبها اوروبياً، بالنظر الى عاملين: اولهما أن دخول تركيا ذات ال17 مليوناً، معظمهم من المسلمين، الى الاتحاد يشي، جراء سرعة نموها الديموغرافي، بأنها ستغدو اكبر دول اوروبا سكانياً. وفق اكثر التقديرات تفاؤلا لن يتم ذلك قبل نيف وعقد من الزمان. وثانيهما ان الدول الاوروبية اصبحت هرمة لانخفاض معدلات الإنجاب بدرجة كبيرة، ولمدة طويلة نسبياً. بينما يطرد معدل الحياة ما سيفضي الى تناقص أعداد السكان، ما لم يُعوض هذا النقص بالهجرة من خارج أوروبا. فمن المتوقع أن تفقد ايطاليا 22 في المئة من عدد سكانها الحالي، أي ما يعادل 13 مليون نسمة تقريباً. وسينخفض سكان سويسرا بنسبة 19 في المئة. وكذا سيتناقص عدد سكان المانيا من 82 مليون نسمة الى 79 مليوناً عام 2050 . وبالمثل، يتوقع الديموغرافيون أن ينكمش عدد سكان اسبانيا من 41 مليون نسمة الى 37 مليوناً عام 2050 . وتزاوج العنصرين يفضي الى أن عملية الإحلال السكاني، أوروبياً، ستعني مسلمي تركيا بجانب واسع منها. ذاك انهم سيفيضون على أوروبا حال انضمامها الى الاتحاد الأوروبي. فيمكن فهم تحذير الهولندي فريتس بولكشتاين مفوض التسويق الداخلي بالاتحاد الأوروبي من"أسلمة"أوروبا حال انضمام تركيا اليه. وقول برنارد لويس لصحيفة"دي فيلت"الالمانية إن المسلمين في أوروبا سيغدون أغلبية بنهاية القرن الحالي تأسيساً على الاتجاهات الديموغرافية وحركات الهجرة الآنية. إن العامل الديموغرافي التركي تتفاقم أثاره بجلاء سماته، فتركيا سيبلغ عدد سكانها في عام 2025 . حوالي 88.995 مليون نسمة. وفي عام 2050 سيصل هذا العدد الى 97.759 مليون نسمة، ما يمتن الاعتقاد بأن أوروبا ستشهد موجات من المسلمين المهاجرة المعوزة، سواء من تركيا أو عبر أراضيها. ناهيك عن أثر ذلك على أسواق العمل الأوروبية. فإن القضية تتبدل من حسم هوية تركيا الى هوية أوروبا الثقافية المهددة بتعدد الهويات والإثنيات والمذاهب بشكل قد يفيض عن إمكانات الاستيعاب ليس أوروبياً وحسب بل تركياً، كون أكراد تركيا سيضحون أوروبيين يحظون بحقوق مشابهة قد تسبق حتى انضمام الأتراك الى الاتحاد الأوروبي. وهذا يوضح خلفيات ذكر العلويين والأكراد، كأقليات في تقرير المفوضية الأوروبية الأخير، وتحفظ أنقرة غير المأخوذ به في اعداده. مصر - محمد عبدالقادر