عندما طرحت شركة ماتِل الدمية"باربي"عام 9591 في الأسواق الأميركية، كانت خطّة تسويقها تسير في خطين أساسيين: الأول هو اعتماد التسويق التلفزيوني، والثاني اتباع مبدأ"الدمية تبيع الملابس والملابس تبيع الدمية". اهتمّت الشركة بالتلفزيون كاهتمامها بملابس باربي التي عهدت بها إلى مصمّمين بارعين. ولا نبالغ إن قلنا إن نجاح باربي المنقطع النظير بيعت منها أكثر من بليون دمية حول العالم يعود إلى نجاح هذه الخطّة ومساندة التلفزيون للدمية، حتى صارت هذه الشراكة الثلاثية دستوراً في عالم تسويق الدمى. وفي الاجمال، نرى الدمى الطامحة إلى النجاح والانتشار تسلك الطريق نفسها: التلفزيون أولاً عبر الرسوم المتحركة والاعلانات والبرامج، ثم قلب المشاهد الصغير. فمتى تملّكت منه دفعته إلى السوق طالباً الحصول عليها، فيوفّرها له السوق على شكل دمية، كما يمعن في استغلالها سواء ملك حقوق الملكية أم لا فيلحقها بالحقائب المدرسية والقرطاسية والملابس... "بديهي أن تكون الدمى ذات الحضور التلفزيوني الأكثر مبيعاً في متاجر الألعاب"، يقول الباعة في الأسواق اللبنانية في نوع من الاجماع. يأتي الطفل اليهم ويطلب دمية رآها في التلفزيون، وهذا طبيعي. لكن غير الطبيعي هو جهل بعض الأهل لما يتكلّم طفلهم عنه! أي أنهم لا يراقبون ما يتابعه صغارهم على التلفزيون. يتركونهم مع هذه الحاضنة المجانية يتوهمون أنها كذلك ثم ينصرفون إلى شؤونهم، تاركين لهم"الريموت كونترول"الذي قد يأخذهم إلى ما هو أخطر. يظهر التلفزيون هنا في دور"الأم الكبرى"، مقدّماً المتعة والمفاجآت والشخصيات المحبّبة للصغار، ويدفعهم إلى السوق كي يشتروها على شكل دمى وأقلام وملابس... برفقة أهلهم المكلّفين بالدفع. قد يتذكّر بعض الأهل دورهم القيادي هنا، في المتجر، فيعرضون لصغارهم شراء دمية بدل أخرى. لكن الصغار يتمسّكون بطلبهم، وإن كان ما يعرضه الأهل أغلى وأجمل، إلا أنّ الصغار يفضّلون الأرخص والأجمل بنظرهم هم وبمقاييسهم، أي بطريقة ما بمقاييس التلفزيون. فهم يريدون الأشهر تلفزيونياً. ويقول أصحاب المتاجر اللبنانية إنهم يطلبون استيراد الألعاب وفق طلب الأطفال، الذين يفاجئونهم بأسماء دمى لم يسمعوا بها، وليس لها وجود في الأسواق العربية. أما كيف عرف الصغار بها؟ فمن التلفزيون. 90 في المئة من الدمى المتوافرة في الأسواق العربية مستوردة من أميركا والصين وأوروبا. لهذا أسباب أخرى غير المشكلات الصناعية في عالمنا العربي، وهو أن 09 في المئة من البرامج والكارتون التي يتابعها الأطفال على الشاشات مستوردة من أميركا والصين واليابان، وهي تحوّل أبطالها الكرتونيين إلى دمى بديعة بالحرفية العالية نفسها. هذا الحذق أنقذ ديزني بعد أن انحسرت مبيعات"ميكي ماوس ودونالد وبلوتو"... إذ عادت لترتفع مع"ويني الدبدوب وأصدقائه حوّار وفجلة ونمّور... وتيمون وبومبا"، الثنائي الأول والأشهر حالياً في عالم الصغار. تبقى الدمى الأخرى، التي لا تجد طريقاً إلى التلفزيون، عاجزة عن المنافسة. كذلك هي"الدمى الشعبية"المهدّدة بالإنقراض، التي يسري عليها ما تعانيه الفنون الشعبية بأسرها... لكن! مهلاً! لنسترجع ما فعلته دمية"الكاوبوي"كي ترفع مبيعاتها، بعد أن شهدت انخفاضاً كبيراً في ظلّ منافسة الدمى الحديثة، التي هي بطلات الرسوم المتحرّكة. الحلّ بسيط وديزني تفهم اللعبة وتريد للرمز الأميركي أن يبقى. لذلك أنتجت فيلم الكرتون"حكاية لعب"، بطله دمية كاوبوي تصارع دمية فضائية من أجل المركز الأول في قلب الطفل عاشق الدمى. بعد أن يأخذ"بز"الفضائي مكان الكاوبوي يدخلان في صراع ينتهي بأن يضع الطفل الدميتين في كفّة واحدة ليكمّل كلّ الآخر. بعد نجاح الفيلم في صالات العرض وتحقيقه عشرات ملايين الدولارات، أظهرت الإحصاءات أن مبيعات دمية الكاوبوي عادت للإرتفاع في شكل كبير، ما حفّز ديزني على انتاج جزء ثانٍ للفيلم بطله الكاوبوي نفسه وعدد أكبر من عائلته، وطرح دمى كاوبوي جديدة في المتاجر... مما يدلّ مجدّداً على الخدمات المتبادلة التي يؤدّيها التلفزيون للسوق والسوق للتلفزيون، وما قد يؤدّيه الإثنان للثقافة الوطنية إذا ما تمّ استغلالهما بهذا الوعي. منذ سنة تقريباً خرجت إلى الأسواق الدمية العربية فلّة، التي تملك موقعاً الكترونياً يروّج لها. انتشرت فلّة في الأسواق الخليجية وتبدو إلى الآن سائرة بنجاح على خطى باربي. لكنها تبقى توأم باربي العربي ونبقى نحن منتظرين أمام الشاشات التلفزيونية ورفوف متاجر الألعاب وصول دمية تحمل رموز ثقافتنا الشعبية وأحلامنا المستقبلية... وقد يطول الإنتظار.