الأخبار من فلسطينوالعراق واحدة، فلو وضعنا على الخبر اسم هذا البلد مكان ذاك، أو العكس، لما عرفنا الفارق، والاحتلال يقتل الأبرياء قبل المقاتلين، ثم ينخر سوسه جسم جنوده مع ضحاياهم. أمس نشرت الصحف الاسرائىلية اعترافاً نادراً للجيش الاسرائىلي هو ان 29 مدنياً فلسطينياً بريئاً قتلوا في الضفة الغربية منذ بدء هذه السنة، وأن 119 فلسطينياً رشقوا حجارة أو قنابل محرقة على الجنود قتلوا بالرصاص. وفي حين لا أعرف من تفاصيل"الاعتراف"غير ما قرأت، فإن المنشور يظل ناقصاً بدرجة فاضحة، فهو لا يحدد عدد المدنيين الأبرياء الضحايا في قطاع غزة حيث القتل أكثر، ثم انه لا يوضح ان رمي حجر على دبابة لا يحقق شيئاً أكثر من التعبير عن معارضة الاحتلال. ويرد الجنود الاسرائىليون على"رأي"الأولاد فيهم بالرصاص. القتل أوسع نطاقاً بكثير في العراق، وفي حين تجاوز قتلى الجيش الأميركي منذ الاحتلال الألف هذا الشهر، فإن القتلى من العراقيين أكثر من 20 ألفاً، بحسب التقارير العراقية والأميركية، وفي حدود مئة ألف بحسب مجلة"لانست"الطبية البريطانية. أصدق شخصياً مجلة اشتهرت بصدقها، ومع ذلك فإن الأرقام الرسمية المتحفظة الى درجة الكذب تظل مروعة، ووزير خارجية بريطانيا جاك سترو صرّح الشهر الماضي بأن تقديرات وزارة الصحة العراقية تظهر ان 3853 مدنياً عراقياً قتلوا وجُرح 15517 آخرون بين نيسان أبريل وتشرين الأول أكتوبر من هذه السنة. الاحتلال يفقد جنديه كثيراً من انسانيته، وكل قارئ تابع تفاصيل التعذيب وإساءة المعاملة وانتهاك القوانين من غوانتانامو الى سجن أبو غريب. وأمامي من أخبار هذا الأسبوع فقط اعتراف وكالة الاستخبارات المركزية بالاعتداءات على المعتقلين والسجناء. لا أدري إذا كان الوضع في اسرائيل والأراضي المحتلة أفضل أو أسوأ، ولكن هناك معلومات من جنود اسرائىليين مسرحين قرروا كسر جدار الصمت، والاعتراف بالجرائم المرتكبة ضد الفلسطينيين. وهكذا فقد قرأت مترجماً الى الانكليزية ان الجنود اعترفوا بالتالي: - سرقة متاجر خلال التفتيش وإتلاف سيارات، أو دفعها في أودية. - في أثناء تفتيش المنازل تسرق معدّات الكترونية وكهربائية، وآلات تصوير وفيديو، وقداحات وتحف منزلية. - يطلق الجنود النار من سطوح المنازل على أجهزة التلفزيون في البيوت وعلى مراجل تسخين الماء فوق السطوح المقابلة لتنفجر. - أخرج الجنود أسرة كانت تتفرج على مباراة كرة من بيتها وتفرّجوا على المباراة. - كل من يوقف يصفع ويركل ويُهان علناً. - ضرب ضابط اسرائىلي فلسطينياً بعقب بندقيته في وجهه، وركله في خصيتيه، وبصق عليه وشتمه، وحدث كل هذا أمام ابن صغير لضحيته. - جلس جنديان في صالون أحد البيوت على"كنبة"وأمامها عجوز فلسطينية عمرها بين 80 و90 عاماً، وأخذا يلفان الورق على شكل كريات ويرمونها بها. - عندما يشعر الجنود بالملل يطلقون النار عشوائياً، وقد يصيبون الناس من دون ان يدروا ما فعلوا. ما سبق هو مقابل ما نعرف من معاملة في معتقل غوانتانامو وسجن أبو غريب وكل سجن آخر. ولكن كيف تقارن أرقام الضحايا مع الفارق في عدد السكان بين البلدين؟ جمعية حقوق الانسان في اسرائيل قالت انه منذ بدء انتفاضة الأقصى، وحتى 20 تشرين الأول الماضي قُتل 2950 فلسطينياً، بينهم 592 ولداً أو طفلاً، ودمرت اسرائيل منذ تشرين الأول 2001 ما مجموعه 628 بيتاً يسكنها نحو أربعة آلاف شخص. تدمير الفلوجة وحدها اضطر نحو مئتي ألف من سكانها الى النزوح. والواقع ان الرقم أعلى بكثير لأن معركة الفلوجة أثرت في حياة نصف مليون عراقي في المدينة وجوارها. وكما فعلت في مقالات سابقة أتوقف هنا لتذكير القراء بأن أميركيين فضحوا الممارسات الأميركية، وان اسرائىليين فضحوا الممارسات الاسرائىلية. ولولا التلفزيون الأميركي وجماعات السلام الاسرائىلية لما كانت توافرت لنا معلومات مؤكدة عن جرائم الاحتلال. لذلك فعلى القارئ العربي ان يتذكر دائماً ان ليس كل أميركي دونالد رامسفيلد، وليس كل اسرائىلي شاؤول موفاز. بين آخر الأخبار أمامي شكوى الجنود الأميركيين الى رامسفيلد من سوء أوضاعهم في العراق، ناهيك عن أوضاع العراقيين. وفي حين أستطيع ان أمضي الى ما لا نهاية في المقارنة بين الاحتلالين، الا انني أختار ان أذكّر القراء بمقاطعة الأكاديميين البريطانيين وغيرهم اسرائيل بسبب وحشية الاحتلال. وعادت اليّ هذه المقاطعة المستمرة، وأنا أقرأ ان عشرات من أبرز الشخصيات البريطانية، بمن في ذلك خمسة سفراء سابقين، وجهوا رسالة مفتوحة الى رئيس الوزراء توني بلير تطلب تحقيقاً في وفاة العراقيين في الحرب، وتذكره بالتزام حكومته، بموجب القانون الدولي، حماية أرواح المدنيين. مرة أخيرة، ما كنتُ لأكتب بثقة عن جرائم الاحتلال في فلسطين أو العراق لولا وجود ناس يرفضون ان يكونوا شركاء في الجريمة، وأحيي في شكل خاص البروفسور ستيفن روز وزوجته البروفسورة هيلاري روز، وهما يهوديان بريطانيان قادا حملة المقاطعة الاكاديمية لاسرائيل احتجاجاً على ممارسات حكومة آرييل شارون بشجاعة والتزام ومثابرة.