كان هذا الشهر حافلاً بالأخبار، فرحيل الشيخ زايد يوم انتخابات الرئاسة، ومصارعة ياسر عرفات الموت في مستشفى فرنسي عسكري قرب باريس ثم موته، والحرب الأميركية "الثانية" على الفلوجة والعراق، شغلتنا جميعاً عن أخبار أخرى تستحق بعض التفكير غير انها ضاعت في الزحام. - العراقية الايرلندية مارغريت حسن خطفت في 19 من الشهر الماضي ولا تزال مخطوفة. أدين خطفها وأدين معه الخاطفين المجرمين. كنا نقول انه لا يوجد من هو أسوأ على العراق من صدام حسين، واطاحه الاجتياح الأميركي، ووقعت اخطاء قاتلة وقلنا ان الاحتلال أسوأ من صدام حسين. وجاء الآن ارهابيون قتلة يرتكبون جرائم مروعة من نوع قتل مجندين شباب الى خطف امرأة نذرت نفسها لعمل الخير في العراق. الاحتلال ومقاومته شيء، والجرائم باسم المقاومة شيء مختلف تماماً. وأملي ورجائي هو ان يرى كل عراقي وعربي ومسلم هذا الفارق. وأتحدث عن نفسي فقط، فقد عارضت السياسة الاميركية في الشرق الأوسط كله على مدى عقود ولا أزال. إلا انني مع الولاياتالمتحدة ضد الإرهاب في العراق، وحول العالم، فهناك جرائم لا يبررها خلق أو دين، وخطف مارغريت حسن واحدة منها. وهناك الآن مخطوفون من أسرة علاوي، ورأيي في خطفهم هو رأيي نفسه في خطف مارغريت حسن. - الأميركيون في الفلوجة بعد أن دكوها بالطائرات، والتفاصيل على التلفزيون وفي الصحف، غير ان خبراً عن معركة الفلوجة مر مرور الكرام، أو اللئام، فهناك معركة أخرى، هي معركة نفسية، لكسب القلوب والعقول كما يقول الأميركيون، وقرأت نقلاً عن الكوماندور في البحرية ستيفن ستيفاني ان حملة عمليات نفسية بدأت، وهناك راديو محلي يبث رسائل الى سكان الفلوجة. اذا لم تنفع الرسائل النفسية في اقناع أهل الفلوجة، فهناك القنابل، والوضع كله يذكرني بعبارة من أشهر ما تركت لنا حرب فيتنام، عندما وقف ضابط أميركي على اطلال قرية مدمرة وقال للصحافيين: اضطررنا لتدمير القرية لانقاذها. أرجو أن تكون الفلوجة أفضل حظاً. - أعلن الشهر الماضي نقل قائدة سرية عسكرية أميركية عصت أوامر تسليم وقود عبر طريق خطرة خوفاً على جنودها الذين امتنع 18 جندياً منهم عن تنفيذ المهمة، وقرأت ان القائدة لم تعاقب وإنما نقلت الى عمل آخر من مستوى رتبتها. نقول: "ما مت ما شفت مين مات" والجنود الأميركيون رأوا القتل في مثلث الموت، ولم يروا سبباً ليصبحوا رقماً آخر في السجل. وكنت أرجو لو أن رئيس الوزراء البريطاني توني بلير كان في مثل تعقلهم، فهو أرسل قوات بريطانية من الجنوب الى بغداد لتقع في دائرة الخطر وليقتل ثلاثة جنود بريطانيين في كمين متوقع، وربما سمعنا بغيره قريباً. - رفعت وزارة الخارجية الأميركية العراق من قائمة الدول المؤيدة للإرهاب. وقال وزير الخارجية كولن باول في اعلان رسمي ان القرار يعزز الشراكة بين الولاياتالمتحدةوالعراق في مكافحة الإرهاب. كنت أتمنى لو أن الولاياتالمتحدة تستطيع أن ترفع العراق من الدول ضحية الارهاب، فالاحتلال حوّل العراق من بلد مؤيد للارهاب الى بلد مستورد للارهاب. في جميع الأحوال سأقبل تصنيف وزارة الخارجية الأميركية أي دولة عربية كمؤيدة للارهاب، أو ان كل الدول العربية مؤيدة للارهاب، اذا زادت اسرائيل الى قائمة الدول الارهابية، فمع وجود آرييل شارون رئيساً للوزراء يتضاءل كل ارهاب آخر بالمقارنة مع ارهابه. - كان الجنرال ريتشارد مايرز، رئيس الأركان الأميركية المشتركة، صرح الشهر الماضي بأن زيادة الاصابات الأميركية في العراق تعكس زيادة قدرة المقاومة الثورة، أو التمرد وفاعليتها. طبعاً الأميركيون لن يعترفوا بأنهم أساؤوا التقدير أو فشلوا، وإنما هم يبحثون عن طرف يحملونه المسؤولية، وقد وجدوه بالزعم ان المقاومة العراقية، وهم يقدرونها بين ثمانية آلاف و12 ألفاً مع الإرهابي أبو مصعب الزرقاوي، وربما 20 ألفاً مع فلول البعث وأنصار صدام حسين، تملك موارد مالية هائلة، ويرجحون من دون دليل على ان المصدر تبرعات من سعوديين عبر سورية. هناك مراقبة مالية أميركية وسعودية مشتركة لمنع وصول أموال الى الارهابيين، وهناك تصريحات أميركية رسمية تشكر التعاون السعودي. أما سورية، فلا أحد يعرفها أفضل مني، ولا يمكن أن يخرج منها نقد نادر الى العراق أو غيره، ولا أزيد حتى لا أغضب السوريين وأنا أدافع عنهم. - أتجاوز العراق الى ليبيا حيث ذهب عضو الكونغرس توم لانتوس، وهو اسرائيلي الهوى ليعلن تأييده العقيد القذافي، ونقول للعقيد: قل لي من أصدقاؤك أقل لك من أنت. - أحيي السيدة شيري بلير لأنها صاحبة مواقف نبيلة بالنسبة الى قضايا العرب والمسلمين، وأتمنى لو أن زوجها مثلها. رأيت السيدة بلير في مناسبات اجتماعية، من حفلات خيرية وغيرها، وكانت دائماً مثال الفهم والتعاطف. لذلك لم أفاجأ بدفاعها في أميركا عشية الانتخابات عن المعتقلين في خليج غوانتانامو وعن حقوق الشاذين، على رغم تحالف زوجها مع جورج بوش. شكراً يا مدام، وربنا يطول عمرك. - هل يقبل القارئ أن غزو العراق كان خطأ من الرئيس بوش، وجريمة متعمدة مع سبق إصرار وتصميم من المحافظين الجدد في ادارته الذين سعوا الى تدمير العراق، تحت ستار اطاحة صدام؟ معارضو الحرب اصبحوا يقولون ان العراق لم يكن يملك أسلحة دمار شامل، ولا علاقة له مع القاعدة، ولا يمثل خطراً بالتالي. أما الخطر فهو من ايرانوكوريا الشمالية. وأرى في هذا الكلام تحريضاً على ايرانكوريا الشمالية لا تهمني نتائجه ستكون أسوأ كثيراً من الحرب على العراق. أريد أن أسجل اليوم أن أكبر خطر إرهابي يهدد العالم هو أطنان البلوتونيوم، من مستوى يصلح لانتاج قنابل نووية، السائبة في روسيا وبلدان الاتحاد السوفياتي السابق. والخطر هو ان تقع كميات كافية في أيدي ارهابيين يستعملونها في صنع "قنبلة قذرة". الرئيس بوش حارب الإرهاب حيث لم يكن يوجد في العراق، فيجعل البلد مغناطيساً يجتذب الارهابيين من حول العالم. ويظل هذا أهون من امتلاك ارهابيين قنبلة قذرة، فأسجل خوفي وأرجو ألا أعود يوماً وأقول: قلت لكم هذا.