يصوّت اليوم المجلس النيابي على الثقة للحكومة في اختتام مناقشة النواب للبيان الوزاري وبعد رد رئيس الحكومة عمر كرامي عليهم، وسط توقعات بأن يبلغ عدد مانحي الثقة 61 صوتاً، في مقابل 62 صوتاً لحاجبيها والممتنعين عن التصويت، وغياب 5 نواب هم: نائب رئيس الحكومة عصام فارس، نجيب ميقاتي، فريد مكاري، جورج افرام، فارس بويز. وإذ توقعت مصادر نيابية امكان تراجع عدد مانحي الثقة في حال اصر بعض المترددين من النواب على الامتناع عن التصويت ليصل العدد الى 60 نائباً، رأت في المقابل ان بيروت التي تتمثل ب19 مقعداً نيابياً لن تمنح الحكومة الثقة التي ستحصل على نسبة متواضعة من اصوات نواب محافظة جبل لبنان، حيث سيبقى عدد مؤيديها في حدود 8 نواب من اصل 35 نائباً ستحجب اكثريتهم الساحقة الثقة، فيما يصوت عدد قليل منهم الى جانب الممتنعين. وعليه، فإن الحكومة ستنال ثقة هزيلة، بخلاف عدد النواب الذين سموا الرئيس كرامي لتأليف الوزارة الجديدة، فيما سيكون داعموها في شكل اساسي من نواب محافظات البقاع والشمال والجنوب. ويبدو لافتاً ان الكتل الكبيرة، باستثناء كتلتي التنمية والتحرير برئاسة رئيس المجلس النيابي نبيه بري ونواب الشمال سليمان فرنجية ونجيب ميقاتي، انقسمت بين حجب الثقة والامتناع عن التصويت. ومن الكتل المنقسمة "اللقاء النيابي الديموقراطي" برئاسة وليد جنبلاط "ولقاء قرنة شهوان" و"كتلة قرار بيروت" بزعامة الرئيس رفيق الحريري، و"كتلة الوفاء للمقاومة" حزب الله. واستأنف المجلس النيابي جلساته، السادسة والنصف من مساء امس بعد جلستين عقدهما اول من امس صباحاً ومساء، لمناقشة البيان الوزاري للحكومة وتميزت الجلسة باستعاضة اللقاء النيابي الديموقراطي عن غياب رئيسه وليد جنبلاط باحتلال عدد كبير من أعضائه منبر الكلام. فقال النائب غازي العريضي متوجهاً الى بري: "لقد ناديت بحكومة لم الشمل فكانت حكومة زم الشمل وذم الشمل وانتظر البعض حكومة الانعتاق من الماضي فإذا بها حكومة الانغلاق على المستقبل. وعدوا الناس بحكومة الوفاق الوطني فإذا بها حكومة تكريس الانشقاق الوطني وحكومة اصحاب الخبرة في الاقتصاص والانسجام في تكريس الانسجام وحكومة الانتظام في مسيرة التشفي والانتقام. وطالب كثيرون بحكومة حوار وإذا بها حكومة الحصار. سبق ولادتها وعد باليد الممدودة الى الناس فإذا بها يد ممدودة على الناس، اعتقالات واعتداءات وتهديدات وسيارات مفخخة وتفجيرات". وأضاف: "قيل حينها ان ثمة تغييراً في الذهنية فاكتشف اللبنانيون انه تغيير نحو الأسوأ، لذلك فإن هذه الحكومة جاءت بولادتها وتركيبتها ظالمة مظلومة وبقصر عمرها محكومة وبانتطلاقتها مأزومة، انتقدها الممددون والموالون والمقربون والموعودون، فاتهموا بالتناغم مع الخارج وبانتمائهم الى أوكار الفساد". وتطرق الى البيان الوزاري فقال: "الحكومة تقول بوضع مشروع قانون انتخابي جديد يشكل المدخل الحقيقي للوفاق الوطني والمصالحة الوطنية الشاملة. لذلك فإن الأنظار الداخلية والخارجية وبعد قرار التمديد وتداعياته تتركز على مراقبة العملية الانتخابية قانوناً وآليات وممارسة". وأضاف: "نحن مع تطبيق اتفاق الطائف ولا نزال نؤمن ان الدائرة الصغرى هي الأفضل لتحقيق ما ورد ومع العدالة لجهة عدد المحافظات في كل المناطق ولا خوف ولا قلق من هذا الأمر"، مشيراً الى ان "ثمة هواجس كثيرة عند الناس حول نزاهة الانتخابات وهم يتساءلون هل ستحاول السلطة تركيب قانون يضمن انجاح مؤيديها وترجمة نواياها بشطب اطراف سياسية في المعارضة او تحجيمها من خلال القانون والآليات والممارسات؟ وهل نكون أمام مسلسل من الترهيب والضغط والفتن في بعض المناطق لإضعاف قوى سياسية معارضة وإشغالها بمثل هذه الأمور؟ وهل ستكون المعارضة تحت ضغط أمني؟ وقد وردت معلومات خطيرة امس تتحدث عن محاولة اغتيال النائب السابق نجاح واكيم واستهداف شخصية سياسية ثانية فهل نحن أمام تحضير مناخ تبرز في ظله عمليات الانتقام من هذا أو ذاك وتكون التبريرات قد وضعت والجهات المسؤولة عنها قد حددت سلفاً وتضيع الأمور ولم تكشف السلطة شيئاً حتى الآن عن محاولة اغتيال مروان حمادة؟ وهل سيستخدمون القضايا المعيشية والمطالب الاجتماعية والمؤسسات لأغراض انتخابية في وجه المعارضة؟". وحذر "من التلاعب بالأمن ونحمل السلطة المسؤولية كاملة في هذا المجال ونأمل بأن تكون الانتخابات نزيهة". ورأى "إمكانية كبيرة في الوصول الى ذلك من خلال وجود الوزير سليمان فرنجية على رأس وزارة الداخلية". وأكد "اننا ضد التدويل في أي شكل من الاشكال وفي امكاننا ان نتحمل مسؤولياتنا اذا أردنا وعلينا أن نفعل ذلك كي لا يستغل أحد اخطاء السلطة فنقدم ذرائع اضافية لكل من يريد التدخل". وسأل: "ماذا يعني وجود من حجمتهم الانتخابات البلدية أخيراً وأسقطتهم الانتخابات النيابية سابقاً في السلطة اليوم؟". وأضاف: "لقد تمت المصالحة بين الناس وتوجت بزيارة البطريرك صفير الى الجبل التي أرادت السلطة ان تنقلب عليها وما نجحت. والمسؤولية تقضي بتكريس هذه المصالحة، من طريق وقف الاستفزازات والتحديات والتهديدات"، وقال: "يجب ان تدرك السلطة كيف تتعامل مع الوفاق في اطار الطائف الذي توافق حوله اللبنانيون، لا أن تلجأ الى إفراغ هذا الاتفاق من مضمونه في مجالات عدة، وأن تستعدي الناس، فالمطولب مصالحة لا نراها ممكنة في ظل وجود الذهنية الحاكمة". وهاجم سياسة الادارة الأميركية في العراقوفلسطين، وضد سورية ولبنان قبل التمديد وبعده لكنها استفادت من التمديد كذريعة لترفع من وتيرة هجومها وحروبها ونعتقد انه كان بالامكان تفادي ذلك". وتحدث العريضي عن العلاقات اللبنانية - السورية التي وقّعنا على ميثاقها بالدم في ساحات الجهاد قبل ان يوقع كثيرون على الورق ونحن حريصون على ان تكون علاقة استراتيجية عميقة راسخة منتجة ضامنة لمصالح البلدين والشعبين لا لمصالح افراد منتفعين ولا لاحتكار أحد او استقواء آخر بها على شركائه وإخوانه خالية من كل الشوائب وهي موجودة ويقر بها الجميع في الموالاة والمعارضة". وأضاف: "يخطئ من يعتقد انه بالتشكيك والتخوين يكون أحرص وأصدق على مصالح سورية ولبنان، انه الأسلوب الأخطر والأكثر ضرراً عليهما". وقال: "يقول الأخوان السوريون إنهم لا يريدون التدخل في الشؤون الداخلية. هل يترجم هذا الكلام هجوماً على أي فريق يطالب بعدم التدخل؟". وأضاف: "إذا كان رئيس الحكومة مدركاً لحجم وخطر الانقسام الحاصل في لبنان وراغباً في الحوار، فإن الأمر بين يديه بالدرجة الأولى، ونحن نعلق آمالاً على هذا الادراك". وقال: "انطلاقاً من الحرص على المصلحة اللبنانية - السورية، نتوقف عند تعامل السلطة مع القرار الرقم 1559. فقد تساءل رئيس الحكومة: "إذا انسحب السوريون فمن سينفذ القرار؟ وهل يعني ذلك إقراراً وموافقة على تنفيذه لكن المسألة تتعلق بالجهة التي ستنفذ؟". وأضاف: "كنا ضد التدويل. ولا نزال، وقد دفعنا وإياكم في اطار التحالف الوطني العريض وسورية ثمناً كبيراً لمنعه. وكنا ضد التدخل الاجنبي ولا نزال ومن هذا المنطلق تعاملنا ونتعامل مع القرار 1559. لكن هل كلام رئيس الحكومة وأجوبة وزير الاعلام شافية ومطمئنة الى سلامة تعاطي الحكومة؟" وطالب الحكومة ب"توضيح ذلك". وسأل: "هل اذا وجدت وسائل تنفيذ القرار 1559، كما طالب وزير الاعلام، ننفذ. اذا كنا نعتبر القرار تدخلاً في الشأن اللبناني، وهو كذلك، ونتمسك بالمقاومة، فماذا يعني وزير الاعلام بالقول من سينزع سلاح الميليشيات؟ من هي الميلشيات؟ هل المقاومة هي المقصودة؟ هل نحن موافقون مبدئياً على نزع سلاحها؟. انه كلام خطير ينبغي عدم تكراره وعدم الارتجال الا اذا كان البعض يستدرج عروضاً. اذا كان الأمر كذلك فليكف عن الحديث عن التناغم بين المعارضة والخارج". وقال: "بدلاً من طرح التساؤل عمن سينزع سلاح الميليشيات أي "المقاومة". وتطرق الى الكلام عن الميليشيات غير اللبنانية، وقال: "اذا كان المقصود الفصائل المسلحة الموجودة في المخيمات الفلسطينية فان موقفنا من القرار 1559 لا يسقط دعوتنا القديمة الى الحوار مع الفلسطينيين لتسليم سلاحهم الى الدولة اذ لم يعد له مبرر في مواجهة اسرائيل ما دامت المقاومة اللبنانية موجودة والانتفاضة في فلسطين مستمرة"، داعياً الى "مواكبة هذا الأمر بسياسة جديدة بالتعاطي مع الأخوة الفلسطينيين الموجودين على الأراضي اللبنانية تنطلق من احترام القوانين وتعطيهم حقوقهم الانسانية على الأقل في انتظار وضوح". وتابع العريضي: "عسى ان تكون الحكومة تجاهلت كلمة التوطين عن قصد لتريحنا من هذه المعزوفة التي يصر البعض على استخدامها على قاعدة كلام حق يريدون به باطلاً، باطل التهديد والتهويل والابتزاز". وأشار الى ان "الحكومة قدمت وعوداً كثيرة وأبرزت نيات كبيرة لجهة مكافحة الهدر والفساد وسنكون اول المهنئين لها اذا نجحت لأن الوضع في لبنان لم يعد يحتمل هذا التسيب والفلتان وهذه الفوضى، معتبراً ان "الأمر لا يمكن ان يستقيم اذا كانت هناك كيدية وتنفيعات وحمايات، واذا لم يكن ثمة ثقة بالمسؤول والمؤسسات وبقضاء يحمي الناس وبعيد عن التدخلات وتشابك المصالح بين بعض رموزه وجماعة الأجهزة والاستخبارات، والتجربة حتى الآن لا تشجع". وتحدث عن بحر من الفضائح "غاص وغطس وسبح فيه كثيرون وخرج الجميع غانمين محملين بصيد ثمين مكرمين معززين". وشكر للحكومة "عدم استخدامها كلمة شفافية التي استخدموها سابقاً حتى شنقوها، وبالممارسة كرسوها شفافية في انتهاك الحريات والدستور والمساءلة والمحاسبة" وحجب الثقة عن الحكومة. وتحدث عن "الديموقراطي" النواب صلاح حنين وعلاء الدين ترو وجورج ديب نعمة اضافة الى النائب البعثي عبدالرحمن عبدالرحمن. وأعلن النائب محمد الصفدي باسم "التكتل الطرابلسي"، حجب الثقة عن الحكومة. ورأى "انها شكلت من أجل وظيفة هي التحضير لولادة مجلس نيابي جديد". وحمل النائب انطوان غانم بعنف على الحكومة وعلى التمديد وتداعياته وانتقد "النظام الأمني". وطالب بأن "يأخذ قانون الانتخاب بصحة التمثيل وأن تجرى الانتخابات في اجواء حرة ونزيهة وتحت مراقبة هيئات دولية". وخاطب النائب المعارض بطرس حرب كرامي قائلاً: "من المؤسف ان تتولى السلطة في أسوأ الظروف وأكثرها دقة". وامتدح إشراك سيدتين في الحكومة وتفادي كرامي دخول أسماء مشبوهة في الحكومة، لكنه اعتبر ان "ما يدعو الى الحزن ألا تطلق يداك لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية الحقيقية". وشكر له عرضه "لأشارككم في مسؤولية الحكم من دون تمكنكم من إرفاق عرضكم بالحد الأدنى المطلوب من القوى السياسية الأخرى على توجهات الحكومة". وأبدى تفهمه لقول كرامي إنه "لم يكن بالامكان أفضل مما كان"، مشيراً الى ان "الظروف تضعنا في موقع حرج تجاهك لأن إيماننا بشخصك لا يمكن وحده ان يحدد موقفنا من حكومتك وسياستها لا سيما ان حكومتك تحمل ما يدعونا لأكثر من تحفظ". وقال حرب: "وزراء في حكومتكم يعلنون دفاعاً عن الوجود السوري ان اللبنانيين سيعودون الى الاقتتال فور خروج الجيش السوري، وآخرون يتعاملون مع بعض رموز المعارضة كأنهم متآمرون على لبنان وسورية". وأضاف: "يتعرض نائب معارض لمحاولة اغتيال آثمة فينبري أحدهم لاتهام المعارضة بذلك... وخلايا ارهابية يتم كشفها فجأة وتتضارب التصريحات الرسمية حولها ونشهد باندهاش انفلاشاً للوجود المسلح تحت أعين السلطة فتعجز الاجهزة عن ضبطه". وتحدث عن "شكوك في ان شيئاً يُحضّر للبنان في وقت تحولت فيه علاقات لبنان بسورية من الشراكة السورية الى التبعية، وتحولت السلطة الى دائرة تنفيذ لما يملى عليها"، وقال: "اعتُدي على الدستور تسهيلاً للتمديد وانقسمت البلاد". وأسف حرب "لتجاهل الحكمان السوري واللبناني جدية التطورات، ولكونهما يواجهانها بالخطب الرنانة وتسخير أتفه الأبواق لذلك أو اللجوء الى مناورات غبية". وعن وعد الحكومة بمحاربة الفاسدين قال حرب انهم "نوعان: ظاهرون وقحون، ونوع من اللبقين المتخفين الملتبسة صورتهم". وطالب حرب بعدم الحؤول دون تردي الخدمات، داعياً الى اعتماد الدوائر المتوسطة في قانون الانتخاب، على أساس النظام النسبي، أو العودة الى نظام الدوائر الصغرى في ظل النظام الأكثري. وتطرق الى اشارة البيان الوزاري الى العلاقات المميزة مع سورية "وهي مفردات سئم اللبنانيون سماعها لأنها تحولت الى لازمة الألسن الخشبية المبخّرة للدور السوري والمسيئة اليه". ورأى ان حاجة سورية للورقة اللبنانية في صراع الشرق الأوسط "أعمت بصيرة مسؤوليها عن معرفة الطرق السلمية كي يبقى لبنان وسورية في خندق واحد". واعتبر ان المسؤولين السوريين "لا يثقون بالمسؤولين اللبنانيين بمن فيهم حلفاؤهم... واللبنانيون يبادلون السوريين الشعور بعدم الثقة". وأشار الى ان رؤساء الجمهورية السابقين "خيار سوري، كذلك الحكومات المتتالية واللوائح الانتخابية وتوجهات السلطة الدستورية واختيار معظم الأمنيين". واعتبر القرار الرقم 1559 تدويلاً لاتفاق الطائف، داعياً كرامي الى توظيف صداقته مع سورية "كي تحولوا علاقة من يحكم لبنان بسورية الى علاقة ندّية". وانتهى الى اعلان "تعذر منحكم الثقة".