من معرضه الباريسي الأوّل في شهر آذار مارس الماضي حتى معرضه الجديد الذي افتتح مساء أمس في "غاليري كلود لومان" الباريسية، يحقّق الفنان اللبناني فؤاد نعيم قفزة نوعية تتمثّل في كثافة اللغة التشكيلية وطريقة استعمال مفرداتها المتنوّعة. وإذا كان الفنان يلجأ، كما في معرضه السابق، إلى الإشارات والرموز والأرقام والأحرف، فهو لا يستعملها لذاتها ولمضامينها الخاصّة بل بصفتها أبجديّة بصريّة تتماهى مع عناصر اللوحة وألوانها لتشكّل المناخ الملائم لخلفيّتها ولفضائها العام. أما اللافت في المعرض الجديد فهو الكثافة اللونيّة والحضور البارز لشخوص تحتلّ أجزاء مهمّة من العمل الفنّي وتبدو كأنها تؤدّي وظيفة معيّنة تتحوّل معها مساحة اللوحة إلى خشبة مسرحية تتزاوج فيها العناصر التشخيصية بالتجريدية بكثير من الألفة والانسجام. تارة يظهر شخص واحد وتارة شخصان، وفي كلتا الحالين تحمل هذه الشخوص تعابيرها في وجوهها الناضحة بالدهشة. وثمة غرابة تتأتى من تناقض قائم بين تعبيرية هذه الوجوه من جهة، وما تشي به الألوان الحارّة والصارخة التي تكتسي بها الأعمال الجديدة من جهة ثانية. شيء ما في هذه الوجوه يذكّر بأعمال الفنان البلجيكي جيمس أنسور وذلك في قدرتها على المزج بين الانفعالات الحادّة والتهريج. مسرح من الانفعالات يطالعنا في هذه الأعمال التي لا تسقط في لعبة الإنشاء والسرد، بل تساهم في خلق حالات وأجواء تفتح اللوحة على مزيد من الأسئلة. في هذا المعرض الجديد، تنقسم الأعمال إلى قسمين: قسم مؤلّف من مجموعة أعمال صغيرة الحجم ملوّنة، وقسم ثان يتمثّل في مجموعة لوحات هي أشبه بألواح المدرسة وقد اعتمد فيها الفنّان على اللونَين الأسود والأبيض باستثناء عملَين اثنَين تتوسّطهما بقعة حمراء تذكّر ببعض المنمنمات اليابانيّة. وقد تمّ توزيع الشخوص على سطح اللوحة بطريقة هندسية إيقاعيّة يضيع فيه الفاصل بين الأطفال والبالغين، بين الضحك والتجهّم... خطوة جديدة يخطوها الفنّان فؤاد نعيم في أعماله الحديثة، وتأتي هذه الخطوة ضمن مغامرة شديدة الإصغاء إلى التجارب الفنيّة المختلفة في الماضي والحاضر، وتتّسم بطابع السفر في الذات، ذات الفنّان أوّلاً، وعبرها في الداخل الإنساني ككلّ.