شعبنا المعروف بتسمياته المتعددة، كلدان - سريان - آشوريون، هو شعب عريق وذو حضارة تمتد الى سبعة آلاف عام على ارض وطنه المعروف تاريخياً ببلاد الرافدين، بلاد دجلة والفرات. وأجداد شعبنا، الآكاديون، هم اول من وحدوا هذه البلاد على يد الملك سركون الاول الاكادي الذي تخطى نظام المدن ودويلاتها وربطها بعضها ببعض، ووضع نظام الدولة وأركانها. وسن القوانين والضوابط التي تنظم شؤون المجتمع. ولعل شريعة "أورنمو" وشريعة "حمورابي" وغيرهما خير شاهد على رقي الانظمة والقوانين التي سُنت في ذلك الزمن الغابر. وقد تحولت الى امبراطورية كبيرة حكمت البلاد تسعة قرون. ثم بدأت مرحلة الانحسار حتى السقوط المفاجئ للحكم في نينوى ثم بابل. لكن الكيان السياسي لشعبنا استمر الى دويلات صغيرة مثل امارة عسروينا ثم مملكة الرها حتى القرن الثالث بعد الميلاد. بقي شعبنا على ارضه، ويشكل الغالبية السكانية حتى نهاية القرون الوسطى، ومارس طقوسه وعاداته وتراثه وتقاليده ولغته وكل المقومات التي تعبر عن خصوصية هويته الحضارية والإثنية، متفاعلاً بدرجات، متفاوتة سلباً او ايجاباً، مع الشعوب والاقوام التي تسلمت بلاد الرافدين، وبحسب تعامل هؤلاء الحكام ومدى احترامهم لهوية شعبنا الحضارية ومعتقداته الدينية بعد اعتناقه المسيحية منذ القرن الاول الميلادي. وتفاعل شعبنا مع العرب بعد الفتح الاسلامي، وتقلد المناصب، وعمل في مجالات الطب والترجمة وغيرها. لكن شعبنا تعرض للظلم من عدد من الولاة غير العادلين. وسيطرت اجناس اخرى على الدولة الاسلامية كالسلاجقة والبويهيين، وارتُكبت ضد شعبنا مذابح وفظائع اخرى. فانحسر تعداده على ارضه بسبب غزوات على وطنه، منها غزوات تيمورلنك وجنكيزخان وهولاكو. ما ان دخلت اميركا العراق حتى اصبحنا نسمع مصطلحات وتسميات لم نكن نسمع بها طوال التاريخ الطويل، وأصبحت تسمية "المسيحيين" تتحول الى واقع نتعامل معه وكأنها حقيقة، من دون ان ندري من كان السبب في هذه التسمية، ثم لمصلحة من تسمية الآشوريين والكلدان والسريان بهذه التسمية. وعقد في بغداد، في 22-24/10/2003 المؤتمر العام الكلداني - الآشوري - السرياني. ومُثلت فيه مختلف الطوائف الآشورية في العراق، كما حضره المهاجرون الآشوريون الى اميركا وأوروبا وأستراليا، وشارك فيه ايضاً ممثلون من سورية ولبنان. وعلى مدى ايام ثلاثة تم التداول في مختلف القضايا. وصدرت قرارات مهمة جداً من جملتها التسمية. وقد تم الاتفاق على "شعبنا الكلدو آشوري". ولكن ما يدور في وسائل الاعلام العراقية والعربية والفضائية تسمية اخرى هي "المسيحيون في العراق". المسيحية مفهوم لأتباع السيد المسيح. هذا امر عادي لا لبس فيه. ويستخدم هذا المفهوم ضمن الاطار الديني من اجل التعريف او التنويه. اللامنطقي ان تستعمل تسمية المسيحية لشعوب عاشت في بلاد الرافدين سابقاً، والعراق حالياً، قبل سبعة آلاف عام، اي قبل ان تتعرف البشرية على السيد المسيح عليه السلام بخمسة آلاف عام. وبنت هذه الشعوب حضارة عريقة ما زالت آثارها شامخة الى يومنا هذا. كما ان الشعب العراقي، بمختلف اطيافه وشرائحه القومية والدينية، حافظ على تسمية الكلداني - الآشوري - السرياني. حتى جاء الاميركيون فاختزلوا حركة شعوب عمرها سبعة آلاف عام بكلمة واحدة هي "المسيحيون". نعم نحترم الأديان لأنها هذبت الانسان، وجعلته غاية، ولكن ان تستخدم المصطلحات الدينية لخدمة اهداف سياسية، فهذا ما لا نقبل به. ومن وجهة نظر شخصية أبين خطورة هذه التسمية، وما هي غايتها: 1- عندما نستعمل اعلامياً وفي شكل يومي ومكثف تسمية "المسيحيون في العراق"، فإن هذا يفتح الباب مستقبلاً لتسميات اخرى مثل "المسلمون في العراق" و"اليزديون في العراق"، ويؤسس لخلق كانتونات منفصلة وفقاً لهذه التسميات. 2- كثيراً ما يتردد في الاعلام "حقوق المسيحيين" في العراق. وهذا يعني فصل الكلدان - السريان - الآشوريين عن تاريخهم، وكأنهم جاليات مهاجرة جاءت الى العراق، ويجب ان تكون لها حقوق، كأن نقول حقوق المسلمين في اوروبا، وحقوق المكسيكيين في اميركا. 3- عندما نسمي شعوب بلاد ما بين النهرين بالمسيحيين، فإننا نفصل ما بين الماضي والحاضر. فعمرهم التاريخي سبعة آلاف عام. اما المسيحية فعمرها ألفا عام. 4- ان هذه التسمية هي الدعوة الى تيار مسيحي اصولي من اجل التدخل في شؤون المنطقة. وليس عبثاً ما طرحه أخيراً ممثلو هذا التيار في الكونغرس الاميركي من مطالبة بمحمية مسيحية في العراق رفضها يونادام كنا، الممثل الكلدو آشوري في مجلس الحكم سابقاً. لقد آن الاوان لنبذ مظاهر التعصب والتطرف من أين كان مصدرها. ان هؤلاء المتعصبين والمتطرفين ليسوا إلا خميرة الفرقة من الداخل. اما التسميات والمفاهيم الوافدة فهي القنابل الموقوتة القادمة من الخارج. والتقاطع بين الفرقة من الداخل وسلاح التسميات من الخارج يشكل الخطر الاكبر. والتصدي له ضرورة وطنية واجتماعية وأخلاقية. سورية - نمرود سليمان