أود ابداء بعض الملاحظات على رسالة رامن اوراها المعنونة "الآشوريون وحكم الأكراد" التي نشرتها "الحياة" بتاريخ 20/12/1999 وتتضمن، برأيي، اخطاء عديدة تتطلب التصحيح. في العاشر من شهر تشرين الثاني نوفمبر الماضي أصدر المكتب السياسي للحزب الديموقراطي الكردستاني، الذي يتزعمه مسعود بارزاني، بياناً أوضح فيه تمتع المواطنين بكل حقوقهم الديموقراطية من دون تفرقة، بحكم القانون والنظام في كردستان العراق. ثم أصدرت شخصيات وتنظيمات من الطوائف المسيحية الكلدانية والآشورية النسطورية بيانات مماثلة تنتقد فيها الحملة التي يشنها بعض المتطرفين ضد التجربة الديموقراطية في كردستان العراق التي يتمتع في ظلها المواطنون بحقوقهم المشروعة، وتنفي حصول تجاوزات على قرى وأراضٍ عائدة لأفراد من هذه الطوائف في الاقليم، وتشيد بالتعايش بين أقوامها واحترام حقوقها وهوياتها الثقافية. يمارس الآشوريون في الواقع حقوقاً قد لا يبررها عددهم الضئيل. فنتيجة لسياسة التمييز الايجابي حصل الآشوريون في الانتخابات البرلمانية التي جرت في الاقليم عام 1992 على خمسة مقاعد في برلمان الاقليم بحصولهم على 8672 صوتاً فقط، مع ان المعدل الانتخابي عدد الأصوات الضرورية لانتخاب نائب واحد كان 9719 صوتاً لضمان التمثيل في السلطة التشريعية. القول ب"عدم إناطة أي منصب إداري للآشوريين في المناطق التي غالبية سكانها من أبناء هذا الشعب" بعيد عن الصواب. فقبل كل شيء لا توجد منطقة واحدة في كردستان غالبية سكانها من الآشوريين، بل لا توجد وحدة إدارية صغيرة، كالناحية، فيها مثل هذه الغالبية، ان عدد القرى الآشورية محدود لا يتجاوز الرقم الواحد ولا يتجاوز بكل تأكيد العشرات. تأخذ السلطة التنفيذية في الاقليم تمثيل الأقوام والملل في هيئاتها في الاعتبار، فعلى سبيل المثال: ان مدير ناحية عينكاوه، التي تضم تجمعاً سكانياً كلدانياً في أربيل هو كلداني، مع ان التجمع لا يشكل إلا نسبة قليلة من نفوس الناحية. كذلك تم تعيين وزير يمثل "الحركة الديموقراطية الآشورية" في الوزارة الجديدة لأقليم كردستان التي شكلها السيد نيجيرفان بارزاني. وضمت الوزارة المستقيلة وزيراً آشورياً عن الحزب الديموقراطي الكردستاني هو فرنسو حريري، الذي احتل في الوقت نفسه منصب محافظ أربيل، عاصمة الاقليم، في حين يبلغ نفوس الطوائف المسيحية في المحافظة حوالى عشرة آلاف نسمة ويشكلون حوالى واحد في المئة من سكانها. على رغم الضجة التي يثيرها بعض المتطرفين الآشوريين، وهذا ممكن في عصر الاتصالات الحديثة، فإن عددهم ضئيل جداً نسبياً، وهم لا يشكلون شعباً أو قومية أو أقلية قومية في المفهوم العلمي - الاجتماعي، وإنما يشكلون طائفة دينية ينتشر اتباعها هنا وهناك بين الأقوام الأخرى، فإضافة إلى عددهم القليل في محافظة أربيل، فإن عددهم في محافظة السليمانية يقل عن 400 نسمة. أما في دهوك حيث تقطن غالبية الآشوريين في كردستان، فإن عددهم حوالى 15 ألف نسمة ونسبتهم إلى سكان المحافظة هو 3 في المئة. وهكذا فإن نفوس الطوائف المسيحية هو حوالى 5400 نسمة في المحافظات الثلاث أربيل والسليمانية ودهوك، يضاف إليهم 2000-3000 نسمة في محافظة كركوك. تتكون الطوائف المسيحية في العراق من ثلاث مجموعات دينية تشترك معاً في استعمال اللغة السريانية الآرامية الجديدة في حياتها بدرجات متفاوتة، أي ان الرابطة التي تجمع بينها هي رابطة دينية وليست قومية على رغم ان هذه اللغة تضفي عليها نوعاً من الطابع القومي. والطوائف الثلاث هي: 1- الطائفة السريانية، تستعمل أحياناً السريانية في طقوسها الدينية، إلا أنها تستعمل غالباً العربية في حياتها اليومية. يقدر عدد السريان في العراق بنحو مئة ألف نسمة يقطن قسم منهم في بلدة الحمدانية قرقوش في محافظة نينوى، وتتوزع البقية في انحاء مختلفة من البلاد، خصوصاً في بغداد. ولا تنتظم الطائفة في حركة قومية سريانية، وساهمت بصورة فاعلة في بعث الحركة القومية العربية على الوطن العربي. 2- الطائفة الكلدانية: وهي أكبر الطوائف الناطقة بالسريانية في العراق، وتستعمل اللغة السريانية في طقوسها الدينية، وكذلك في بعض حياتها اليومية، لكنها تستعمل أيضاً العربية والكردية والتركمانية حسب مناطق سكناها، ولا تروج لحركة قومية. يقدر عدد الكلدان في العراق بحوالى 450 ألف نسمة يتجمعون في معظمهم في محافظتي نينوي وبغداد. تاريخياً، انشقت هذه الطائفة عن كنيسة المشرق في القرن السادس عشر وتبعت البابوية في روما واطلق على اتباعها المنشقين اسم "الكلدان" لتمييزهم عن بقية المسيحيين في بلاد آشور. 3- الطائفة الأثورية النسطورية: وهي أصغر الطوائف المسيحية في العراق. يقدر عددها بحوالى 55 ألف نسمة يشكلون حوالى 25.0 في المئة من السكان، وتقطن أكبر مجموعة منهم، حوالى 30 ألفاً، في بغداد. أما عددهم، كما ذكرنا، في كردستان محافظات السليمانية وكركوك واربيل ودهوك فيبلغ حوالى 28 ألف نسمة. للطائفة كنيستها المستقلة وتدعى "الكنيسة الشرقية النسطورية" أسسها في نهاية القرن الخامس اتباع مار نسطور بين قبائل تياري العليا والسفلى وباز وتخوما وجلو. ويذكر أنه لا توجد علاقة بين الأثوريين المعاصرين والآشوريين القدامى، الذين انقرضوا كقوم. وهم لا يعرفون باسم قومي بل باسم ديني: سورايا - المسيحيون المعمدون - لذلك يخطئ من يعتبر هذه الطائفة آشورية. لا بد من القول إن بعض نكبات الطائفة كالتمرد عام 1933 نجمت عن الاوهام الامبراطورية لدعاتها المتطرفين. ولا بد أيضاً من التساؤل، في الختام، ترى ماذا يطلب السيد اوراها من حكم الأكراد أكثر ما يتغنى به قومه؟ باريس - صلاح سعدالله كاتب كردي