مع انخفاض درجات الحرارة في أوروبا، يتكثف تدفق السياح الأوروبيين على الواحات التونسية بحثاً عن الشمس والدفء. ويشهد مطار توزر- نفطة الواقع بين الواحتين اللتين يحمل اسمهما زيادة ملحوظة في عدد الرحلات الآتية مباشرة من المدن الرئيسية في غرب أوروبا أو من مطار العاصمة تونس. وينتشر السياح في الفنادق الواقعة عند حزام الواحات ومنها ينطلقون في جولات إلى الصحراء التي لا تبعد كثيراً عن المنطقة. إلا أن الإقبال على الواحات يصل ذروته مع إجازات آخر السنة والاحتفالات برأس السنة الميلادية إذ اعتاد سياح كثر، بينهم شخصيات مشهورة في عالم الفن والسياسة والسينما والأعمال، زيارة المنطقة لتمضية الإجازات. أكبر مهرجان شتوي وتتزامن تلك الفترة مع انطلاق فعاليات المهرجان الدولي للواحات الذي يعتبر من أكبر المهرجانات السياحية في تونس، وربما كان أكبر مهرجان شتوي في البلد. وستستمر الدورة المقبلة، وهي السادسة والعشرون في مسيرته المستمرة منذ ربع قرن، من 23 إلى 26 كانون الأول ديسمبر ويتوقع أن تستقطب 100 ألف سائح إضافة الى مشاركات من عشرين بلداً. وسيقدم المهرجان لوحات من الحضارات التي تعاقبت على تلك المنطقة منذ خمسة آلاف سنة، خصوصاً الإسلامية والفينيقية والرومانية التي ما زالت شواهدها ماثلة إلى اليوم وتشكل مزارات مهمة للسياح المولعين بالتاريخ. ويكتشف السائح في منطقة الواحات تقاليد عريقة في الطبخ والملبوسات والمعمار والرياضات التقليدية لا يمكن العثور عليها إلا في هذا المتحف المفتوح. ومن الأكلات التقليدية "المطبقة" و"البركوكش" و"الملاوي" وهي أنواع من الخبز أو الكسكس تستخدم في تحضيرها الأعشاب المحلية ما يمنحها مذاقاً مميزاً يستهوي السائح الغربي. وتتميز مدن الواحات، وبخاصة توزر ونفطة، بعمارتها التقليدية التي تعود إلى آلاف السنين وقد صممت لتكون مناسبة لمناخ المنطقة المتسم بشدة الحرارة في الصيف. وهي تعتمد على الطوب المحلي ذي اللون الأحمر الذي يزين جميع الجدران الخارجية على نحو يجعل الزائر يتأكد أنه يتجول في الواحات التونسية وليس في أي مكان آخر. ولا تتجلى هذه العمارة في المساجد والمعالم التاريخية فحسب وإنما في البيوت العادية والدوائر الحكومية والمستشفيات والمدارس... فكل شيء هنا يخضع لنمط موحد من العمارة يميز الواحات عن المناطق التونسية الأخرى. وللمحافظة على ذاكرة المنطقة، أقام أحد أبنائها متحفاً كبيراً في منزل الأسرة وطوره لاحقاً إلى فندق سياحي. ويضم متحف "دار شريط" نماذج حية من الأواني والملبوسات والسجاد والحلي والمخطوطات والنفائس التي تحكي تاريخ الواحات. ويعتبر المتحف نفسه نموذجاً للبيوت التقليدية ذات العمارة العربية العريقة بغرفه الفسيحة وفنائه المشرع للشمس وبواباته ونوافذه المزركشة. حفلات زفاف وسباقات إبل يغادر السياح متحف "دار شريط" لينتشروا في غابة النخيل المجاورة لمواكبة أعمال جمع محاصيل التمور التي تعتبر من اللوحات الفريدة في المنطقة. ويتابع السائح مراحل الجني التي تشكل مشهداً مدهشاً بالنسبة إليه فيلتقط عشرات الصور مع أفراد أسرته تحت شجر النخيل ومع العمال المنهمكين في الشغل ثم مع المحاصيل المجمعة في أحد أطراف الغابة. ولمناسبة المهرجان الدولي، يشارك السياح في مسابقات تنظم في شوارع مدينة توزر وتستقطب أعداداً كبيرة من سكان الواحات الذين يستعرضون لوحات من الرقص والرياضات التقليدية مثل لعبة السيف و"المعقاف" وهي عصا طويلة معقوفة تستخدم في الرقص وتشبه لعبة "العرضة" السعودية، وكذلك سباقات الخيول والإبل. ويتضمن برنامج المهرجان عروضاً للفرق الصوفية والطرقية المنتشرة في المنطقة من جنوبتونس إلى جنوب المغرب. ومن المشاهد التي تستقطب السياح الغربيين تمثيل حفلات الزفاف التقليدية في الساحة الكبيرة، وهي تقاليد حافظت عليها المنطقة منذ قرون. ولأن الواحات بوابة الصحراء فإن المشاهد المتصلة بعالم الصحاري وحياة سكانها وتقاليدهم وقيمهم حاضرة في مدينتي توزر ونفطة. وكثيراً ما يفاجأ المسافرون الآتون بالطائرة من باريس أو روما بأن الواحة التي ستنزل على أرضها طائرتهم هي عبارة عن جزيرة خضراء مسيجة بكثبان مترامية من الرمال. وكثيراً ما يخرج السياح في جولات إلى الفلاة على متن سيارات رباعية الدفع لتمضية يوم في الصحراء بعيداً عن ضوضاء المدن فيستمتعون بسكون الطبيعة وصفائها. ويستمر بعضهم في الرحلة إلى القصور التي أقامتها القبائل العربية في أطراف الصحراء، وهي قصور مؤلفة من ثلاثة أدوار لكنها لا تشبه القصور المعروفة لأنها مشيدة على شكل دائري كي يقيم أفراد القبيلة في أحد الأدوار فيما يخصص الدوران الآخران للخزين الذي يدافع عنه شباب القبيلة من غارات القبائل المعادية. مطار حديث يعتبر مطار توزر - نفطة شريان الحياة في منطقة الواحات، فهو قطب الرحى في الحركة السياحية والاقتصادية عموماً ومنه تنطلق الرحلات إلى اثني عشر مطاراً في عدد من العواصم والمدن الكبرى في أوروبا. وبالنظر الى تزايد التدفق السياحي على المنطقة، أخضع المطار لعمليات توسعة وتحديث شملت قاعات الاستقبال والرحيل ومواقف الطائرات والمحلات التجارية ومكاتب السفر. وتفتتح قريباً أربعة خطوط دولية لربطه بكل من ميلانو ومدريد وباليرمو وفرانكفورت. ويعلق التونسيون آمالاً كبيرة على السوق الألمانية التي ازدهرت في التسعينات حتى اجتازت حاجز المليون سائح قبل أن تتراجع إلى النصف تقريباً الآن. لكن يؤمل بأن تعطي الحملات الترويجية التي تقوم بها تونس في السوق الألمانية أكلها قريباً ويعود السياح إلى التدفق مجدداً على البلد، خصوصاً على الواحات.