على رغم مخاوف السياح الأوروبيين من السفر بالطائرة في أعقاب أحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر الماضي، حطت رحلات عدة في مطار نفطة جنوبتونس ناقلة المشاركين في "مهرجان الواحات". أكثرية الحضور كانت من الذين شاركوا في دورات سابقة أو سمعوا عن المهرجان من معارفهم، فهو يعود إلى العام 1936 عندما أسس مثقفون من المنطقة "عيد النخلة"، إلا أنه توقف بعد أربعة أعوام بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية ولم يعد سوى في سنة 1958 أي بعد الاستقلال. "لم تتوقف الدورات منذ عام 1958 على رغم بعض الانقطاعات وعليه فالدورة الحالية تحمل الرقم 23" مثلما شرح ل"الحياة" مدير المهرجان أحمد الزابي. على مشارف الصحراء وبين واحتي توزر ونفطة المشهورتين بتمرهما والنائمتين وسط غابات النخيل أمضى السياح أيام المهرجان الأربعة والتي شكلت مرآة عكست تقاليد أهل المنطقة وعلاقتهم الحميمة بالزراعة. وفيما كان البرد القارس يلفح مواطنيهم في فرنسا وألمانيا وشمال أوروبا استمتع المشاركون في المهرجان بدفء الشمس واعتدال المناخ في منطقة "رأس العين" السياحية التي تضم سلسلة من الفنادق الحديثة على بوابات واحات مترامية الأطراف. أفلام وحفلات زفاف انطلق المهرجان باستعراض كبير أعطى صورة عن حياة أهل المنطقة التي تسمى "الجريد" وتراثها الثقافي والحرفي والزراعي وهي التي استقطبت كثيرين من المخرجين الذين صوّروا فيها مشاهد أفلامهم ومن ضمنها فيلم "حرب النجوم" بإجزائه الأربعة و"المريض الانكليزي" و"كنز دمشق" و"من أجل عيون دانماركية". من أجمل ما في الإستعراض لوحات الزفاف التقليدي التي تشمل "الفتول" و"التصديرة" أي جلوس العروس وسط الحضور فهي تتصدره و"الحجابة" أي حجب وجهها، ولوحة وصول العريس ممتطياً صهوة جواد و"صباح العروس". كذلك قدم المهرجان صوراً جميلة من الاحتفالات السنوية بعاشوراء وحفلات الختان. أما موسم جمع محاصيل التمور الذي يتزامن مع المهرجان فانطلق بمباراة بين الشباب لتسلق أشجار النخيل، وشارك السياح الأوروبيون في مباراة التسلق من دون حظوظ للفوز والتغلّب على الشباب المحليين المتمرسين على هذا النوع من الألعاب. لكن أحد السياح أبدى إعجابه الخاص بالرحلة الليلية في شوارع واحة توزر إذ جابت قافلة من العربات المحملة بالسياح والتي تجرها الخيول الممرات الضيقة العتيقة والشوارع الحديثة إنطلاقا من ساحة "البركة" التي تحمل اسم الجغرافي ابن شباط والذي كان أول من وزع مياه الواحة بين السكان في القرون الماضية إلى ساحة في الطرف الآخر تسمى "ساحة الطوارق". هناك ينزل السائح من العربة ليتابع سباق الفرسان وعروضاً للفرق الصوفية والجماعات الطرقية إضافة لفرق فولكلورية أتت من الجزائر ومصر وفرنسا وروسيا وليبيا. أطباق محلية في ختام يوم مليء بالنشاط جلس السياح أرضاً في ساحة فسيحة وتناولوا العشاء في ضوء كومة من أعذاق النخل الجاف المشتعل تذوقوا أطباق أهل المنطقة وبينها "المطلوعة" و"البركوكش" و"المطبقة" و"الفول المدمس" والتمر مع الحليب. في اليوم الثاني كان البرنامج أكثر هدوءاً إذ اشتمل على معارض للفن التشكيلي ومعرض تجاري ومعرض ثالث للمشغولات التقليدية ورابع للملبوسات المحلية التقليدية وفي مقدمها العباءات النسائية والجبة الرجالية والقفطان والأقمصة. كذلك اهتم المشاركون العرب في المهرجان بالمحاضرات التي ألقيت حول أعلام توزر أمثال ابن شباط والشاعر أبو القاسم الشابي والشقراطسي وابن كردبوس. في اليوم الثالث أظهر السياح إقبالاً شديداً على زيارة القرى التاريخية المحيطة بالواحات والتي يعود إنشاؤها إلى فترة ما قبل الفتح الإسلامي وأحياناً إلى ما قبل الحقبة الرومانية، ومن تلك القرى واحة تمغزة الجبلية التي تتميز بتدفق المياه الطبيعية في أرجائها والتي تحظى بشهرة كبيرة لدى السياح الغربيين لا سيما الفرنسيين وكذلك واحات الشبيكة وميداس وعين الكرمة. وفي كل مرة تجتاز السيارات والباصات مناطق قاحلة تدل على شح الطبيعة وقسوة المناخ لتقود راكبيها لاحقاً إلى واحة غناء تتفجر المياه في ثنايا غاباتها ذات النخل الباسق. وتوقف السياح في منطقة "عنق الجمل" ليلتقطوا صوراً تذكارية من المكان الفريد الذي اختاره مخرجون عالميون ليصوروا فيه مشاهد من أفلامهم أدتها ممثلات شهيرات مثل فاليري كابريسكي بطلة فيلم "كنز دمشق". في يوم الاختتام تابع الحضور عرضاً للأزياء جمع بين التقليدي والحديث ثم جرت مسابقة لاختيار "ملكة جمال الواحة". وفيما كان بعض السياح يستقلون الطائرة في اليوم التالي للعودة إلى بلدهم أو الانتقال إلى منطقة سياحية أخرى في تونس، خلدت الأكثرية إلى الراحة بعدما هدأت المدينة وعادوا ليستمتعوا بمفاتن الواحة وكأنها غدت ملكاً لهم وحدهم.