ككل بداية عام جديد تستقبل واحات الجنوب التونسي عشرات الآلاف من السياح الاوروبيين الذين يلجأون الى افياء نخيلها هرباً من القر والعواصف في بلدانهم. لكن اهل الواحات اعتادوا على ان يستقبلوا الزوار بالمهرجانات والطبول والاشعار. واستقطب مهرجانا "الواحات" في مدينة توزر و"الصحراء" في دوز على تخوم الصحراء التونسية اعداداً كبيرة من السياح الذين اكتشفوا عالماً غرائبياً وجالوا في تجاويف الحياة اليومية لاهالي القرى والقبائل الذين ما زالوا يفخرون بتقاليد الفروسية. تحولت الساحة الكبيرة في دوز الى ما يشبه ساحة حرب انتهى فيها القتال للتو، فآثار العربات والاقدام واكياس المأكولات تنتشر في كل مكان على كثبان الرمل التي تحملت 150 ألف سائح على مدى ثلاثة ايام. كثير من الزوار الاوروبيين اعتادوا على المجيء الى هنا في اجازة آخر السنة لمتابعة فعاليات المهرجان، لكن غالبية الزوار قالوا انهم اتوا للمرة الاولى وانهم يرغبون في الاستمتاع بهدوء المناخ في الشتاء والتعرف على تقاليد سكان الصحراء. واضافة الى السياح استقطب المهرجان هذا العام الفي ضيف من الشخصيات الثقافية والفنانين والاعلاميين من ايطاليا وفرنسا وبلجيكا والبرتغال وسويسرا والمانيا والنمسا وبلدان اخرى. وشارك كثير منهم في ندوة علمية اقيمت على هامش المهرجان حول موضوع "الصحراء صلة وصل بين الشعوب والثقافات". مأثورات شعبية وتقاليد ويمكن القول ان المهرجان اعطى صورة منوعة عن ثقافات الشعوب الصحراوية، اذ قدمت فرق الفنون الشعبية في كل من الجزائر والامارات وتونس وليبيا والسعودية والكويت والسودان ومصر الواناً مختلفة من التقاليد والمأثورات الشعبية في المناطق المتاخمة للصحراء من خلال عروض فولكلورية جميلة. وكان اعضاء الفرق يرتدون ازياء تعكس انواع اللباس التقليدي المنتشرة في بلدانهم. وشارك متبارون من بلدان عربية واوروبية عدة في السباقات الثلاثة التي اقيمت في اطار المهرجان وشملت سباق الخيول التقليدي 100 كيلومتر على مراحل والماراثون الدولي الثالث للجمال، اضافة الى سباق آخر للمهاري 42 كيلومتراً. واقميت في "ساحة حنيش" الساحة الرئيسية في دوز فعاليات مختلفة استقطبت اهتمام السياح بينها لوحة الصيد بواسطة الكلاب المدربة والتي تسمى هنا "السلوقي" وكذلك صراع الثيران الذي يطلق عليه اهل المدينة اسم "عراك الفحول"، وعرض "الوراقة" الذي يستعيد تقاليد الزفاف الصحراوي بما يرافقه من العاب فولكلورية مميزة على وقع الطبول وانغام الناي. ولوحظ ان السياح الاوروبيين تابعوا باهتمام لوحات الزفاف التقليدي المختلفة التي عكست عادات تنتمي لثقافة بعيدة عن مجتمعاتهم. والى جانب حفلة الزفاف التقليدية شدت انتباه الاوروبيين ايضاً رقصات الخيول ورقصة المهاري التي يتم تدريب النوق والابل عليها سلفاً على رغم كونها معروفة بصعوبة ترويضها. قرية تراثية وغير بعيد عن "ساحة حنيش" اقيمت قرية تراثية ضمت عدداً كبيراً من الورشات التي اختزلت الصناعات التقليدية الصحراوية مثل المنسوجات والمصنوعات الجلدية والتي تستمد مادتها الاولى من جلود الابل والماعز، اضافة الى اصناف مختلفة من المشغولات التقليدية التي تعتمد على سعف النخيل. ومن هناك انتقل السياح الى متحف "غوط الغزال" حيث اقيم نموذج متكامل للقرية الصحراوية التقليدية التي تسمى "الدوار"، وهي تشتمل على مكونات الحياة اليومية والادوات التي يستخدمها سكان المنطقة منذ آلاف السنين. لكن المهرجان لم ينس الحاضر فللمرة الاولى منذ انطلاقه اقيم على الهامش معرض للفنون التشكيلية بمشاركة سبعة رسامين تونسيين معروفين، اضافة الى معرض للنباتات الطبية الصحراوية اقامه طبيب متخصص في هذا المجال. رحلات الى قلب الصحراء واستعادت الندوة العلمية التي اقيمت على هامش المهرجان المركز التاريخي لمدينة دوز بوصفها كانت في قلب شرايين النقل الصحراوية قبل انشاء الرومان "طريق الصحراء" الشهير. واثبت الباحثون ان منطقة "نفزاوة" التي تقع فيها دوز كانت بوابة الصحراء. وركزوا على دحض الفكرة القائلة بأن الصحراء كانت حاجزاً بين افريقيا البيضاء وافريقيا السمراء، اذ اثبت خمسة عشر محاضراً شاركوا في الندوة ان الصحراء الكبرى شكلت جسراً للتواصل بين ثقافات ومجتمعات وحضارات شمالية وجنوبية مختلفة. واتاحت الجولات خارج دوز على متون السيارات رباعية الدفع وبين بحار الكثبان الاطلاح على حقيقة الحياة الصحراوية، اذ ارتدى السياح جلابيب الصحراويين واعتمروا غطاء الرأس واستسلموا للادلة الذين يعرفون المسالك الخفية في عمق الصحراء. رؤساء نجوم وبعد ايام من مهرجان الصحراء انطلقت في توزر التي تبعد عن دوز نحو مئة كيلومتر فعاليات "مهرجان الواحات" الذي استقطب فئات اخرى من السياح. وتعتبر المدينة اهم مركز عمراني عريق في منطقة الواحات التونسية وهي مقصد لكثير من السياسيين ونجوم السينما والغناء العالميين، الذين يأتون اليها لتمضية اجازاتهم الشتوية خصوصاً اعياد الميلاد ورأس السنة وفي مقدمهم الرئيس جاك شيراك وسلفه ميتران ورؤساء ايطاليون كثر. واشتمل برنامج المهرجان على حفلات تقليدية وزيارات معالم تعكس الحياة الخصوصية لاهالي الواحات وعاداتهم الاجتماعية واهمها ما يدور حول جمع محاصيل التمور والطقوس المحيطة بها. ومن ميزات توزر انها تشتمل على بنية اساسية حديثة من الفنادق الفخمة من فئتي 4 و 5 نجوم، وهي تشكل نوعاً من الحزام الذي يزنر الواحة ما يتيح للسياح الانطلاق الى قلب غابات النخيل وتمضية يومهم بين احضان الطبيعة في مناخ معتدل ينسيهم قسوة الطقس المتجهم في مدنهم الاوروبية. وتوقع مسؤولون سياحيون ان يساعد افتتاح رحلتين اسبوعيتين بين مطاري توزر وباريس قريباً على تنشيط اقبال السياح على زيارة توزر بعد فترة ركود استمرت منذ احداث العام 2001. وفي هذا الاطار نظمت رحلات لمسؤولين عن مكاتب سياحية اوروبية الى توزر اخيراً لاطلاعهم على ميزات الواحة ومحيطها الطبيعي الذي يشتمل على محميات وواحات وجبال ومناطق اثرية وطرقات تؤدي الى الصحراء الكبرى.