تشكل الواحات الجنوبية المقصد المفضل للسياح في تونس طيلة فصل الخريف، فما أن يزحف البرد على المدن الساحلية خصوصاً في الشمال حتى تتحرك مجموعات السياح جنوباً لتتفيأ ظلال النخل العالي وتجول على أسواق المشغولات التقليدية وتركب الابل والخيل في جولة استكشافية لأسرار الصحراء المترامية خارج الواحات. ينزل السائح في مطار واحة نفطة الدولي فتستقبله ألوان ومشاهد لم يألفها تعكس عمارة المنطقة وطابعها المتأثر بمناخ الصحراء، وسرعان ما يرتحل من سفر الى سفر فيزور التاريخ من خلال أسواق المصنوعات البدوية والمتحف الصحراوي الذي يعيده الى حياة القبائل العربية. من نفطة ينتقل السياح الى واحة توزر المجاورة التي ألهمت شاعر تونس أبا القاسم الشابي أجمل قصائده، واللافت في الواحة أنها باتت تملك بنية فندقية حديثة تتوافر فيها جميع المرافق. ويقع في توزر كذلك متحف تاريخي فريد مندمج مع فندق راق هو "دار شريّط" الذي كان قصرا فخما لأحد الأعيان وجرت تهيئته وتوسعته ليستوعب كبار الزوار والسياح. ويحرص جميع الرؤساء ونجوم السينما والفن الذين يزورون تونس على الذهاب الى متحف "دار شريط" لأنه يضم نفائس الآثار والمشغولات القديمة خصوصاً الصحراوية، وهو يعكس نمط العمارة العربية الأصيلة بنقوشها وزركشاتها التي تكسو الحيطان مهابة وبهاء ونوافذها ومشربياتها التي تطل على غابة النخيل، وهو الى ذلك متحف حقيقي يحافظ على تراث حضارة الصحراء ويكشف للزوار أسراراً لم يكونوا يتوقعونها عن ثرائه وجماله. ويتكامل مع "دار شريط" سوق توزر العربي الذي يقع في وسط المدينة ويضم كنوزا من الأزياء والأغطية والأواني والسجاد والمصنوعات التقليدية المختلفة التي تعكس نمط الحياة اليومية في الواحات والمناطق الصحراوية، وتنقل السائح الى الحياة البسيطة التي يفقدها الأوروبيون في مجتمعاتهم والتي تضفي على البيت بهاء وسحرا خفيين. وعلى رغم ان منطقة الواحات تعبق برائحة التراث وتنقل الزائر الى مجتمع حريص على أصالته وطابعه المميز، خصوصاً في مدينتي توزر ونفطة بأبنيتهما الفخمة وأزياء أهلهما التقليدية، فإن السياحة شجعت على انشاء بنية أساسية متطورة فانتشرت الفنادق والمطاعم الحديثة في المدينتين لاستيعاب تدفق السياح بأعداد كبيرة، وصارت وكالات السفر تسيّر رحلات مباشرة من كبريات المدن والعواصم الأوروبية الى مطار نفطة. وخضعت الطرق بين الواحات لأعمال تطوير وتوسعة شاملة حتى لا يبقى السائح في مدينة واحدة، فهو يزور "حديقة الحيوانات الصحراوية" القريبة من توزر والتي تشمل على أصناف نادرة جداً من الغزلان والذئاب والطيور والزواحف التي تعيش في الصحراء أو في تخومها. كذلك لا يستطيع زائر الواحات ألا يتابع مشواره الى قرية "الشبيكة" البربرية العتيقة التي اجتذبت كتاباً ومثقفين كثيرين وسحرتهم الى حد أن بعضهم ألف كتباً عنها صنعت شهرتها في الغرب. وميزة هذه القرية المرتفعة والتي تحصن فيها البربر بعد الفتح الاسلامي قبل أن يتعربوا بدورهم أن كل شيء فيها نابع من صفاء الطبيعة فمياهها العذبة المتدفقة من العيون الجبلية بلسم للأمراض، وبيوتها الصامدة في وجه الزمن محافظة على بصمتها القديمة وطابعها التاريخي الساحر، وحياة أهلها ملتزمة بساطتهم الأسطورية التي لم تلوثها الحداثة الوافدة. انها متحف آخر لكن بحجم قرية. وهي مستودع للذاكرة والتاريخ إلا أنها غير جامدة ولا شيء فيها محنط لأنها تنبض بالحياة وبالدفء المتدفق في شرايينها. وعندما يهم السياح بمغادرة "الشبيكة" تراهم يبحثون عن أي مبرر للمكوث فيها وقتاً أطول والاستزادة من سحرها وبهائها المعروك بأيادي الأسلاف وعبق التاريخ. في ضواحي توزر ونفطة يستلطف الزوار مناخ الغابة فيسرحون في جولات حرة تكسر قيود المقرر والمبرمج تحت غابات النخيل المتعالي وبين أحضان الخضرة المترامية والتي تغذيها المياه المتدفقة. إلا أن الواحات لا تقتصر على نفطة وتوزر وجوارهما، ففي محافظة قبلي القريبة تنتشر الواحات الغنّاء التي تنتج أفضل أصناف التمور التونسية. وتحتضن واحة دوز التي تبعد 20 كلم عن قبلي مهرجان الصحراء السنوي الذي يجتذب أعداداً كبيرة من السياح ويقدم أصنافاً مختلفة من الفولكلور الصحراوي في ساحة المدينة التي تمتلئ بالخيام. ويحتوي مهرجان الصحراء الذي يقام في كانون الأول ديسمبر من كل سنة على ألعاب فروسية وصراع جمال ورقصات فولكلورية وسباق خيول ومآدب جماعية تحت الخيام وأنشطة ثقافية منوعة. واهتدى التونسيون الى صنف جديد من الرياضة يعشقه السياح الأوروبيون هو سباق الألواح الشراعية فوق "شط الجريد" الممتد بين واحتي نفطة وتوزر غرباً وواحتي دوز وقبلي شرقاً وهو سباق فوق كثبان الرمل. وبسبب كثافة السياح الذين يزورون المنطقة والذين قدرت أعدادهم ب750 ألف سائح السنة الماضية، أنشئت خطوط مباشرة جديدة بين مطار الواحات وكل من روما وميونيخ وليون اضافة للرحلات المباشرة السابقة. وسجلت أعداد السياح السويسريين ارتفاعاً لافتاً نسبته 50 في المئة اذ زادت الى 30 ألف سائح زاروا المنطقة السنة الماضية. وتستضيف واحة توزر والواحات الأخرى ألعاباً ومباريات مختلفة تستقطب فئات متنوعة من السياح، بينها سباق السيارات العتيقة ورالي تونس للدراجات النارية والسباق الدولي للماراثون ورالي تونس للسيارات الذي شارك في دورته الأخيرة 1500 متبار وبطولة العالم للتزلج على الرمال.