أنشأ كريم مروة مقالاً في "الحياة" عنوانه: "الشرعية الدولية تتدخل نتيجة وجود انظمة استبدادية" عدد 8/10/1004 أنحى فيه باللائمة على سورية وعلى الحكم اللبناني اللذين اعطيا ما سمّاه بالشرعية الدولية الذريعة لوضعنا خارجها من خلال القرار 1559 متسائلاً عن السبب الذي وصل فيه الأمر ببلداننا العربية الى الوضع الذي تحوّل فيه مجلس الأمن من مرجعية لنا الى مركز لاتخاذ القرارات الموجهة ضدنا؟ واعتبر مروة ان المسألة هي عندنا، لبنان والأقطار العربية الأخرى ذات انظمة الحكم الاستبدادية التي تستدرج الموقف المعادي لنا من الديموقراطية الأميركية؟ بالنسبة الى لبنان فإن تعديل الدستور للتمديد للرئيس لحود، فقد صدر عن مجلس نيابي اتى "معظم اعضائه بما يشبه التعيين، محكوم بقرار من خارجه، يوجهه في الاتجاه الذي يريد صاحب القرار ان يسير فيه - سورية - معتبراً في صورة تلقائية بأنه ناقد إرادته وسيادته وقراره المستقل"، مطالباً سورية بأن تسحب قواتها من لبنان الخ... في ردنا على مروة ولا نعرف ما اذا كان لا يزال يقبل بأن ينعت ب"الرفيق" فالقضية ملتبسة وينبغي عليه هو إزالة الالتباس نقول إننا نعتبر ما جرى بالنسبة الى التعديل مخالفاً لروح الدستور وللمبادئ القانونية العامة التي تنص بين ما تنص على عمومية الأحكام القانونية كلها، العادية، ومن باب اولى الدستورية، وعدم جواز إصدار نص تشريعي وحتى إداري يعالج حال شخص بعينه بما يتعارض مع الحال العامة. بهذا المعنى فإن النظر الى الدستور بما يتعارض مع حرفية النصوص والوصول الى الروح والمبادئ العامة هو شيء صحيح تماماً لكن اللافت لدى مروة هو انه اذ يتطرق الى التعديل من هذه الزاوية، بل ومن زاوية ابعد تتعلق بشرعية السلطات النائمة لا سيما المجلس النيابي ويعتبر ان ما حصل يستدعي الكثير من البحث والتفكير يعود في ما يتعلق بالقرار الرقم 1559 وينكفئ الفكر والبحث لديه عن نقد شرعية القرار هذا متبرعاً بإضفاء هذه الصفة على قرار يشكل سابقة تاريخية خطيرة، مناقضة ليس فقط لروح شرعة الأممالمتحدة بل وأيضاً لنصوص ميثاقها. ان النصوص المتعلقة باحترام سيادة الدول الأعضاء وعدم التدخل في شؤونها الداخلية والواردة في الشرعة اشهر من ان تذكر. وتتعامل الولاياتالمتحدة، وخصوصاً بعد انتهاء الحرب الباردة مع المنظمة الدولية تعامل السيد مع العبد فهي تحاول من جهة ان تغطي تصرفاتها بالمنظمة كلما اتيح لها الأمر، ولكنها تضرب بها عرض الحائط كلما اقتضت مصالحها ذلك وفقاً للعقيدة العسكرية السائدة حالياً على قاعدة "استراتيجية الزمن القومي للولايات المتحدة" التي أقرّت عام 2002 والتي تقوم اساساً على مبدأين: الضربات الوقائية والحروب الاستباقية بمعزل عن الأممالمتحدة وحتى عن حلفاء واشنطن في حلف شمال الأطلسي، فيما تعتبره حربها العالمية الرابعة بعد انتصارها في الثالثة الحرب الباردة. ولعل من المفيد هنا لكي نأخذ فكرة عن الطريقة التي تتعامل بها واشنطن مع المنظمة الدولية ان نعود الى ما أورده الأمين العام السابق الدكتور بطرس بطرس غالي في مقابلة صحافية اجراها مع مجلة "ريفوردي - ليبان" العدد 3949- 17/5/2004 والذي قال فيه ان الأميركيين لم يكونوا منذ البداية مع انتخابه وهم لم يصوتوا له لكونه نصيراً للقضية الفلسطينية، وأنه كان يسعى قدر استطاعته لمساعدة ليبيا والشعب العراقي ولأنهم لا يريدون اميناً عاماً ينتسب الى منطقة الشرق الأوسط، وبكلمة لا يريدون عربياً. ويستطرد الدكتور غالي للقول إن "مسألة قانا" هي التي فجّرت الوضع بينه وبين الأميركيين: "فقد أقدمت القوات الإسرائيلية على قصف معسكر للأمم المتحدة حيث لجأت 120 عائلة لبنانية شيعية مؤلفة اساساً من النساء والأطفال الذين لاقوا حتفهم جميعاً، ومن دون ان أنتظر موافقة مجلس الأمن - يتابع د.غالي قائلاً - ارسلت بعثة مدلياً بأن الموضوع يشكل اعتداء على الأممالمتحدة ولست بحاجة الى موافقة مسبقة! وعاين المكان جنرال بلجيكي وآخر هولندي واكتشفا ان المسألة متعمدة: فقد كانت القذائف قنابل انشطارية...". لن نطيل في هذا الاستشهاد على رغم اهميته فإن د.غالي يتحدث ايضاً عن التهديدات وأساليب الشانتاج التي مورست بحقه مؤكداً ان الأميركيين لا يقبلون بأي شخص يكون معهم بنسبة 90 في المئة، وأورد ما جرى بينه وبين وارن كريستوفر وزير الخارجية الأميركي ومادلين اولبرايت عندما توجه إليهما قائلاً: عليكم ان تقبلوا من جانبي، من وقت الى آخر، ان أعبر عن وجهة نظر مخالفة لأنكم في هذه الحال تعطون المزيد من الصدقية للأمم المتحدة. فنظر إليّ الاثنان وكأنهما ينظران الى مجنون، قائلين: "ماذا؟ وجهة نظر مختلفة؟... وفي حين يعتبر الأستاذ مروة ان القرار العربي اتخذه مجلس الأمن بالأكثرية، ومع امتناع اعضاء دائمين، وبصورة مناقضة للشرعة، ثالثة الأثافي ونهاية الدنيا بالنسبة الى موقف "الشرعية الدولية" منا، فإنه يتناسى ان الشرعية الدولية الحقة التي تقف واشنطن خارجها غير قادرة على تنفيذ اكثر من 60 قراراً حول القضية الفلسطينية وسائر قضايا العدوان الإسرائيلي ضد العرب. بل ولعل من المفيد التذكير بأن الولاياتالمتحدة حامية الشرعية الدولية قد أقدمت بعد اسبوع تقريباً من اتخاذ القرار الرقم 1559 على استخدام حق النقض بوجه قرار إجماعي اتخذه مجلس الأمن حول وضع السكان المدنيين الفلسطينيين في غزة. في أزمنة الهزائم والتراجعات يتخذ المرء احد موقفين: إما ان يراجع تجربته لكي يستمر في المقاومة للوصول الى الهدف نفسه وفي مواجهة الخصم نفسه. وإما ان يلجأ الى "المازوشية" اي لطم الذات ومعاقبتها، وهو امر يوصل لا محالة الى الاستسلام او تدمير الذات بحسب قول فرويد. وإذا كان من حق الأممالمتحدة التدخل في الشؤون الداخلية للغير، وخصوصاً انتخابات رئاسة الدولة، فما الرأي حول تدخلها في الانتخابات التي "انتصر" فيها الرئيس بوش بعد تأجيل إعلان النتائج لمدة اسبوع الى ان أصدرت إحدى المحاكم النتائج التي يوجد شبه اجماع في الأوساط الديموقراطية الأميركية والدولية في انها "مزورة"؟ وأخيراً، فلن نناقش ما اذا كانت السلطات الدستورية اللبنانية شرعية ام غير شرعية، ولكن نزعم بأننا لو كنا من بين الذين انعمت عليهم تلك السلطات بشيء لكنا اعدناه إليها غير شاكرين. * كاتب ومحام لبناني.