في اسطوانته"طرق نحوك"رودز تو يو الصادرة اخيراً، يقدم المؤلف الموسيقي الأردني وعازف البيانو زيد ديراني مزيجاً غريباً من الألحان. فثمة"موسيقى العصر الحديث"او"نيو ايج ميوزيك"الى جانب الألحان اللاتينية وبعض الجمل الموسيقية العربية، وبدت"الخفة"التي ميزت موسيقى ديراني المقيم منذ سنوات في الولاياتالمتحدة، مخيبة لتوقعات كانت توحي بأنه سيقدم الكثير، لا سيما ان مقارباته الأولى للموسيقى الجادة تأليفاً وعزفاً على البيانو منذ حفلته في عمّان العام 7991"من جوف شرق ازلي"، كانت تعد بمشروع حقيقي لمؤلف موسيقي عربي شاب قادر على اقامة اتصال مع الآخر، ومشغول بنقل"هويته الثقافية"الى ذائقات تمتد من اميركا بلد ديزي غليسبي حيث درس التأليف وقيادة الأوركسترا، وصولاً الى اليابان مروراً بأوروبا. وكان زيد ديراني قدّم، من خلال عرضين موسيقيين ناجحين في العاصمة الأردنية هما:"من جوف شرق ازلي"و"أحلام القلعة"، مزاوجة ذكية ما بين المرجعيات شرقية وعربية وبين الاطار الغربي من خلال الاوركسترا التي تضم آلات موسيقية عربية. وامتداداً مع هذا الاتجاه في عمل ديراني احيا في واشنطن فقرة ضمن مهرجان"انا العربي"المخصص للمبدعين العرب في الولاياتالمتحدة، وفيها قدم ثلاث مقطوعات على البيانو المنفرد، تحمل اسمه كمؤلف، ويسعى عبرها الى تأكيد قدرته كعربي على مخاطبة الجمهور الاميركي، لا سيما ان شبكة NBC التلفزيونية نقلت الحدث... وجاء اختياره مقطوعة"مملكة السلام"محاولة لتشكيل انطباع مغاير عما هو سائد في الغرب عن صورة العربي والمسلم، وهي صورة نمطية لا تتجاوز كليشيهات ال"ارهابي"او ال"متطرف". فموسيقى زيد ديراني ونسيج فكرتها، يذهبان الى مهمة تشتيت هذه"الصورة النمطية"، ويعلن فيها انفتاحه على الحياة ورغبته في اقامة حياة هادئة ومستقرة وآمنة. أسباب انتاجية ويبدو ان اتصالاً مستمراً مع ذائقة تميل نحو الموسيقى الخفيفة"لايت ميوزيك"، ولأسباب انتاجية، اسهم في تحول ديراني من ذلك العازف والمؤلف المشغول في صوغ"رؤية جدية عن هويته الثقافية العربية ضمن قوالب الموسيقى الغربية"، الى تقديم الحان لأغان لا جديد بارزاً فيها وإن تنوعت ما بين"التانغو"و"سانتيمنتال"هادئ... اضافة الى الايقاعات العربية. واذا كانت مقطوعات مثل"بدايات جديدة"التي افتتحت الأسطوانة و"مملكة السلام"التي ختمتها، استدعت وجود اوركسترا سيمفونية محترفة أوركسترا براغ الفيلهارمونية وكورالها، فان خفة الحان مثل"توا إي موا"، و"انت"و"خلف ابواب موصدة"لا تستدعي وجود مثل هذه الأوركسترا التي جاءت مع تلك المقطوعات بصفتها استعراضاً ضخماً حاول اخفاء ضآلة المحتوى. أما المقطوعة التي منحت الأسطوانة عنوانها"طرق نحوك"، ومقطوعة"تانغو"، فقد حفلتا ببراعة في التأليف، وبدا من خلالهما ديراني محتفياً بتأثيرات نغمية من المتوسط وأميركا اللاتينية. كما يلفت العزف على البيانو، إذ يعكس روحية تحيط التكنيك بقدرة لافتة على التأثير في المستمع. ويظهر زيد ديراني جوانيته العربية والشرقية التي أهملها من دون مبرر في اسطوانته، وبالكاد تذكرها في مقطوعة يتيمة"انا وياسمين"، وساهمت براعته في التوزيع في الكشف عن انتمائه لمحيطه الروحي والمكاني، فجاءت انغام القانون والناي والعود، ضمن ميلودي يحتفي بالروح واشراقتها، يخلي هدوءه للحن ايقاعي رشيق في نسيج من"هارمونية"الشكل الغربي و"ميلودية"اللحن الشرقي. وفي مقطوعة"مملكة السلام"التي كان قال عنها ديراني"انها عن بلادنا ومملكتنا"الأردن جاء اللحن طليقاً يورث الفرح كأنه يعكس رغبة جامحة للحياة على رغم الصعوبات والآلام، والكورال هنا كان يعطي الاحساس بالقوة وبالاعتداد بالنفس وكانت اصابع ديراني على البيانو توقع انغاماً تحتفي بالآمان الذي يحمله السلام للنفس البشرية، ثم يتداخل البيانو والاوركسترا والكورال معاً ليتصاعد نشيد جهير للأمل. موسيقى خفيفة من مؤلف كان واعداً:"مملكة السلام"تقع في فخ الموسيقى الخفيفة