لم يكن القائمون على المسلسل السعودي الشهير "طاش ما طاش"، ليتصوروا أن برنامجهم الرمضاني سيلقى هذه الشهرة الباهرة، فبالنسبة إلى مجتمع يفتقر إلى أكاديميات تمثيل وإخراج تلفزيوني ومسرحي، ويعاني غياب المرأة عن المجال الفني بسبب خصوصية المجتمع، يعد من الصعب حتى على أبناء المجتمع نفسه أن يتصوروا أعمالاً تلفزيونية سعودية ناجحة. هذا المجتمع فضل لعقود عدة متابعة الأعمال التلفزيونية المصرية، وحتى مع سيطرة المسلسلات والبرامج الخليجية في السنوات الأخيرة، ربما لأنها تلامس مشكلاتهم، لا تزال الأعمال السعودية تحتل المرتبة الثالثة أو الرابعة في أجندة ما يتابعون. "طاش ما طاش" لفت انتباه وسائل إعلامية عربية وعالمية اعتبرته يدعو إلى التغيير ويثير الجدل في المجتمع السعودي المحافظ. ومن هذه الوسائل صحف محلية عربية في مصر ولبنان والأردن وغيرها، إضافة إلى صحيفة "لوموند ديبلوماتيك" الفرنسية التي أعدت تقريراً مفصلاً عن البرنامج. وتحدثت عن بطلي المسلسل اللذين "لم يحلما بهذا النجاح، إذ بدآ مسيرتهما من خلال مسرح جامعة الملك سعود، حيث تخصصا في مجال الزراعة"، قبل أن يولد مسلسل "طاش ما طاش" في 1993، ويبدأ معه تاريخ من النقد التلفزيوني للتقاليد والعادات الاجتماعية، والإجراءات الإدارية في الدوائر الحكومية. واللافت أن كل هذه القنوات، غير المحلية، لم تتناول المسلسل من الجانب التقني والفني، وتجاهلت الضعف على مستويات التمثيل والكتابة والإخراج. "إضاءات" و"طاش" في حلقة "استثنائية" من برنامج "إضاءات"، بحسب ما وصفها مقدم البرنامج تركي الدخيل، استضاف الأخير في برنامجه الذي يعرض على قناة "العربية"، بطلي "طاش ما طاش" ومنتجيه، عبدالله السدحان وناصر القصبي، مخالفاً عادة البرنامج استضافة ضيف واحد فقط. الدخيل تجاوز كل الحلقات والمحاور التي يمكن أن تثار في شأن "طاش" وركز على حلقتين تناولتا المتطرفين في المجتمع، ربما بحثاً عن الاثارة التي قد تخدم برنامجه. وفي الوقت الذي كان يقاضي السدحان والقصبي وبرنامجهما، وبدأ كأنه يتهمهما بالتحيز، لعب دور المحامي عن شريحة تظن أن "طاش" يستهدفها دون فئات المجتمع الأخرى. بالطبع لا يمكن إغفال إشارته إلى ما سماه إقصاء من جانب السدحان والقصبي لفنانين شاركوا في أول أجزاء "طاش" وغابوا عن جزئه الأخير، إضافة إلى اثارة موضوع شخصية فؤاد التي أغضبت البعض لكونها بحسب رأيهم: "عصبية مقيتة يمارسها القصبي في مسلسله ضدهم، إذ يظهر فؤاد دائماً ذلك الرجل الغبي والمسير من زوجته". القصبي دافع مشيراً إلى أنه يعتبر "شخصية فؤاد من أهم شخصيات البرنامج، وتحتمل الكثير، كما أن أولئك الذين يرفضون هذه الشخصية يدللون إلى عصبيتهم، وأفقهم الضيق". الحوار الذي دار في البرنامج، كان أجرأ مما طرح في "طاش"، وبدا كأنه واحد من حلقاته، إذ لعب السدحان الذي تكلم أكثر بكثير من القصبي، دور الديبلوماسي محاولاً أن يكون أقل حدة، في حين تحدث القصبي بصراحة وعبر عن رأيه في وضوح تام، إذ قال: "النقد الموجه حالياً يصدر من فئة محددة تلبس لباس التدين، ممن يمكن أن يخطئوا، والمشكلة تكمن في إضفائهم هالة من التقديس على أنفسهم". القصبي انتقد الهجوم الموجه إليهما والذي يبديهما "كأنما نقدم أعمالاً فيها عري!" مشدداً على رفضه المطلق للمصادرة والإقصاء. الحلقة في مجملها كانت جيدة وإن عيب على الدخيل بعض الأسئلة التي أظهرته غير متابع للبرنامج، وحاولت اظهار "طاش" مهاجماً للتدين والمتدينين، كسؤاله: "لمَ لم تهاجموا الليبراليين كهجومكم على المتدينين؟" في الوقت الذي كانت الحلقات التي تكلم عنها الدخيل لا تتجاوز الحلقتين هذا العام - من 22 حلقة، وهي "واتعليماه" و"ستبقى الحياة"، مع العلم أن الأخيرة كانت تناقش الهجمات الارهابية التي تقوم بها "الفئة الضالة" في السعودية، في حين أن "واتعليماه" لم تنتقد المتدينين بل المتطرفين وبدت موضوعية إلى حد مقبول، خصوصاً أنها أظهرت المتدينين المعتدلين في صورة جيدة جداً وكانت في صفهم. ولعل ما كان مستغرباً، تلك الثقة التي تحدث فيها السدحان داعياً الجهات التي تنشط في مهاجمة المسلسل و"تصرف أموالاً كبيرة لهذا الغرض" ! إلى تنظيم جهودها، وإنتاج مسلسل منافس. إضافة إلى جزمه - السدحان - بأن "برنامجه ناجح، والدليل على ذلك النقد الكثيف الموجه إليه!". "طاش" الخليجي بعيداً من حلقة "إضاءات"، شارك في حلقات "طاش" لهذا العام للمرة الأولى في شكل ملحوظ، ممثلون من الخليج مثل حسن البلام ولمياء طارق ومريم الصالح، إضافة إلى شعبان عبدالرحيم وغيره من مصر. وكان البرنامج في أجزائه الفائتة، يرتكز في شكل رئيس على ممثلين سعوديين من مختلف مناطق المملكة. "طاش" لم يعد حكراً على الممثل والجمهور السعودي، حتى لو سلمنا أن القنوات الفضائية الأخرى تعرضه بهدف استقطاب هذا الجمهور، فهو بغض النظر عن قيمته الفنية التي لا يزال نقاد محليون يهاجمونها، وعلى رغم محاربة المتشددين وبعض المتعصبين له، واعتقاد البعض أن أفكاره مكررة ومستهلكة، فإنه حقق شهرة على نطاق عربي واسع. ربما يكون سبب هذه الشهرة، الهجوم عليه وتحديداً من أولئك الذين يظنون أنه يمسهم في شكل رئيس، إذ ان هذا الهجوم أسهم في اهتمام قنوات الإعلام كبرنامج "إضاءات" وغيره و"لوموند" الفرنسية ومعظم الصحف العربية وليس المحلية فقط، خصوصاً بعد تردد أخبار التهديدات التي توجه إلى القائمين على العمل. كل ذلك ربما يقود إلى تساؤل مشروع، إذا ما تجاوزنا استحقاق البرنامج لهذه الهالة الإعلامية التي تثار في شأنه من عدمه. هل يتحول "طاش" من برنامج محلي على مستوى طرح القضايا إلى خليجي أو عربي في السنوات المقبلة؟ وفي هذه الحال هل سيعاود السدحان والقصبي مشروع استقبال أفكار الحلقات من الدول الأخرى؟ أم أن الحمل سيكون أكبر بكثير منهما ومؤسستهما المحلية؟ بالتأكيد سيتعرض البرنامج لانتقادات أكثر وهجوم أوسع مع توسع دائرة المهتمين به، وربما يخسر الكثير من جمهوره المحلي على حساب جمهور آخر أكثر إدراكاً ووعياً لما سيقدم ويطرح، إضافة إلى أن القصبي قال ل"الحياة" في حوار سابق: "طاش برنامج يمس شريحة معينة من المجتمع في قالب بسيط جداً، ولا يعني ذلك السطحية، لكننا نحاول قدر الإمكان البحث عن القاسم المشترك بين اكبر شريحة ممكنة من الجمهور المحلي، ولم يكن هدفنا من قبل ان نصل الى صيغة فنية ترضي المثقفين والنخبويين في العالم العربي او سواه. فنحن نقدم برنامجاً محلياً بحتاً"، فهل سيتغير هدف البرنامج في المستقبل؟ خصوصاً ان طرحه بعض القضايا الحساسة في المجتمع السعودي لم يكن ضمن أجندته في أجزائه الأولى، بقدر ما كان الهم الأساس تقديم برنامج كوميدي هادف فقط.