لماذا يتعلق السعوديون بطاش؟. هل بسبب الكمية الهائلة من الكوميديا التي يملكها الفنان ناصر القصبي؟!. أم بسبب الشخصيات السعودية والمضحكة التي يقدمها الفنان عبدالله السدحان. في الحقيقة أن هذين سببان مهمان جدا ولكن يبدو أن السبب الرئيسي في هذا التعلق هو انتظار الناس أن يقوم هذان النجمان الجريئان في كل جزء جديد من طاش باختراق المحذور. مالذي جعل طاش ماطاش هذه العام يبدو أقل المستويات من أعوام سابقة بالنسبة للناس؟. السبب الكبير هو أن المسلسل ظهر خائفا ومترددا ولم يبد قدراً أكبر من الشجاعة. ولكن المشاهدين السعوديين لن يستطيعوا هجر هذا المسلسل مهما بدا في بعض الحلقات رديئا وذلك بسبب أن هذا المسلسل قادر دائما على قول أشياء جديدة لايتجرأ أحد آخر على قولها. وصول طاش لهذه المرحلة المتقدمة للجرأة هو ما شكل وجها ما للحركة النقدية التي اجتاحت البلد في كافة المجالات خلال السنوات القليلة الماضية وتكفلت وسائل الإعلام بالترويج لها. ولكن يبدو أن طاش كان عبر حلقاته المفاجئة وتعليقات نجومه الناقدة بحدة والمشاهد التي تهاجم الأوضاع البيروقراطية والسلوكيات الإجتماعية المتوارثة كان من بين الأدوات الفاعلة التي عبرت عن هذه الموجة النقدية الجديدة والغريب في الأمر أن تحرك طاش نحو النقد لم يلق مباركة شعبية فقط بل مباركة رسمية كانت هي سبب الضغط عليهم في أكثرمن مرة عندما أراد السدحان والقصبي إيقاف العمل. كيف استطاع نجوم طاش أن يواجهوا خليطاً صلباً من الأيديولوجيا الاجتماعية والثقافية المعقدة التي يصعب على أي فنان اختراقها ؟. نجما طاش قاما بعمل مهم على اختراقها ونتيجة لذلك واجها مشاكل كبيرة وصلت إلى هجوم شرس عليهما في مواقع الإنترنت والمساجد ونشرت فتاوى تحرم مشاهدة هذا المسلسل المثير. بدأ مسلسل طاش يعتمد على ظرافة النجمين التي بدت سلسلة جدا ومقبولة إلا أن العمل خرج من إطاره الفكاهي والخفيف إلى الإطار الجاد النقدي عندما بدأ المسلسل في الجزء الرابع بنقد العمل في دوائر حكومية مختلفة ومثّل ذلك مفاجأة مذهلة للجمهور واكتسب المسلسل زخما جديدا جعله يزيد من جرعة مكثفة من النقد في الجزءين اللذين يليهما. امتلك نجما طاش حاسة فنية مهمة جدا عندما لم يحولا عملهما إلى منبر للنقد المباشر ( في الحقيقة أنهما وقعا في بعض الحلقات في هذه المشكلة ولكنها حلقات ظلت قليلة جدا) و أستطاعا بذلك أن يرفعا من مستوى الرقابة في تقديم الأعمال الدرامية عندما قدما في النهاية فناً ناقداً وليست خطباً ثورية. المرحلة الثانية من عمل طاش النقدي كانت أكثر سخونة وفتحت عليهم باب الهجوم ليس من المسؤولين الحكوميين ولكن من قبل شريحة من الناس الذين اعتبروا نقدهم لقضايا اجتماعية وثقافية مساساً بثوابتهم التي يحترمونها. في تلك المرحلة قدم طاش حلقات جريئة عن المرأة والتعصب الديني والإرهاب والتعليم (حلقة واتعليماه كانت من أبرز الحلقات التي قدمها طاش في مشواره وبلغت جرأة في النقد لم يسبق له مثيل. كانت أشبه بقفزة هائلة فوق السيناريو. الحلقة نقدت بشكل حاد جدا مشكلة ثقافية استطاعت أن تتغلغل إلى دائرة حكومية تساهم بنشرها على الناس. أي أنهم نقدوا في ثلاث اتجاهات) استطاعت أن تلهب مناخ الحوارات السائدة في السعودية بين التيارات الفكرية المختلفة. الآن المسلسل يعد الأبرز من بين الأعمال الدرامية في العالم العربي وأصبح علامة مميزة على مستوى الجرأة والنقد التي يقدمها في منطقة عربية تسودها أجواء لا تحب كثيرا مثل هذا النقد المتهكم. في السعودية أجواء الجدل والحوار والنقد التي سادت خلال الفترة الأخيرة منحت طاش زخما ليواصل انتقادته وعندما يتوقف عن ذلك فإن الناس الذين أصبحوا يبحثون عن الصراحة والجرأة سيتوقفون عن مشاهدته. أعتقد أن نجوم طاش يعون لهذه النقطة جيدا ولن يفوتوا هذا الأمر من حساباتهم.