من يقرأ الصورة الفنية على أنها ذات أبعاد متعددة هو من يستطيع أن يحكم على الفن، إضافة يجب أن نبتعد عن الصورة الأحادية بأن الفن كله سيء، وحديثي هنا للمجتمع السعودي بالخصوص، كون الحركة الفنية لديه من مسرح ودراما وغيرها من الفنون، حركة حديثة إن قيست بالتجربة الفنية في بعض الدول العربية كمصر وسوريا على سبيل المثال، فمجتمعنا في الغالب لا يزال تحكمه النظرة التقليدية للفن، وبالخصوص الدراما السعودية وما يرتبط بها . وإن كان هناك جيل على امتداد العشرين سنة الماضية بدأ ميال لكسر هذه النظرة التقليدية وتقبل الجرأة المطروحة في المسلسل الشهير طاش ما طاش، ولكن قوة النظرة التقليدية وما تحمله من خطاب حاضر في وسائل الإعلام المحلية جعل من هذه النظرة تبدو وكأنها هي الحاكمة على الدراما السعودية، إما سلبا أو إيجابا، كون التيار الذي يتزعم بالعادة هذه الحملة حاضرا بخطابه في المنبر المحلي، ولهذا بدأ أشبه بالشريط السينمائي الذي يتكرر في كل سنة من شهر رمضان، وعلى امتداد أكثر من عشرين سنة، في السابق كان مع مسلسل "طاش ما طاش" واليوم مع مسلسل «سيلفي» وبطله ناصر القصبي المفتري على بعض ثوابت المجتمع كما يصوره التيار المناهض للقصبي، ولكن قبل الحكم على القصبي في تجربته التي امتدت لأكثر من عشرين سنة، إن كان مفتريا على مجتمعه من عدمه؟ يجب أن نطرح السؤال من جانب آخر، هل التيار المناهض له مفتر على القصبي؟، أي بمعنى آخر هل النقد الموجه له، قراءة متجردة أم قراءة تسقط عليه في الغالب حكم جاهز بعيدا عن الرسالة التي هدف إلى إيصالها الفنان، أي هي نظرة لا ترى للدراما ربما أي دور هادف وبناء للمجتمع، بل ترى العكس هو الصحيح، ومن هنا كان لمسلسل "سيلفي" نصيبه من الهجوم وبالخصوص حلقاته الأولى وتحديدا الحلقة التي كانت بعنوان "دنفسه" التي تحكي قصة شخص متطفل على الفن، ولا يمتلك أي مقومات للغناء، ودافعه لدخول هذا المجال هو حب الشهرة والبحث عن الأضواء، ليكتشف في النهاية فشله، ولم يجد بعد ذلك مجالا إلا أن يلبس لباس المتدين بحثا عن الأضواء والشهرة، ومن يشاهد المشهد الأخير من الحلقة يكتشف أن الرجل كان غرضه هو الشهرة ليس إلا، وبالتالي لم يكن الهدف منها في ظني هي الإساءة لدين أو المتدينين، ومن هنا كان النقد في رأيي مبنيا على سوء ظن وقراءة مجانبة للصواب. لماذا، لأن القصبي خلال العشرين سنة الماضية كان يقدم سواء في مسلسل "طاش ما طاش" مع زميله السدحان وبعد ذلك في مسلسل "سيلفي" الكثير من قضايا المجتمع السعودي والخليجي بل حتى العربي، مع نسبة مشاهدة وقبول عالية جدا من كافة شرائح المجتمع، فلو كان يسيء أو يفتري على مجتمعه لكانت حملة الهجوم والمقاطعة عليه كبيرة، وربما لم يكن يستمر "طاش ما طاش" بوهجه كل هذه السنوات التي قاربت العشرين عاما، بل ما زالت إعادة حلقات "طاش ما طاش" بعد توقفه، تحظى بمتابعة كبيرة من الأسرة السعودية تحديدا. والسؤال الذي يجب أن يطرح بقوة لماذا نجح القصبي في أن يدخل غالبية البيوت السعودية، ناهيك عن الخليجية والعربية، ويحقق أعلى نسبة مشاهدة ربما في تاريخ الدراما السعودية. الإجابة على هذا السؤال في ظني هي من تفتح آفاق النقد العلمي والفني الذي يخدم الدراما السعودية والمجتمع الذي تابع القصبي على امتداد العشرين عاما، أي نحن بحاجة لمن يقدم نقدا يخدم الدراما السعودية التي توهجت مع القصبي وزميلة السدحان، لا لمن يلغي هذه التجربة التي باتت تشكل رقما في مسيرة الدراما العربية. * كاتب و إعلامي