اطاحة كولن باول من على رأس الديبلوماسية الاميركية، وقبلها ازاحة جورج تينيت عن رئاسة وكالة الاستخبارات المركزية، استهدف وضع نهاية للإنفصام الذي عانت منه الادارة خلال السنوات الاربع الماضية. ولا يحتاج المرء الى الكثير من الذكاء للإستنتاج بأن كوندوليزا رايس وبورتر غوس، وكلاهما يتميز ب"الولاء والاخلاص"لرؤية الرئيس اليمينية، سيعملان، خلال الاسابيع والاشهر المقبلة، على"تطهير"وزارة الخارجية ووكالة الاستخبارات المركزية من العناصر المعتدلة المنشقة، والتي تتهمها الاوساط المحافظة بالمسؤولية عن"الحرب الاهلية"داخل الادارة في سياق الحرب في العراق والحرب على الارهاب. لذلك، لم يكن مستغرباً ان تتبع استقالة باول استقالة نائبه ريتشارد ارميتاج، كما اعقبت استقالة تينيت سلسلة استقالات في"سي آي اي"من ابرزها استقالة جون مكلوفلين، الرجل الثاني في الوكالة ومعه معظم اعضاء الفريق المسؤول عن العمليات الخارجية. فالتغيير هنا ليس مقصوداً به اشخاص على رأس مؤسسات حيوية، بل هو تغيير لنهج ساد على مدى عقود ولم يشهد إلا انقلاباً جزئياً بعد اعتداءات 11 ايلول. ويستهل بوش فترته الرئاسية الثانية بإستكمال الانقلاب على نهج الاعتدال البراغماتي، الذي يرى بوش ومستشاروه المقربون مثل نائبه ريتشارد تشيني، ان لا مكان له في عالم ما بعد 11 ايلول. وفيما اضطر بوش مرغماً، في فترته الاولى، الى التعايش مع الانفصام السياسي، لأسباب موضوعية وحسابات انتخابية، بات اليوم محرراً من تلك الاعتبارات. التغيير في الخارجية والاستخبارات ستكون له تداعيات على نطاق دولي، وبخاصة على صعيد السياسة الاميركية في الشرق الاوسط. وستشهد دول المنطقة، المتحالفة مع واشنطن والمناوئة لها في آن، ضغوطاً متزايدة. وبينما سيمارس المزيد من الضغط على الحلفاء لتقديم دعم اكبر للسياسات الاميركية، سيتزايد الضغط السياسي والعسكري على الدول والقوى المعارضة للسياسات الاميركية في المنطقة. ولعل التغيير الاكبر في السياسات الاميركية سيأتي في مجال العلاقات مع الدول الحليفة التي تتلقى مساعدات مالية وعسكرية اميركية، وبخاصة مصر والاردن. إذ قد لا يكون كافياً بعد اليوم ان يقتصر تعاون تلك الدول على المجال الامني في اطار مكافحة الارهاب. ما يستتبع، منطقيا، ان تتوقع واشنطن ان تكون تلك الدول في مقدم الذين يتبنون نهج الاصلاح السياسي تمشياً مع مبادرة الديموقراطية التي اطلقها بوش الصيف الماضي في قمة دول مجموعة الثماني. وقد لا يكون البيت الابيض مستعداً، بعد اليوم، للتعايش مع الازدواجية المتمثلة في حكومات عربية تتعاون امنياً من جهة، فيما تطلق اعلامها الرسمي لمهاجمة السياسات الاميركية بأسلوب تحريضي واضح. إذ يرى اركان الادارة في شكل متزايد ان الاعلام العربي، وبخاصة ذلك الذي تملكه او تديره حكومات يفترض ان تكون حليفة لواشنطن، مسؤول عن توفير غطاء سياسي للعنف ضد قوات التحالف والحكومة العراقية، والذي يعتبره البيت الابيض ارهاباً خالصاً. وقد لا يكون مقبولاً اميركياً ان تزاود دول عربية، في السياق العراقي، على الحكومة العراقية، وان يكون موقفها متقدماً على موقف السيستاني في معارضة المشروع الاميركي.