Bob Woodward. Bush at War. بوش محارباً. Simon & Schuster. 2002. 378 pages. اعتُبر بوب ودوارد في وقت مضى رائداً في ميدان التحقيقات السياسية المثيرة في اميركا. وكشف كتابه الاول "كل رجالات الرئيس"، الذي اعده بالتعاون مع كارل برنشتاين، وهو مراسل آخر في صحيفة "واشنطن بوست"، خفايا سرقة ووترغيت التي افضت الى استقالة ريتشارد نيكسون في 1974. وبالنسبة الى المراسلين السياسيين والجمهور العام يمثل امكان الوصول الى المصادر والمعلومات عاملاً حاسماً. ففي 1971، ادى تسريب دانييل إيلسوورث "اوراق البنتاغون"، وهي وثيقة رسمية اميركية تقع في 47 مجلداً حول تورط اميركا في فيتنام، الى صحيفة "نيويورك تايمز" الى تغيير الرأي العام الاميركي ضد حرب فيتنام. لكن ودوارد، الذي يشغل حالياً منصب مساعد مدير تحرير في "واشنطن بوست"، حصل على تسهيلات غير مسبوقة عند إعداد كتابه الاخير "بوش محارباً". فقد اجرى مقابلة مع الرئيس جورج بوش، بالاضافة الى 100 مصدر آخر، حول الايام والاشهر التي اعقبت احداث 11 ايلول سبتمبر مباشرةً، ومن ضمنها الحرب في افغانستان. وبتصرف ينقل الكتاب من محتويات دفتر يوميات الرئيس ومحاضر اجتماعات مجلس الامن القومي ومجلس الحرب. لكن ودوارد لا يقدم تحليلاً يذكر سوى ما يبلغه إياه ابطال روايته الرئيسيون. ويكشف هذا العرض المفتقر الى روح النقد والذي يكاد يكون تسجيلاً لما يقوله بوش ومستشاروه، نائب الرئيس ديك تشيني ووزير الخارجية كولن باول ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد ومستشارة الامن القومي كوندوليسا رايس، الورطة التي يجد نفسه فيها المراسل السياسي. فالوسيلة الوحيدة للحصول على الرواية هي ان تبقى على مقربة من كبار المسؤولين. وفي المثال الراهن لا يمكن التقرب من هؤلاء الكبار الاّ بالاذعان لسطوتهم. واذا كان الفيلم الذي أُنتج بالاستناد الى الكتاب الاول لودوارد، "كل رجالات الرئيس"، اقنع اجيالاً من الشبان الاميركيين بنزاهة الصحافة وفاعليتها السياسية، فان كتاب "بوش محارباً" هو اشبه ببرنامج كوميدي تلفزيوني. فالنص مثير للاهتمام، لكن ما يجري التأكيد عليه هو القيمة الترفيهية والحركة الدائبة للشخصيات التي تحيط بالرئاسة الاميركية. يؤمن بوش بالله - مؤدياً الصلاة قبل الاجتماعات المهمة ومُطلِقاً الشتائم المعهودة في تكساس عندما لا تسير الأمور على ما يرام - وبالوطن والتاريخ. وهو يحرص، في مرحلة ما بعد 11 أيلول، على التأكيد بأنه يختلف عن سلفه. فكلينتون اطلق صواريخ "كروز" كردّ انتقامي إثر اعتداءات ارهابية في افريقيا. اما الرئيس بوش فانه سعى الى الحصول على "وجود عسكري على الارض" في افغانستان لدعم حملة القصف الجوي، لكنه حرص ايضاً على تجنب توريط الولاياتالمتحدة في "مستنقع"، وهي الكلمة ذات المغزى التاريخي منذ ان استُخدمت لوصف فيتنام. لكن بغض النظر عن رغبات الرئيس ونواياه، ما تزال الحكومة الاميركية كائناً متوحشاً ضخماً. ففن القيادة لا يستوجب ان ينقل الرئيس رغباته فحسب بل ان يصوغ ايضاً خطة عملية قابلة للتنفيذ. وفي الوقت الذي تثار فيه تساؤلات كثيرة في الولاياتالمتحدة حول دور مستشارة الامن القومي كوندوليسا رايس وافتقارها الى البراعة، يبدو واضحاً انها تحظى باعجاب ودوارد الذي يشير اليها بكنيتها "كوندل". وتعتمد وظيفتها، حسب الصورة التي يقدمها الكتاب، على ما تمتاز به حدة الذهن والبراعة. فازاء تصميم تشيني ورامسفيلد وباول على التأثير في مواقف الرئيس، تتحاشى رايس اطلاعه على وجهة نظرها حتى تكون آراؤه قد اكتملت. واذا ظهرت فجوة بين خططه وما يمكن ان تنجزه الحكومة، فانها تلجأ عندئذ الى ترتيب لقاءات على انفراد معه للتقريب بين الطرفين. وحالما تُنجز خطة نهائية يتعيّن على بوش ان يشيع جواً من ثقة. فمن دون توجيه واضح من فوق ستتحرك المؤسسة العسكرية ووكالة الاستخبارات المركزية "سي آي أي" في اتجاهات متضادة. لم يتردد بوش في الاعتراف لودوارد بانه ليس بارعاً في التكتيك الحربي وانه يعتمد على مستشاريه المجرّبين. وخلال المراحل الاولى من الحملة في افغانستان لعب جورج تينيت مدير "سي آي أي" دوراً مفيداً. فقد كان رجاله اول من وصل الى هناك وهم يحملون ثلاثة ملايين دولار نقداً لتسليمها الى "تحالف الشمال". وكشف بطء المؤسسة العسكرية في الرد وتأمين المتطلبات اللوجستية لنشر قوات ومعدات اميركية في بلدان اجنبية قرب افغانستان - وهو يماثل التأخير الذي رافق حشد القوات والمعدات في الحملة التي تقودها الولاياتالمتحدة ضد العراق. ان النزعة الانفرادية للولايات المتحدة المغالى فيها كثيراً ليست معصومة. وقد مُنح الكثير من المال والمساعدات الخارجية لكسب تأييد باكستان واوزبكستان، لكن كتاب "بوش محارباً" تحاشى، على نحو ملائم، الخوض في تفاصيل هذه المفاوضات. وبدورها شكلت المعوقات والتأخير مصدر احباط شديد لوزير الدفاع رامسفيلد الذي وصفه ودوارد ب"صبر في ظل خيبة أمل". لقد كان رامسفيلد احد الجمهوريين الواعدين في الستينات والسبعينات وشغل مناصب حكومية، لكن اسلوبه الفظ في التعامل مع الآخرين، خصوصاً مرؤوسيه، حال دون ترشيحه للرئاسة. وبدلاً من ذلك خدم في مواقع مختلفة في ادارات متعاقبة. وقال احد الجنرالات لودوارد: "انظر باعجاب كبير ]الى رامسفيلد[ على رغم ان هذا لا يعني بالضرورة انني أكنّ له الود... لديه نقطة ضعف تتمثل في رغبته في ان يضع يديه حول كل شيء". كان وزير الدفاع الاميركي مهووساً طيلة الحرب في افغانستان بتوسيع الحرب على الارهاب لتشمل ميادين اخرى: الفيليبين واندونيسيا وأي مكان آخر تتعرض فيه مصالح الولاياتالمتحدة للتهديد. وظل يلح على مهاجمة العراق ودول اخرى تدعم الارهاب، لكن الرئيس وبقية اعضاء الحكومة ركزوا الانتباه على الحملة الجارية. ومن الواضح انه كانت هناك صفقة غير معلنة، بأن تعطى اولوية ل"طالبان" و"القاعدة" ثم يأتي دور العراق، لكن ودوارد يخفق في إبراز هذا الترابط، في ما خص العراق، في خاتمة الكتاب. ويبدو الانقسام الحقيقي في البيت الابيض بين اولئك الذين يصوغون السياسة وفقاً للاعتقاد بان الولاياتالمتحدة، باعتبارها القوة الأعظم في العالم، ينبغي ان تفعل ما تشاء رامسفيلد، تشيني، واولئك الذين يدعون الى بناء تحالف دولي باول. وبين الطرفين هناك المترددون في الوسط بوش ورايس. ويصف الرئيس وزير خارجيته بانه "ديبلوماسي ذو خبرة في الحرب". وباول هو المسؤول الذي اوفده بوش للتفاوض مع ياسر عرفات وأرييل شارون، لكن مساعيه عُرقلت ايضاً من قبل ادارة تخشى التزام سياسات يمكن ان تلجم اسرائيل. ويوضح كتاب "بوش محارباً" ان مجلس الحرب كان يؤكد رغبته في تجنب أي شيء يمكن ان يوحي ب"بناء الدولة"، وهو ما يشكل تحذيراً من الخطط الحالية لاحتلال العراق. وكان العسكري/ الديبلوماسي باول المسؤول الوحيد الذي تساءل بصوت عالٍ حول النتائج التي ستنجم عن تنصيب جنرال اميركي ابيض كرئيس لبلد مسلم. لقد تحدث مؤخراً دان راذر، منسق الاخبار في شبكة تلفزيون "سي بي إس"، في مقابلة رائعة اجرتها معه هيئة الاذاعة البريطانية "بي بي سي"، عن اخفاق الصحافيين الاميركيين في طرح اسئلة صعبة في ظرف يعتبر فيه اشخاص "لديهم مصالح سياسية في البقاء في السلطة" أي تشكيك بسياسة الحرب التي تتبناها الولاياتالمتحدة موقفاً غير وطني، وهو انتقاد يمكن ان تترتب عليه نتائج قاسية. ان قبول ودوارد بلا تحفظ ما يقوله مسؤولو البيت الابيض وما يتلاعبونه اعلامياً يتساوق كثيراً مع التغطية الصحافية السياسية التي تمتاز بها حالياً الولاياتالمتحدة المرتعبة، وهو بهذا القدر قد خذل نفسه وخذل الصحافي الذي كانه في وقت مضى.