حديث السيدة سهى عرفات والفلوس، فلوس أبو عمار أو منظمة التحرير، كذب لاغتيال سمعة ياسر عرفات بعد موته، ولكن أبدأ بمقدمة. فلو عضّ آرييل شارون لسانه غداً ومات بسمّه من يحضر جنازته؟ إرهابيون مثله، ومسؤولون أميركيون أي اسرائىليون في الادارة الأميركية ومندوب عن ميكرونيزيا. أبو عمار شيّع كرئيس دولة ثلاث مرات، في ثلاث مدن في ثلاث قارات، ونقل الاعلام العالمي التفاصيل في شكل فاق ما فعل الاعلام العربي، ولا يزال العالم كله مشغولاً برحيل الرئيس الفلسطيني، والتغييرات المنتظرة على الساحة الفلسطينية والاقليمية، ومن هنا سعي اسرائيل لاغتيال سمعته. باستثناء شمعون بيريز، شريك ياسر عرفات في جائزة نوبل للسلام، أبدى الاسرائىليون شماتة في الموت، كما هو متوقّع. ولكن اذا كان لي ان آخذ مثالاً واحداً على ما فاضت به حقارة في النفوس، فهو يوسف بيليد، زعيم شينوي الذي قال ان أبو عمار ارهابي قتل أطفالاً اسرائىليين، ورحّب بموته. بيليد في حكومة واحدة مع السفّاح شارون، أسوأ إرهابي في الشرق الأوسط، ومع ذلك فهو من الوقاحة ان يدين ارهاب الآخرين وهو يتعامل مع الارهاب ويشجّعه كل يوم. بل انه يختار ان يتحدث عن قتل الأطفال، وشريكه شارون قتل أكثر من مئة مدني لم تجف دماؤهم بعد، وبينهم نحو 30 طفلاً، يضافون الى ألوف آخرين قتلهم على امتداد عمره النتن. بيليد، كمثال على اسرائىليين كثيرين من نوعه، شريك شارون في جرائمه، ودم الأطفال على يديه. وهذا ليس دم الأطفال الفلسطينيين وحدهم، وإنما دم الأطفال الاسرائىليين، فموتهم هو نتيجة السير في سياسة متطرفة لن تؤدي الا الى مزيد من القتل والدمار. وجريمة بيليد أكبر من غيره لأنه ضحّى بمبادئ حزبه المعلنة في مقابل المشاركة في السلطة، وهبط الى درك ان يحوّل الأنظار عن جرائم شارون باتهام عرفات. أرجو ان يذكر القارئ أنني انتقدت أبو عمار في حياته، وطلبت منه الاستقالة، وانني الأسبوع الماضي انتقدت السيدة سهى عرفات وطلبت منها ان تسكت. مع ذلك لا يهون عليّ أبداً ان يهان أبو عمار، أو يساء الى زوجته، فهي مظلومة ولا تجيد الدفاع عن نفسها. أحذر القارئ العربي من تصديق ما يقرأ، وأنبهه الى انه لم يقرأ الرقم نفسه مرّتين، فما ينشر هو اعلام أسود، وتسريبات استخبارات، من نوع ما كنّا نقرأ في أوج الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي والغرب. لا أدافع عن أحد، ولا بد من ان هناك أرقاماً، ثم اننا جميعاً نعرف مدى الفساد في السلطة الوطنية الفلسطينية، وأعتقد بأنني كتبت عنه بصراحة مرّة بعد مرّة. غير ان ما يُنشر منذ مرض أبو عمار ووفاته كذب اسرائىلي يختلط فيه دسّ الموساد مع خيال صحافيين احترفوا العداء للفلسطينيين وكل العرب والمسلمين. هناك منظمة التحرير الفلسطينية، وهناك السلطة الوطنية الفلسطينية، ولهذه الأخيرة وزارة مال يترأسها أخونا سلام فياض، وموازنتها، وكل أرقام الدخل والانفاق، مسجّلة على موقعها على الانترنت، وهناك إشراف مباشر من الدول المانحة، والمؤسسات المالية العالمية، مثل صندوق النقد الدولي، لذلك فأموال السلطة الوطنية، وهي غير الحديث عن الفساد الداخلي، ليست موضع نقاش. الحديث هو عن أموال منظمة التحرير الفلسطينية التي لم يكن يعرف تفاصيلها غير أبو عمار، فهناك معلومات كثيرة عند الأخ محمد رشيد، ومعلومات أخرى عند السيدة سهى عرفات، الا ان التفاصيل الكاملة كانت دائماً مع الختيار. أنا أعرف أبو عمار كما لا يعرفه عملاء الموساد الذين كتبوا في الصحف حول العالم عن أموال المنظمة، وخلطوا ذلك مع السلطة الوطنية، وطلعوا في النهاية بمجموعة أرقام خرافية، في استهداف متعمّد لأرملة الرئيس. أبو عمار كان ينام على سرير عسكري منفرد في غرفة صغيرة من بناية في الفاكهاني. وكان السرير من نوع يطوى، ويركن جانباً في النهار. ولم يكن في الغرفة سوى خزانة ثياب صغيرة. وأعرف ان أبو عمار كان، بعد ذهاب زواره مع تباشير الصباح، يجرّ السرير على عجلاته الصغيرة الى الممر الخارجي، مبتعداً عن الغرفة، وينام في الممر، حتى اذا أصابت قذيفة أو صاروخ غرفة النوم المعروفة، يكون هو بعيداً منها. وكان نومه في مخيمات الأردن، وقد رأيته في مخيمي الحسين والوحدات، أكثر بساطة وشظفاً. واستمر الشقاء في غزة حيث يعرف الجميع دارته هناك، وهي لا يمكن ان توصف بقصر رئاسي، فقد خلت من اي فخامة. وكان المسؤولون الفلسطينيون يدخلون البيت من دون استئذان، وقد تراهم السيدة سهى ينتظرون في الصالون أو خارج غرفة النوم، فكانت لا تخرج الا وقد ارتدت ثيابها ووضعت زينتها لأنها لا تعرف من سترى خارج الغرفة. ولعلّ أبو عمار لم يعرف راحة حقيقية الا في ضيافة الحكومة التونسية، وفي غرف الفنادق الفخمة حول العالم. أبو عمار عاش ومات كفقير هندي وإن كان ينفق الملايين كل شهر، فهي على المنظمة ورجالها، وأسر الشهداء، والمعوقين الذين يوجد عشرات الألوف منهم بعد سنوات الاحتلال والمقاومة. أما السيدة سهى فقد سمعت عنها ألف كذبة، بعضها أحقر من بعض، ولا أصدّق سوى ما أرى، وهناك تحقيق فرنسي في تحويل 4،11 مليون دولار على دفعتين هذه السنة. أنتظر نتيجته مع اننا في "الحياة" نشرنا في حينه لماذا حوّل المبلغ وأين سيذهب، وهذا مع الملاحظة ان هذا الرقم ليس 300 مليون دولار، أو ثلاثة بلايين أو خمسة بلايين، وحتى عشرة بلايين سجلها أعداء معروفون في شكل عشوائي لتشويه سمعة ياسر عرفات وأسرته. اذا كانت هناك ملايين وبلايين، فلماذا تعيش سهى وزهوة في شقة من غرفتين ونصف غرفة في باريس، ولماذا يدفع الملك الحسين، رحمه الله، فاتورة طبيب الأسنان، ولماذا تعتني بسهى قرينة الرئيس زين العابدين بن علي؟ لن أسكت أبداً عن أي فساد، ولكن أصرّ على قرائن، وهي غائبة عندما أقرأ ان السيدة سهى وأبو العلاء توصلا الى اتفاق وأبو عمار في النزع الأخير في باريس، خلاصته ان تحصل أرملة الرئيس على 12 مليون دولار "دفعة أولى" وأحوّل عن الاسترليني و5،1 مليون دولار في السنة على تسع سنوات، وبعدها 500 ألف دولار في السنة كمرتب تقاعدي. أبو العلاء وسهى لم يتحدثا الى كاتب الخبر ولم تصدر عنهما أي أرقام، فمن أين جاءت التفاصيل؟ من الموساد؟ أو من خيال الكاتب؟ أرجو ان يحذر القارئ العربي وهو يقرأ مثل هذا الكذب ولا ينجرف معه، فالصنعة فيه واضحة، وهو يدين كاتبه لا المستهدفين به، وقد سألت اثنين من القادة الفلسطينيين الكبار الذين وردت أسماؤهم في حديث المال، وأقسما انه لم يُبحث مع السيدة سهى في شيء سوى نقل الرئيس المريض، ثم تفاصيل الجنازة... لا شيء غير ذلك إطلاقاً.