فيما انشغل العالم بمتابعة اخبار اجتياح الفلوجة وصراع ياسر عرفات مع الموت، مرّ خبر اعادة فتح جادة بنسلفانيا قبالة البيت الابيض، للمرة الأولى منذ اعتداءات 11 ايلول، من دون ضجة. هل كانت مصادفة ان يأتي افتتاح"بنسلفانيا افينيو"قبالة البيت الابيض بعد ايام من اعادة انتخاب الرئيس جورج بوش، وبعد اسبوعين من بث شريط زعيم تنظيم"القاعدة"؟ ثمة مؤشرات عدة الى ان اميركا تشعر بإرتياح نسبي للإجراءات الامنية التي اتخذتها للحؤول دون التعرض لإعتداءات ارهابية ضخمة كتلك التي تعرضت لها في نيويورك وواشنطن قبل اكثر من ثلاث سنوات. ولعل لجوء بن لادن الى قصف اميركا بشريط فيديو، بدلاً من شن هجوم ارهابي عشية الانتخابات الرئاسية، يؤشر ايضاً الى انه لم يعد قادراً على ضرب اميركا على ارضها، اقله في المدى المنظور. وإلا، لماذا اعيد فتح شارع بنسلفانيا بحيث يستطيع اي كان ان يقف على بعد عشرات الامتار من البيت الابيض؟ ولماذا اعلن النائب العام جون اشكروفت، في خطبة وداعية، ان الاجراءات التي اتخذها على مدى السنوات الثلاث الماضية ستقضي على الارهاب الموجه ضد اميركا؟ اعادة فتح جادة بنسلفانيا، وتصريحات اشكروفت الاخيرة، واعادة احياء مبادرة بوش لإعطاء صفة قانونية للمهاجرين غير الشرعيين تعكس ثقة لدى الادارة بعدم وجود تهديد حقيقي للأمن الاميركي في هذه المرحلة. وقد يفسر ذلك ايضاً سبب عدم رفع درجة التأهب الامني عشية الانتخابات كما كان متوقعاً، رغم شريط بن لادن وقبله شريط"ابو عزام الاميركي"، الذي توعد بإراقة الدماء في شوارع اميركا. واضح تماماً ان بوش تعمد تعميم اجواء الخوف من الارهاب عشية الانتخابات، في شكل افاد حملة اعادة انتخابه، رغم انه، في الوقت نفسه، كان يتخذ قرارات تتناقض مع تحذيراته المتواصلة. ويبقى السؤال: هل نجحت الحرب في افغانستان والعراق في نقل المواجهة مع اميركا من المدن الاميركية الى المدن الافغانية ومن ثم المدن العراقية كما يدعي بوش؟ من السابق لأوانه طبعاً الحكم على ما يخبئه المستقبل على هذا الصعيد، رغم حقيقة ان اميركا لم تتعرض لعمل ارهابي منذ اكثر من ثلاث سنوات. إلا ان هناك الكثير مما يوحي بوجود"هدنة"مفترضة وغير معلنة بين"القاعدة"واميركا تثير سلسلة من التكهنات والتساؤلات. من بين اهم الكتب التي نشرت في اميركا خلال الصيف الماضي كان كتاب"غطرسة امبريالية"لمؤلفه مايكل شوير، الذي نشر الكتاب بتوقيع"مجهول"بحسب اتفاق مسبق مع وكالة الاستخبارات المركزية سي آي اي. ويرى شوير، الذي لم يكشف عن اسمه إلا اخيراً، ان اميركا ستخسر الحرب على الارهاب ما لم تعالج جذوره السياسية ومن اهمها شعور المسلمين بالظلم بسبب السياسات الاميركية. وفي احدى المقابلات الصحافية التي اجراها مع"الحياة"، وصف شوير اسامة بن لادن بأنه"رجل عظيم"يتمتع بالصدقية في الشارع العربي والاسلامي. وما كان لكتاب شوير وتصريحاته المثيرة للجدل ان تكون ذات اهمية لو كان الرجل مجرد مواطن اميركي يعبر عن رأيه الشخصي. إلا انه مسؤول كبير على رأس عمله في وكالة الاستخبارات المركزية، وكان ترأس حتى العام 2001 وحدة خاصة كلفت ملاحقة وتصفية اسامة بن لادن. ورغم ان كل التوقعات كانت تشير الى أن الرجل سيفصل من منصبه بسبب كتابه وتصريحاته التي دانت سياسات الادارة الاميركية، بقي شوير في منصبه، اقله حتى وقت كتابة هذا التعليق.