تلاشت حجج الرئيس جورج بوش التي شكلت ذريعة للحرب على العراق الواحدة تلو الأخرى، وتعرضت لسلسلة ضربات قاسية كان آخرها التقرير الذي أصدره أول من أمس رئيس فريق المفتشين الأميركيين تشارلز دولفر الذي استنتج أن النظام العراقي السابق لم يكن يملك أسلحة دمار شامل. وبقدر ما أحرج التقرير الرئيس الأميركي في خضم معركته الانتخابية زود الديموقراطيين وخصمه جون كيري سلاحاً جديداً بدأ استخدامه فوراً، أحرج الأممالمتحدةوفرنسا وروسيا بتوجيهه أصابع الاتهام إليها بتلقي رشاوى من النظام السابق، مستنداً إلى محاضر الاستخبارات العراقية السابقة. لكن مثلما أصر بوش على أن "الحرب كانت مبررة"، مشدد على ان "العراق شكل خطراً لا مثيل له"، أعربت باريس عن استيائها من التقرير، واعتبرته يسوق التهم "من دون أدلة". إلى ذلك، تعكف الحكومة العراقية وتيار الصدر على وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق لتهدئة الوضع في مدينة الصدر. وواصلت القوات الأميركية أمس عملياتها في محافظة بابل، حيث اعتقلت 60 شخصاً، ودوت انفجارات كبيرة قرب فندق شيراتون في بغداد. واضطر بوش خلال أقل من ثلاثة أيام الى مواجهة سلسلة تصريحات وتقارير تشكك في وجود علاقة بين نظام صدام وتنظيم "القاعدة"، وتعيد النظر في الحجج الهشة حول برنامج التسلح العراقي، وتنتقد عدم وجود عدد كاف من القوات الأميركية في العراق. وأكد تقرير دولفر الواقع في ألف صفحة عدم وجود مخزون لأسلحة الدمار الشامل في العراق لدى شن الحرب عليه. كما أكد أن العراق عدل عنها اعتباراً من 1991 قبل ثلاثة عشر عاماً، ولم يكن لديه حتى برنامج لانتاجها لدى اجتياح البلاد في آذار مارس 2003، وهي صورة تختلف تماماً عن صورة الخطر الوشيك التي رسمتها إدارة بوش العام الماضي. إلا أن دولفر اعتبر ان صدام كان يحتفظ "بطموحاته" في هذا المجال، وانه كان ينتظر رفع العقوبات الدولية المفروضة على بلاده لاستئناف البرنامج. وسجلت مفاجآت عدة غير سارة بالنسبة الى بوش منذ بداية الاسبوع تمثلت في تصريحات للحاكم المدني الأميركي السابق على العراق بول بريمر جاء فيها ان سبب "جو الفوضى" في العراق يعود الى ضعف مستوى القوات الأميركية في العراق منذ بداية العملية العسكرية. وفي تصريحات لوزير الدفاع دونالد رامسفيلد الذي بذل جهداً لتصحيحها بعد الادلاء بها، وأكدت عدم وجود "دليل قوي وحاسم" على صلات بين نظام صدام حسين وتنظيم "القاعدة"، وهذا يتناقض مع خطاب البيت الأبيض حول هذا الموضوع، ثم تقرير لوكالة الاستخبارات المركزية سي آي اي يشكك بوجود علاقة بين النظام العراقي السابق والأردني ابو مصعب الزرقاوي المرتبط ب"القاعدة" والذي تعتبره الولاياتالمتحدة "العدو الرئيسي" للأميركيين في العراق. ولا تسهل هذه التطورات مهمة بوش الذي لا يزال يحقق أرقاماً متقاربة جداً مع المرشح الديموقراطي للانتخابات جون كيري في استطلاعات الرأي، إلا أنه نجح حتى الآن في الاحتفاظ بتقدمه. ولم يتردد في أي حال الجهاز الاعلامي التابع لكيري في نشر بيان الاربعاء، يشير الى ان بوش "يحاول يائساً احتواء تدفق الأخبار السيئة". وتكرر إدارة بوش من دون توقف من جهتها، وعلى أمل تهدئة الأمور، موقفها لجهة ان الحرب على العراق كانت مبررة، وان العالم أكثر أمناً بوجود صدام حسين في السجن، وان هذا الأخير كان يقيم علاقات مشبوهة مع "القاعدة". وقال بوش إن خطر تزويد صدام "تنظيمات إرهابية أسلحة دمار شامل كان حقيقياً". في واشنطن، صرح سفير فرنسا لدى الولاياتالمتحدة أنه أبلغ البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية "استياء باريس من الوسائل المستخدمة" في اتهام شركات فرنسية وأفراد فرنسيين من دون أدلة في تقرير دولفر بشأن العراق. ويعود هذا "الاستياء" إلى "نشر أسماء أشخاص وشركات من دون التحقق بوضوح من الادعاءات وبلا إمكانية في التعبير". وجاء في التقرير أن "العراق ركز على أفراد كان يعتقد أنهم في وضع يخولهم التأثير في السياسة الفرنسية ... وكان صدام يسمح بتوزيع عقود نفطية مربحة على شركات وشخصيات". واعتبرت وزارة الخارجية الفرنسية ان الاتهامات التي وردت في هذا التقرير "غير مثبتة". وقال الناطق باسم الوزارة هيرفي لادسو: "من المهم التأكد بدقة من الحقيقة وراء هذه الادعاءات لأنه حسب فهمنا فإن الاتهامات غير مثبتة سواء في ما يتعلق بالأشخاص المعنيين أو بسلطات البلدان المعنية". وأوضح التقرير أن الأوساط الصحافية والاقتصادية الفرنسية كانت موضع اهتمام خاص. صواريخ على فندق شيراتون أحرزت المفاوضات بين الحكومة العراقية وسكان الفلوجة وتيار "الشهيد الصدر" تقدماً يمكن ان يؤدي الى اتفاقات على "حلول جذرية" قريباً. وأعلن كبير المفاوضين في الفلوجة الشيخ خالد حمود الجميلي ان المحادثات بين ممثلي الفلوجة والحكومة حول إعادة بسط السلطة العراقية في المدينة قد تفضي الى اتفاق على "حل جذري" لا يتضمن دخول الجيش الأميركي الى المدينة. وأشار الى ان غداً السبت قد يشهد وضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق بعدما وصلت "المفاوضات مع الحكومة العراقية والجيش الأميركي الى مرحلة ايجابية". وفيما أطلقت القوات الأميركية الشيخ مؤيد الخزرجي أحد كبار مساعدي الصدر، أكد الشيخ عبدالهادي الدراجي ان المفاوضات بين ممثلين عن التيار الصدري والحكومة العراقية "ايجابية وستعلن نتائجها قريباً". وعرض الدراجي "تسليم أسلحة ثقيلة ومتوسطة مقابل عدم ملاحقة التيار الصدري واطلاق الأسرى والقيادات وتقديم الخدمات من كهرباء وماء وطرقات الى ما هنالك". كما طالب ب"السماح للتيار الصدري بالمشاركة في الحياة السياسية وعدم منعه من ذلك". وأضاف: "نحن لا نرفض الانتخابات إذا كانت حرة ونزيهة وبرقابة دولية، لكننا لن نشارك اذا بقي الاحتلال الاميركي"، وعاد وقال: "من السابق لأوانه اتخاذ قرار بشأن المشاركة في الانتخابات". وأكد من جهة ثانية ان "المحادثات تتم مع الحكومة العراقية فقط"، في إشارة الى عدم مشاركة الاميركيين في هذه المحادثات. ويعتقد ان الافراج عن الخزرجي سيساعد في المفاوضات الرامية للتوصل الى اتفاق بين القوات الاميركية و"جيش المهدي" التابع للصدر في مدينة الصدر، إذ يطالب الزعيم الشيعي باطلاق كبار مساعديه ووقف قصف مدينة الصدر والمساعدة في إعادة بناء المنطقة الفقيرة قبل ابرام أي اتفاق لوقف اطلاق النار، فيما تطالب الحكومة العراقية "جيش المهدي" بتسليم أسلحته أولاً. وكان مساعد الصدر الشيخ علي السميسم أعلن استعداد ميليشيا "جيش المهدي" لتسليم أسلحتها في اطار مبادرة سلام مقابل ضمانات تقدمها الحكومة العراقية بعدم ملاحقة أنصار الصدر أو محاكمتهم فضلاً عن إطلاق المعتقلين. وهزت سلسلة من الانفجارات القوية تبعها اطلاق كثيف للنار فندق "شيراتون" وسط بغداد مساء أمس. وتصاعدت ألسنة اللهب من الفندق بعد الانفجارات التي أفاد شهود ان سببها اطلاق صواريخ باتجاه فندقي "شيراتون" و"فلسطين" المتقابلين. وقال أحد نزلاء "شيراتون" ان صاروخاً أصاب غرفة في الطابق الاول أعقبه على الفور انفجار ثان. ولم تعرف الخسائر. في غضون ذلك، واصلت القوات العراقية والأميركية عملياتها العسكرية الكبيرة في محافظة بابل التي بدأتها الثلثاء واعتقلت 06 شخصاً فيما أصيب خلالها عشرة اشخاص بين عسكريين ومدنيين. وقتل جنديان أميركيان، واغتيل مسؤول في تلفزيون نينوى في الموصل.