زادت في الآونة الأخيرة حدة التهديدات المتبادلة بين ايران من جهة واسرائيل من جهة اخرى، في شأن البرنامج النووي الايراني. ورافق التهديدات اعلان ايران اجراء تجارب على صواريخ "استراتيجية" تقول الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية أنها أكثر دقة وأبعد مدى من سابقاتها. في حين كشف كل من تل أبيب وواشنطن صفقة لتزويد اسرائيل خمسة آلاف قنبلة ذكية أميركية الصنع. في غضون ذلك، تتصاعد الضغوط الأميركية على الحلفاء الأوروبيين لرفع ملف ايران النووي الى مجلس الأمن وفرض عقوبات على طهران لوقف عمليات تخصيب اليورانيوم. فهل التهديدات والتحركات المرافقة لها من تجارب وتسلح مجرد "بروباغندا" اعلامية من الطرفين، أم أنها نابعة من مصادر قلق استراتيجي حقيقي قد يتطور الى نزاع عسكري مدمر؟ نعرض في هذه الدراسة التي تنشرها "الحياة" على اربع حلقات قدرات الطرفين والسيناريوهات المحتملة لأي هجوم والرد عليه والعواقب المحتملة. ونبدأ السلسلة بعرض قوة ايران الصاروخية وقدرتها على اختراق الدفاعات الاسرائيلية وسعي اسرائيل الى تحييد الردع الايراني. تعتقد غالبية الخبراء أن ما سمته ايران بصواريخ استراتيجية هو على الغالب صاروخ "شهاب - 3" الباليستي الذي يبلغ مداه حوالي 1500 كلم، مما يمكنه من ضرب أهداف في شتى انحاء الدولة العبرية. لكن المعروف أن تكنولوجيا صاروخ "شهاب" مشتقة بغالبيتها من الصاروخ الكوري الشمالي "نودونغ - 1"، وعليه فانه صاروخ غير دقيق الاصابة مما لا يجلعه من عائلة الأسلحة التكتيكية. الا أن تحليل نتائج التجربة الصاروخية الأخيرة في ايران كشفت للاستخبارات الاسرائيلية أن الصاروخ هو طراز معدل ل"شهاب - 3"، أكثر دقة وأبعد مدى من الجيل السابق. وبحسب صحيفة "ديفنس نيوز" الدفاعية، فان الاستخبارات الاسرائيلية تشك بمساعدة خبراء روس لايران في تطوير الصاروخ الجديد. تبلغ قوة الرأس الحربي التقليدي للصاروخ حوالي طن واحد من المتفجرات مما يجلعه بقوة قنبلة واحدة من القنابل التي تلقيها اليوم القاذفات الحديثة، أي أن طائرة "اف -16" واحدة قادرة على القاء أربعة قنابل توازي كل منها قوة "شهاب - 3"، الا أن هذه القنابل اذا كانت من فئة الأسلحة الذكية ستكون أكثر دقة بتدمير أهدافها. ميزة الصاروخ الباليستي هي قدرته هلى اختراق أجواء العدو بشكل مفاجئ وامكان تزويده رؤوسا حربية غير تقليدية من أسلحة كيماوية أو بيولوجية أو نووية. لكن تطور شبكة الدفاع الجوي الاسرائيلي في السنوات الأخيرة بواسطة بطاريات صواريخ "باتريوت" المعدلة وصواريخ "حيتس -2" السهم وتعزيزها بنظام متطور للانذار المبكر مكون من شبكة رادارات وأقمار اصطناعية مترابطة، كل ذلك يجعل من الصعب اكثر ان تخترق الأجواء الاسرائيلية صواريخ باليستية بدائية التصميم وغير متطورة. كما ان افتقار الصواريخ الباليستية لرؤوس غير تقليدية يفقدها دورها كسلاح استراتيجي ويحولها الى "أسلحة ترهيب" محدودة الفعالية. لذلك، فان اقدام ايران على اطلاق صواريخ "شهاب - 3" مزودة رؤوسا حربية تقليدية على اسرائيل كرد محتمل على أي هجوم على منشآتها النووية سيكون محدود الفعالية جداً من الناحية العسكرية، الا أنه قد يكون كافياً من الناحية المعنوية بالنسبة الى الشارع الايراني. ان امتلاك ايران اليوم لتكنولوجيا ومواد أساسية من أجل دورة وقود نووي كاملة يجعلها من وجهة النظر العلمية قادرة خلال السنوات القليلة المقبلة على تخصيب كمية كافية من اليورانيوم للاستخدامات العسكرية. وهذا يعني أنه من الناحية التقنية فان ايران تملك القدرة على انتاج أسلحة نووية ولا تحتاج لفعل ذلك سوى الى القرار السياسي وبعض الوقت. في موازاة ذلك، تسخر اسرائيل، رغم تفوقها العسكري في مجالي الأسلحة التقليدية وغير التقليدية، جزءاً كبيراً من قدراتها لتطوير أنظمة دفاعية لتحييد ردع خصومها لها، خصوصاً الذين يملكون صواريخ باليستية. وقد طورت لهذه الغاية شبكة الدفاع التي تحدثنا عنها آنفا. كما تخطط منذ فترة لتطوير قدراتها الهجومية لضرب الصواريخ الباليستية قبل انطلاقها أو في أول مراحل انطلاقها، وهي لا تزال في أجواء الخصم. أما من الجانب الآخر فتحاول ايران تقليص فعالية الدفاعات الاسرائيلية الحديثة اما عبر اعتماد استراتيجية القصف الصاروخي المكثف على اهداف استراتيجية قليلة مما يصعب عملية الدفاع، أو عبر تطوير صواريخها الباليستية لتحقيق احدى الغايات الثلاث أو كلها: 1 - تقليص دائرة الخطأ المحتمل وزيادة الدقة في الاصابة لتصبح امتاراً قليلة. ويعتقد الخبراء الاسرائيليون بان ايران حققت تقدما على هذا الصعيد. 2 - جعل الرأس الحربي قادراً على الانفصال عن القاذف وهما فوق الغلاف الجوي للأرض ومن ثم الدخول معاً الغلاف الجوي نحو الهدف الأمر الذي يربك الصواريخ المضادة للصواريخ والتي سيصعب عليها التمييز بين الرأس الحربي وجسم القاذف. ويعتقد بعض الخبراء في الغرب بأن صاروخ "شهاب - 3" المطور قادر على الانفصال عن القاذف، وبالتالي سيربك الدفاعات الاسرائيلية. 3 - الحصول على تكنولوجيا الرؤوس المتعددة للصاروخ الباليستي وهو أمر صعب المنال ويحتاج الى امكانات كبيرة. آخر دولة امتلكت هذه التكنولوجيا كانت الصين، وهي حصلت عليها قبل سنوات قليلة عبر عميل مزدوج سرقها من مركز للأبحاث في ولاية نيو مكسيكو الأميركية. ومن شبه المستحيل لأي شبكة دفاع جوي حالية التصدي لصاروخ متعدد الرؤوس الحربية. غدا حلقة ثانية