نقل أربعة شعراء عرب صورة معاصرة عن العالم العربي وثقافته الى جمهور بريطاني متشوق لمعرفة المزيد عن ثقافة تقترب أحياناً ظاهراً من خلال شاشات التلفزيون ويبتعد مضمون واقعها. وربما نجحت الأمسية الشعرية العربية التي استضافها "مهرجان الشعر الدولي" أول من أمس لأن الشعراء لم يبالغوا بالاشارة الى بلدانهم والمعاناة التي تمر فيها، مفضلين القاء قصائد تمس الحاضرين وتعطي وجهاً انسانياً للشخص العربي. مقاعد قاعة "برسيل" في قاعدة "الملكة اليزابيث" احتلها جمهور متفاعل، من بريطانيين وعرب. وكانت المرة الأولى التي تقام فيها أمسية شعرية عربية في هذه القاعة التي تعتبر من أكبر القاعات البريطانية وأهمها. والقى الشاعر المغربي عبداللطيف اللعبي والشاعرة اللبنانية فينوس خوري غاتا أشعارهما باللغة الفرنسية، بينما ألقى الشاعر العراقي سعدي يوسف أشعاره بالعربية، وهكذا فعل الفلسطيني مريد البرغوثي الا انه فضل قراءة قصيدته الأخيرة - "تفسيرات" بالانكليزية. اضفى الشعراء جواً حميماً على الأمسية، مخاطبين الحضور مباشرة، ومزجوا المرح مع الحزن. فعندما قرأ سعدي يوسف آخر قصائده "معذبو السماء" التي تروي مأساة سجن أبو غريب وتعذيب العراقيين، تنهد الحضور وامتلأ جو القاعة بالحزن. وعندما وصف "شقيقه" الذي عذبته المجندة الأميركية ليندي انغلاند أوصل الى المستمعين صدمة العراقيين جميعهم ومعاناتهم إزاء ما جرى في السجن. لكنه، قبل بدء القاء القصيدة قال الى الجمهور "انتم تعلمون كل هذا، ربما حتى أكثر مني". وضحك الحضور عندما أشار الى قصيدته "ذلك النهار الممطر"، قائلاً: "هنا أحاول كتابة الشعر" وكأنه ليس شاعراً. حلّقت القصائد العربية فوق رؤوس الجالسين في القاعة، بينما وقفت المعاني ذاتها باللغة الانكليزية وراء الشعراء وهم يقرأون الشعر. وافتتح اللعبي الأمسية بأشعاره بالفرنسية وتلاه البرغوثي. وكان صوت الشاعرة خوري غاتا وهي تقرأ شعرها بالفرنسية في غاية الأنوثة والقوة في آن واحد. وقراءتها بالفرنسية جعلت قصائدها أكثر غموضاً للمستمعين البريطانيين ولكن أكثر جاذبية. وعبّرت رئيسة تحرير مجلة "بانيبال" المتخصصة بالأدب العربي المعاصر مارغاريت أوبانك ل"الحياة" عن سعادتها لمشاركة الشعراء العرب في "مهرجان الشعر الدولي" الذي يعتبر من أهم المهرجانات الأدبية في بريطانيا. وقالت: "عندما يسمع البريطانيون اللغة العربية يثار انتباههم ويطلعون على منظور ثانٍ للعالم العربي، من دون ضعوط سياسية أو دينية". وأضافت أوبانك، وهي بادرت بمشاركة الشعراء العرب في المهرجان وتنظم جولة حالية لأربعة أدباء عرب في المملكة المتحدة، ان "تقبل للشعر العربي رائع جداً خصوصاً مع أهمية اظهار الوجه الانساني للعالم العربي وابراز وجه المثقفين العرب الليبراليين في الوقت الراهن". وتهدف أوبانك الى اشراك ادباء عرب في المزيد من المهرجانات البريطانية بعد انهاء الجولة الحالية "بانيبال لايف" الشهر المقبل، وهي الأولى لأربعة أدباء عرب في بريطانيا وهم سعدي يوسف ومريد البرغوثي إضافة الى هدى بركات وصموئيل شمعون. وقال مريد البرغوثي ل"الحياة" انه وجد الجمهور"متذوقاً ومهتماً ومتنوعاً بالأعمار، من المتقدمين بالسن الى الشباب". ولفت الى ان الجمهور "في بالغ الحساسية المدهشة وتلق مذهل" مما ساعد الشعراء على الابداع في الالقاء. ووصف سعدي يوسف الجمهور بأنه "يأتي للأستماع الى الشعر وأشعر بالرضا عن الأمسية". وأضاف: "انه من خلال مثل هذه الأمسيات يستطيع الشاعر الوصول الى الشعب البريطاني مباشرة لتكون علاقة حقيقية بينه وبين الثقافة العربية ونحن جميعاً بأمس الحاجة لها". أما في شأن وصول معاناة الشعب الفلسطيني الى الجمهور، فيقول البرغوثي انه لا يعبر مباشرة عن القضية الفلسطينية "لأنه لا داع لمضغ اسم فلسطين في الفن والأدب مضغاً، فمع كتابة شعر حقيقي وجميل يتضح الوجع الذي يحمله الفلسطيني أو غيره من المتألمين في العالم". وأضاف: "لا أعلن الوجع ولكنني اعكسه من دون الوقوع في المباشرة لاقترب من الجمهور".