حلّت "مفاجأة" تشرين الثاني أكتوبر مبكرة يومين على موعدها. ولم يكن صاحبها المرشح الجمهوري جورج بوش ولا منافسه الديموقراطي جون كيري، وإنما زعيم تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن الذي ظهر في شريط مسجل بعد سنتين من الانقطاع، مدلياً ب"صوته" في الانتخابات الرئاسية. وجاء الشريط الاخير لزعيم تنظيم "القاعدة" نفسه على المعركة الرئاسية الاميركية قبل ثلاثة ايام من موعد التصويت، ليفرض موضوع الامن القومي ومكافحة الارهاب على رأس اهتمامات الناخبين واجندة المرشحين الرئاسيين في سباق تقاربت فيه النتائج. وتعهد كل من بوش وكيري مطاردة وتصفية تنظيم القاعدة وزعيمه فيما اعلنا توحد الاميركيين ضد الارهاب ورفضهما محاولات بن لادن التدخل في مسار الانتخابات للتأثير فيها. إلا ان كلاهما سعى الى اقناع الاميركيين بأنه الافضل للإنتصار على الارهاب، علما أن استطلاعات الرأي تجمع على ان بوش يحظى بثقة اكبر بين الناخبين في المسائل المتعلقة بالارهاب والامن القومي، باستثناء الموضوع العراقي، الذي يتقدم فيه كيري. وقال معلقون سياسيون امس ان من الصعب معرفة مدى تأثير شريط بن لادن على آراء الناخبين وبخاصة المترددين منهم، والذين تقدر نسبتهم بنحو اربعة في المئة. إلا ان عودة مسألة الارهاب الى الواجهة بعد التهديد الاخير، يميل لمصلحة الرئيس الذي اثبت تماسكاً اكبر في مواقفه، مقارنة مع كيري، الذي قال إنه سيعمل ليجعل من الارهاب مجرد ازعاج يمكن احتماله اسوة بالجريمة والمخدرات. ويبدو أن ظهور بن لادن في حملة انتخابات 2004 سيكون سيفاً ذا حدين. إذ في إمكانه أن يجعل الأميركيين يلتفّون حول رئيسهم إذا ما شعروا بتهديد يتربص بهم. كما أن رده عبر الشاشة لا عبر اعتداء يمكن أن يدل على أن بوش قام بواجبه في حماية الشعب على أكمل وجه. ولم تصدر الإدارة الأميركية أي قرار يمنع شبكات التلفزة الأميركية من عرض الشريط، على عكس ما كانت تفعل في السابق. في حين طلبت حملة كيري من المحطات أن تكون حذرة في ما تعرض. ويأمل بعض الديموقراطيين بأن يكون ظهور بن لادن هذا سيذكر الأميركيين بفشل بوش، ويثبت حجة كيري بأن الرئيس الجمهوري جعل الولاياتالمتحدة تشتت انتباهها عن الإرهاب لتركز على العراق. وفي المقابل، رأى الجمهوريون، ومعهم بعض الديموقراطيين، بأن عودة بن لادن ستحيي مخاوف الشعب الأميركي من الإرهاب، أحد أقوى نقاط قوة بوش. فيما استبعد عدد قليل من المحللين أن يكون للشريط أثر على خيار الناخب الأميركي. وقال مايكل اوهانلون خبير شؤون الدفاع في معهد بروكينغز في واشنطن إن ظهور بن لادن "يمكن أن يفيد كلاً من الطرفين"، لكن إشاعة جو من الرعب لدى الأميركيين يمكن أن يفيد بوش اكثر. واعتبر الآن ليختمان أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية أن "كل ما يحول الأنظار عن العراق يعتبر أمراً جيداً بالنسبة لبوش. هناك حكمة قديمة تقول انه: لا يمكن تبديل الحصان خلال المعركة. والهجمات التي أطلقها بن لادن ضد بوش وضد الطريقة التي رد فيها بعد اعتداءات 11 أيلول سبتمبر يمكن أن تساعد بوش لان الأميركيين يردون على الدوام سلباً إزاء محاولة تأثير أجنبية". واحدث شريط بن لادن صدمة في الحملتين في ضوء استعداد كل من بوش وكيري لإعلان بيانهما الختامي للناخبين عشية وقف الحملات الدعائية الانتخابية غداً، عشية التصويت في اليوم التالي. وفيما استغل كيري ظهور بن لادن بصحة جيدة ليذكر الناخبين بأن بوش فشل في القضاء عليه بعدما حول تركيزه عن افغانستان لشن حرب على العراق، رد بوش بتذكير الناخبين بأن كيري لن يكون حازماً في مواجهة خطر الارهاب بسبب افتقاره للقدرات القيادية والخبرة في التعاطي مع ملفات الامن القومي. وفيما قال بوش في اول تعليق له على الشريط ان "الاميركيين لن يخيفهم او يؤثر عليهم عدو لهذا البلد"، قال كيري ان الاميركيين "متحدون تماماً في تصميمهم على ضرورة ملاحقة اسامة بن لادن وارهابييه وتدميرهم". ورداً على اتهامه بالسماح لبن لادن بالهروب من قبضة القوات الاميركية في تورا بورا، قال ان "هذا اسوأ نوع من انواع التصرفات المشينة في مواجهة تهديدات ارهابية". وقال مساعدون لكيري ان المرشح الديموقراطي سجل مقابلته للتعليق على شريط بن لادن قبل ان يكون عرف مضمون الشريط. وجاء بث الشريط فيما كان بوش وكيري يطاردان اصوات الناخبين المترددين في ولايات فلوريدا ونيوهامشير واوهايو المتأرجحة. واظهر آخر استطلاع للرأي اجراه مركز زغبي الدولي لمصلحة وكالة "رويترز" تعادل المرشحين عند نسبة 47 في المئة من الاصوات على المستوى الوطني، فيما اظهرت استطلاعات اخرى تقدماً ضئيلاً لبوش. ويسعى كلا المعسكرين الى كسب اكبر عدد ممكن من اصوات المجمع الانتخابي ليحصل على ما لا يقل عن 270 صوتاً للفوز بالرئاسة. وركز بوش حملته امس في كل من ميشيغان وويسكونسن وفلوريدا، فيما زار كيري ويسكونسن وفلوريدا واوهايو. وسيتوجه نائب الرئيس ريتشارد تشيني الى ولاية هاواي التي فاجأت الاستطلاعات المراقبين عندما قالت ان السباق متقارب فيها، على رغم انها تصوت تقليدياً للديموقراطيين. وكان سبقه الى الولاية نائب الرئيس السابق آل غور والكسندرا، ابنة كيري. ومنح محافظ كاليفورنيا الجديد آرنولد شوارزنيغر دفعة لفرص بوش في ولاية اوهايو، فيما القى نجم الروك بروس سبرينغستين ثقله وراء كيري في فلوريدا.