انضم القرار الرقم 1559 الخاص بسورية ولبنان، إلى السلسلة الطويلة من القرارات التي صدرت من مجلس الأمن والأممالمتحدة بخصوص الشرق الأوسط. فهناك أكثر من خمسمئة قرار خاص بمنطقتنا وحدها، تبدأ بالقرار الرقم 81 الخاص بتقسيم فلسطين عام 1947، وتنتهي بالقرار الرقم 1564الصادر في 18/9/2004م الخاص بدارفور السودان. إن استئثارنا بثلاثين في المئة من قرارات الأممالمتحدة، بينما لا نمثل إلا سبعة في المئة من سكان العالم يعني أننا كعرب وشرق أوسطيين استأثرنا بقصب السبق من وقت المنظمة الدولية وطاقتها وقراراتها، إما لأننا مهمون لرفاهية العالم، أو خطرون على أمن العالم، أو مستهدفون من هذا العالم، أو لهذه الاعتبارات جميعاً. وأغلب الظن أننا مستهدفون وخطرون، وهذا موضوع يستحق الرجوع إليه مستقبلاً، إذ أننا أيضاً استأثرنا بحوالي 35 في المئة من الصراعات المسلحة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. غير أننا في هذا المقال نركز على المأزق السوري الذي يرمز اليه القرار 1559. نبدأ بتعريف"المأزق": إن الموقف الذي يوصف بهذا المصطلح هو موقف تبدو فيه كل الخيارات والبدائل إما مسدودة تماماً، أو ينطوي الأخذ بأحدها على مخاطر جمة، وتنطوي على ثمن مادي أو معنوي باهظ التكاليف، إن المأزق هو أقرب الى موقف من يجد نفسه بين فكي كماشة. وهذا هو ما تجد سورية نفسها فيه الآن. إن سورية هي التي صعّدت الموقف في لبنان، بضغوطها الخفية والظاهرة، لتعديل الدستور اللبناني، وبحيث يسمح بإعادة انتخاب الرئيس اميل لحود لفترة إضافية. وهو الأمر الذي يرفضه معظم اللبنانيين والأوربيين، والأميركيين، وبعض العرب. وهو ما أعطى القوى المتربصة والفاعلة في النظام الدولي فرصتها الذهبية لتأليب العالم، وتعبئته ضد سورية، والذي ترجمه القرار 1559، الذي يدعو إلى جلاء القوات الأجنبية من لبنان، والتوقف عن التدخل في شؤونه، أو إيواء التنظيمات الإرهابية. والخطير الذي يميز هذا القرار، عن قرارات الأممالمتحدة الأخرى، هو الآتي: 1 أن فرنسا والولايات المتحدة كانتا ضالعتين في إعداد مسودته، وجمع الأصوات اللازمة لإقراره في مجلس الأمن. وهو أمر فريد أن تجتمع إرادتا باريس وواشنطن، للمرة الأولى منذ الأزمة العراقية، التي وقفت فرنسا فيها موقفاً مناوئاً ومعارضاً للولايات المتحدة على طول الخط. ويعتبر اجتماعهما واتفاقهما في المسألة اللبنانية خطاً فاصلاً، وضوءاً أحمر، ما كان ينبغي للديبلوماسية السورية المتمرسة أن تتجاهله في مراحله"البرتقالية"المبكرة. 2 أن القرار انطوى في صياغته على آليات تفعيله، بتكليف الأمين العام للأمم المتحدة بتقديم تقارير دورية عن التزام سورية ولبنان بتنفيذ بنود القرار. وهو ما يترك للدول الراعية للقرار هامشاً كبيراً لتصعيد الضغوط على حكومتي البلدين، واتخاذ مزيد من الإجراءات العقابية، التي تتراوح بين المقاطعة، مروراً بالحصار الاقتصادي والديبلوماسي، وانتهاء بإجراءات عسكرية، على النحو الذي تابعناه في العراق وصربيا، وقبلها في ليبيا. ولا شك أن ذلك يطرب إسرائيل ويعطيها بدورها غطاءً معنوياً لضرب سورية انتقائياً، بدعوى إيوائها"ارهابيين"أو تسترها على"الإرهاب". 3 إن هامش المناورة السورية للالتفاف على القرار بات محدوداً أو منعدماً، بعد صدوره، وعدم استخدام أي من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن لحق الاعتراض الفيتو ما يعني أنه يتمتع بالرضا والقبول الضمني من كل القوى الكبرى في النظام الدولي، بما فيها تلك المحسوبة في خانة الأصدقاء التقليديين للعرب مثل روسيا والصين. إن التصريحات التي أدلى بها السفير جون دانفورث، المندوب الأميركي لدى الأممالمتحدة للمحاورة المرموقة راغدة درغام الحياة 16/10/2004، لا يترك مجالاً للشك حول النيات الأميركية المبينة ضد سورية، وتصميمها على إجلاء القوات السورية من الأراضي اللبنانية، ومساعدة اللبنانيين على استعادة سيادتهم على أراضيهم. أما كل الحجج والذرائع السورية، حتى لو ساندتها جامعة عربية عرجاء، فإنها لا تجدي. كما لا يجدي تذكير اللبنانيين بأن سورية هي التي حافظت على وحدة لبنان، وأوقفت الحرب بين طوائفه، وساعدته على استعادة استقراره، وهي أمور على فرض صحتها، أصبحت خارج الموضوع في الوقت الراهن. إذن ما العمل؟ في رأينا أن سورية لا بد أن تخرج من لبنان، وعاجلاً قبل آجلاً. ويمكنها قبل هذا الخروج أن توقع ما تشاء من اتفاقات للتآخي، والتعاون، والتكامل مع لبنان، على النحو المصري السوداني المعهود. ولكن قواتها العسكرية لا بد أن تغادر التراب اللبناني، وتترك لبنان للبنانيين. ولكن كيف، مع حفظ ماء الوجه السوري اللبناني العربي؟ يمكن للجامعة العربية أن تجتمع وتوجه رسالة شكر وامتنان لسورية على الدور الرائع الذي قامت به من أجل وحدة وسلامة لبنان، وتعفيها من تحمل المزيد من المشاق، بعد أن قامت بالواجب، وزيادة. يمكن للرئيس اللبناني أميل لحود، أن يتوجه بخطاب للبرلمان اللبناني، والشعب اللبناني، والأمة العربية، يعلن فيه أنه إذ يشعر بالامتنان لإعادة انتخابه لمدة إضافية، فإنه يحرص على أن يجعل منها فرصة وتكليفاً لمن وضعوا ثقتهم فيه، على استعادة واستكمال كل مظاهر السيادة اللبنانية، بالتعاون مع الشقيقة الكبرى سورية، وأنه سيتخلى طواعيه عن الرئاسة، مع مغادرة آخر جندي من القوات الصديقة لأرض لبنان. وربما يتفتق العقل السياسي اللبناني عن بدائل أخرى أكثر إبداعاً للخروج من المأزق الذي اندفع الجميع إليه، طواعية أو في غفلة من النظام العالمي، الذي ربما يكون ظالماً ولكنه ليس مغفلاً! * كاتب مصري.