موقف بغداد الرسمي هو كالآتي: يا فلوجة، ومعك كل المدن المتمردة على الحكومة العراقية، إستعدي لمواجهات حاسمة خلال الشهر الجاري. فرئيس الوزراء أياد علاوي صرح بأنه قد يتم قريبا القيام بعمل عسكري "وأعتقد أننا انتظرنا أكثر مما يكفي بالنسبة للفلوجة". بينما قال وزير دفاعه حازم الشعلان: "إنتظر، وسترى ما سنفعل. سنأخذ كل هذه المدن في أكتوبر". الحكومة العراقية تواجه تحذيرات قوية من إجراء انتخابات دستورية في موعدها المحدد في كانون الثاني يناير المقبل، أي بعد ثلاثة الى أربعة أشهر من الآن. لماذا؟ لأن الانتخابات لا يمكن إجراؤها في ظل الوضع الأمني المتفاقم. من هم المنتقدون؟ إنهم يشكلون جبهة واسعة تمتد من سكرتارية الأممالمتحدة الى أعضاء دائمين في مجلس الأمن الى دول مجاورة الى الجماعات العربية السنية في العراق نفسه. في المقابل تواجه الحكومة العراقية ضغوطا قوية تدفعها نحو إجراء الإنتخابات التي يرى الضاغطون أنها الشرط المطلوب لخروج البلد من مأزقه الأمني. هنا أيضا جبهة واسعة تشمل أعضاء مهمين آخرين في مجلس الأمن بقيادة اللاعبين الرئيسيين، الولاياتالمتحدة وبريطانيا، إضافة الى جماعات عراقية لا حصر لها، بما فيها الكردية والشيعية بأحزابها وتياراتها ومراجعها الدينية آية الله العظمى علي السيستاني وحتى رجل الدين الصغير المتمرد مقتدى الصدر. بعبارة أخرى يبدو كأن الحكومة العراقية رهنت قدرتها على إجراء الانتخابات بقدرتها على حسم بؤر التمرد، خصوصا في الفلوجة وبقية مناطق المثلث السني. وكانت صحيفة "واشنطن بوست" أفادت قبل أسبوع بأن الولاياتالمتحدة والحكومة العراقية وضعتا بالفعل خطة تقتحم بموجبها القوات الأميركية المناطق المتمردة في بغداد والفلوجة وغيرهما تمهيدا لدخول وانتشار قوات عراقية فيها. ولعل كلام علاوي والشعلان جاء ليؤكد معلومات الصحيفة الأميركية. تنبغي الإشارة الى أن الانتخابات تضغط على الحكومة العراقية كما على ادارة الرئيس جورج بوش الذي يتطلع الى ولاية ثانية. والأكيد أن نصرا عسكريا في العراق عشية الانتخابات الأميركية من شأنه أن ينصر بوش على منافسه الديموقراطي جون كيري. أما في بغداد فلاحظ مسؤول عراقي كبير أن حكومته أمامها خيار واحد فقط، يتمثل في القيام بعمل عسكري حاسم يؤدي الى استتباب الأمن، مضيفا أن هذا العمل يجب أن يتم خلال الشهر الجاري. لكن المشكلة أن ذلك قد لا ينسجم مع موقف الادارة الاميركية التي قد يهمها تجنب القيام بعمل عسكري يمكن أن يؤدي الى وقوع خسائر بشرية كبيرة في صفوف قواتها عشية الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في مطلع تشرين الثاني نوفمبر. إذاً، هل تمتلك الحكومة العراقية خطة عسكرية؟ المسؤول العراقي، الذي طلب عدم ذكر إسمه، أوضح أن وجود خطة عسكرية شيء ونجاحها شيء آخر. الى ذلك حتى إذا نجحت الخطة العسكرية في تحقيق استتباب أمني فإن إجراء انتخابات في كانون الثاني المقبل يبقى تحديا هائلا. خذ مثلاً مشكلة تسجيل الناخبين المؤهلين لممارسة حقهم الانتخابي: البطاقات التموينية، التي اعتمدتها الاممالمتحدة في ظل العقوبات الاقتصادية التي فرضتها على العراق في عهد صدام حسين، ستستخدم لتسجيل الناخبين. لكن هناك أكثر من جهة في العراق تؤكد أن النظام السابق حجب البطاقات التموينية عن عدد كبير جدا من السكان قد يصل الى أربعة ملايين شخص، علما أن تسجيل أسماء الناخبين كان يجب أن يتم في أيلول سبتمبر الماضي، وهو ما لم يتحقق. لكن كارينا بيريللي، رئيسة قسم المساعدات الانتخابية في الأمانة العامة للامم المتحدة، أكدت عدم وجود مشكلة في هذا المجال، مشيرة الى أنه حتى الذين كان حرمهم النظام السابق من البطاقات التموينية لأسباب سياسية، تضم السجلات الرسمية أسماءهم. وعلى صعيد النظام الانتخابي كانت بيريللي أوضحت أن الانتخابات ستجرى على اساس مبدأ التمثيل النسبي الذي رأت أنه الأمثل لجهة تعزيز مواقع الجماعات ذات المصالح المشتركة، كالجماعات النسائية وقوى المجتمع المدني، مشيرة الى ان 25 في المئة من المقاعد مخصصة للنساء. كما ان كل حزب يمكنه تقديم قائمة مرشحيه بما يراوح بين 12 مرشحا كحد أدنى و275 كحد أعلى، والرقم الأخير يمثل عدد مقاعد الجمعية الوطنية. وستوزع المقاعد على أساس عدد الأصوات التي تحصل عليها القوائم. وهناك على الأقل 450 حزبا في العراق، ولا يحتاج أي حزب، أو فرد، الا الى جمع 500 توقيع فقط للترشيح. واعتبرت بيريللي أن الوضع الأمني شرط اساسي لا لإجراء الانتخابات فحسب، بل لانهاء الاجراءات اللازمة لإجرائها. وبحسب الاممالمتحدة هناك حاجة لثلاثين ألف مركز للاقتراع ونحو مائة ألف موظف لفرز الأصوات. الى ذلك، فاستمرار الوضع الأمني المتدهور قد يمنع المراقبين الدوليين من السفر الى العراق، الأمر الذي سيؤثر سلبا في صدقية النتائج. والأهم أن العملية الانتخابية ستفشل إذا اعتبر الناس أنها غير نزيهة، أو إذا امتنعوا عن التصويت فيها خوفا من التعرض لعمليات انتقام محتملة. هذا كله صحيح، لكن هل هو كافٍ لمنع العراقيين من إجراء الانتخابات مطلع العام المقبل؟ كثيرون يعتقدون أنها ستحصل في أي حال. فالشيعة يريدونها والأكراد يريدونها. رئيس المؤتمر الوطني العراقي فؤاد معصوم قال وبالمناسبة قبل أن يقولها وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد أن الانتخابات قد لا تكون نزيهة تماما، لكن إجراءها أفضل من عدم إجرائها. صحيح أن المثلث السني لا يريدها ويبدو عازما على إحباطها، لكن حتى هذا غير مهم. فطالما العراق كله سيكون منطقة انتخابية واحدة فان الراغبين من أهل الفلوجة مثلا يمكنهم السفر في يوم الانتخاب الى النجف مثلا للادلاء بأصواتهم. لنتأمل قليلاً في هذا الإقتراح. ِ