"فتنة: حرب في صميم الإسلام" عنوان الكتاب الجديد الصادر عن دار "غاليمار" الباريسيّة للباحث الفرنسي وأستاذ العلوم السياسية جيل كيبيل المتخصّص في التاريخ السياسي لمنطقة الشرق الأوسط وحوض المتوسّط. يسلّط الكتاب الضوء على حوادث الحادي عشر من أيلول سبتمبر 2001 والحرب على العراق والانتفاضة الفلسطينية، ويحاول فهم الرهان الكبير الذي يدور حوله الصراع وعواقبه في ظلّ إعادة التنظيم الجديد للعالم وما يمكن أن يلعبه الإسلام في أوروبا. يحاول الكتاب أيضاً إبراز الأهمية التي تكتسيها العمليات الإرهابية بالنسبة إلى مرتكبيها، فهي، كما يلاحظ المؤلّف، مناسبة للخروج من التراجع السياسي والديني الذي عرفته مرحلة التسعينات، وتشكّل محاولة لوجود ديناميكية جديدة لنشاط الجماعات الأصولية. أمّا بالنسبة إلى الشرق الأوسط وبالخصوص القضية الفلسطينية فينطلق الكتاب من فشل اتفاق "أوسلو" للسلام وبدء انتفاضة الأقصى عام 2000 وعودة الليكود إلى الحكم، اضافة إلى رفض الرئيس الأميركي جورج بوش بعد شهر من وصوله إلى البيت الأبيض الاعتراف بعرفات كممثل شرعي للشعب الفلسطيني. هذا الاتجاه الجديد القديم يترجم، بحسب الكاتب، وجهة نظر فريق المحافظين الجدد في واشنطن وموقفهم الفعلي، وهو موقف يرفض اتفاق اوسلو باعتباره فخّاً لأمن إسرائيل. وهذا ما سيدفع بفريق بوش إلى العمل، وحتى قبل حوادث أيلول، من أجل حماية أمن إسرائيل والإطاحة بنظام صدام حسين واحتلال العراق وبسط اليد على آبار النفط في العراق لخفض أسعاره في السوق العالمية، وبالتالي لتوفير فسحة من الانتعاش للاقتصاد الأميركي، وكذلك إعادة انتخاب الرئيس جورج بوش لفترة رئاسية ثانية. يتطرّق الكتاب أيضاً إلى الظروف التاريخية لولادة "القاعدة" فيحلّل نصوص خطابات أيمن الظواهري، ويخلص إلى أنّ ما يطمح إليه منظّر القاعدة هو جمع شمل القوى الأصولية من أفغانستان إلى فلسطين والشيشان حول قضايا جدّ متشابكة... وتأتي الحرب على العراق لتجعل من الإرهاب ظاهرة عالمية آخذة في التوسّع ولن ينحصر مداها في منطقة محدّدة بل إنّ رقعتها شاسعة وتغطّي إضافة إلى الولايات المتّحدة الأميركيّة كلاً من أوروبا وآسيا. من جهة ثانية، يتناول الكاتب ظاهرة خطف الأجانب على أنّها جزء من الفتنة التي يعيشها الإسلام لأنّ الهدف الذي يرمي الإرهابيون إلى بلوغه هو جعل الجهاد المحرّك الذي يلتفّ من حوله المسلمون في العالم أجمع، وهذا ما يعزّز قدرة هذه الجماعات ويساعدها على فكّ عزلتها السياسيّة. ويعتبر جيل كيبيل أنّ الولايات المتّحدة ستغرق في حرب لا تُعرف عواقبها، وأنّ عولمة النزاع ستزداد أكثر فأكثر عبر دخول المتطرّفين الإسلاميين الأجانب الأراضي العراقية. ويحذّر الكاتب من زيادة تأزّم الوضع في العراق واستمرار خطف الأجانب خصوصاً الغربيّين منهم وعودة العمليات الإرهابية في العالم وبخاصة في أوروبا كما حدث في مدريد في آذار مارس 2004 ممّا يؤكد مرّة أخرى على قدرة الإرهابيين ضرب أي عاصمة أوروبية مباشرة والتأثير على المسار السياسي والديموقراطي كما جرى في أسبانيا. ويؤكّد الباحث أنّ الحرب ضدّ الإرهاب لن تنتهي بسقوط بغداد، فالسياسة الأميركية في العراق ستسمح "للمجاهدين"، على حدّ قول كيبيل، بفتح جبهة جديدة هي ساحة الحرب في أوروبا. كتاب "فتنة: حرب في صميم الإسلام"، يستند إلى الواقع الميداني، وهو على خلاف كتابه "جهاد" الذي صدر عشيّة حوادث أيلول، وفيه تقويم لم يكن صائباً لتطوّر نشاطات الجماعات الإسلامية، فهو اعتبر أنّ هذه الجماعات التي فشلت في الوصول إلى السلطة الجزائر، أفغانستان والبوسنة، ستتراجع وستعرف مرحلة من السكون، غير أن الواقع جاء على خلاف ذلك تماماً، فقد نشطت الجماعات محلياً ودولياً واتخذت من ضرب العدوّ في عقر داره هدفاً أول. من هنا يذكر الكاتب في "فتنة" أن أوروبا أصبحت ورقة ضغط في هذه الحرب الإرهابية سواء عبر التأثير على الرأي العام، أو من خلال الضغط على الجالية المغتربة التي تعيش مهمّشة ثقافياً واقتصادياً في بلدان الشمال وتعتبرها الجماعات الإسلامية المتطرّفة عاملاً يمكن تفعيله في هذه الحرب. بين الإصدارات الكثيرة المتتالية التي تفيض بها ساحة الكتاب في فرنسا والتي تتناول "حرب بوش" في العراق و"حياة بن لادن" ومستقبل الإسلام وغيرها من المواضيع التي تعالج الأحداث الساخنة التي يعيشها العالم العربي والإسلامي، يأتي كتاب "فتنة" خلاصة تحليلية للوضع المتردّي وللأزمة السائدة في منطقة الشرق الأوسط في الوقت الراهن. تجدر الإشارة أخيراً إلى أن جيل كيبيل عُيِّن مديراً لإحدى أكبر دور النشر الفرنسية وهي دار "PUF المطبوعات الجامعية الفرنسية"، للإشراف على مجموعة جديدة بعنوان "الشرق الأوسط". وبحسب بيان دار النشر سيقدّم هذا القسم الجديد مجموعة من الكتب والأبحاث يقوم بها بحّاثة ومتخصصون من جيل الشباب الجامعي، وهذا ما سيسهم، بحسب الدار، في إعطاء نفحة جديدة للدراسات والأبحاث المتعلّقة بأكثر المناطق اشتعالاً في العالم.