أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    كوريا الجنوبية تهزم الكويت بثلاثية    تبرعات السعوديين للحملة السعودية لإغاثة غزة تتجاوز 701 مليون ريال    حسابات منتخب السعودية للوصول إلى كأس العالم 2026    القبض على 3 إثيوبيين في نجران لتهريبهم 29,1 كجم "حشيش"    إجتماع مجلس إدارة اللجنة الأولمبية والبارالمبية السعودية    الحقيل يلتقي في معرض سيتي سكيب العالمي 2024 وزيرة الإسكان والتخطيط الحضري البحرينية    «الداخلية» تعلن عن كشف وضبط شبكة إجرامية لتهريب المخدرات إلى المملكة    وزير الإعلام يلتقي في بكين مديرَ مكتب الإعلام بمجلس الدولة الصيني    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة إلى 43736 شهيدًا    مركز الاتصال لشركة نجم الأفضل في تجربة العميل السعودية يستقبل أكثر من 3 مليون اتصال سنوياً    «محمد الحبيب العقارية» تدخل موسوعة غينيس بأكبر صبَّةٍ خرسانيةٍ في العالم    المروعي.. رئيسة للاتحاد الآسيوي لرياضات اليوغا    أمير الرياض يستقبل أمين المنطقة    أمير المدينة يلتقي الأهالي ويتفقد حرس الحدود ويدشن مشروعات طبية بينبع    الذهب يتراجع لأدنى مستوى في شهرين مع قوة الدولار والتركيز على البيانات الأمريكية    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت".. في جدة    الأمير عبدالعزيز بن سعود يرأس اجتماع الدورة الخمسين للمجلس الأعلى لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    صندوق الاستثمارات العامة يعلن إتمام بيع 100 مليون سهم في «stc»    «هيئة الإحصاء»: معدل التضخم في السعودية يصل إلى 1.9% في أكتوبر 2024    البلدية والإسكان وسبل يوقعان اتفاقية تقديم العنوان الوطني لتراخيص المنشآت    اختتام مؤتمر شبكة الروابط العائلية للهلال الأحمر بالشرق الأدنى والأوسط    وزير الخارجية يصل لباريس للمشاركة في اجتماع تطوير مشروع العلا    "دار وإعمار" و"NHC" توقعان اتفاقية لتطوير مراكز تجارية في ضاحية خزام لتعزيز جودة الحياة    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    مصرع 12 شخصاً في حادثة مروعة بمصر    رؤساء المجالس التشريعية الخليجية: ندعم سيادة الشعب الفلسطيني على الأراضي المحتلة    «التراث»: تسجيل 198 موقعاً جديداً في السجل الوطني للآثار    قرارات «استثنائية» لقمة غير عادية    رينارد: سنقاتل من أجل المولد.. وغياب الدوسري مؤثر    كيف يدمر التشخيص الطبي في «غوغل» نفسيات المرضى؟    فتاة «X» تهز عروش الديمقراطيين!    رقمنة الثقافة    الوطن    عصابات النسَّابة    «العدل»: رقمنة 200 مليون وثيقة.. وظائف للسعوديين والسعوديات بمشروع «الثروة العقارية»    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    هيبة الحليب.. أعيدوها أمام المشروبات الغازية    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    الطائف.. عمارة تقليدية تتجلَّى شكلاً ونوعاً    أفراح النوب والجش    الخليج يتغلّب على كاظمة الكويتي في ثاني مواجهات البطولة الآسيوية    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    استعادة التنوع الأحيائي    حبوب محسنة للإقلاع عن التدخين    أجواء شتوية    مقياس سميث للحسد    أهميّة التعقّل    د. الزير: 77 % من النساء يطلبن تفسير أضغاث الأحلام    السيادة الرقمية وحجب حسابات التواصل    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    «الشرقية تبدع» و«إثراء» يستطلعان تحديات عصر الرقمنة    الذاكرة.. وحاسة الشم    وزير الداخلية يرعى الحفل السنوي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    تكريم الفائزين بجائزة الأمير سلطان العالمية للمياه في فيينا    محمية جزر فرسان.. عودة الطبيعة في ربيع محميتها    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار مع أوليفييه روا . "الإسلام المعولم" ظاهرة ومشكلة ... لا يقتصر على الغرب بل يشمل أيضاً البلدان الإسلامية
نشر في الحياة يوم 16 - 10 - 2002

الباحث الفرنسي أوليفييه روا، المتخصص في حركات الاسلام السياسي الحديث وفي تاريخ آسيا الوسطى، ربما بات غنياً عن التعريف. فكتابه "إخفاق الإسلام السياسي" الذي أصدره عام 1992 ترجم الى العربية لدى "دار الساقي" حظي باهتمام ملحوظ. على ان أحداث 11 أيلول سبتمبر أجازت لكثيرين القول ان أوليفييه روا أخطأ رميته وطاش سهمه. وها هو اليوم ينشر كتابين اثنين لدى دار "سوي" في باريس" الأول يقع في أقل من مئة صفحة وهو في عنوان "أوهام 11 أيلول" ويتناول أبرز قضايا المناظرة الاستراتيجية الدائرة على مكافحة الارهاب، وخصوصاً سياسة الولايات المتحدة في هذا المضمار. الكتاب الثاني، وهو في عنوان "الاسلام المعولم" أو "الإسلام معولماً"، يدور على رصد تطورات الحركة الاسلامية وتكويناتها وتعبيراتها في ظل العولمة، بما في ذلك تنظيم القاعدة الذي يقوده أسامة بن لادن.
في ما يأتي حوار مع أوليفييه روا حول نظرته الى 11 أيلول بعد مرور عام على حصوله، وحول الانتقادات التي طاولت مقولته ونظرته الى "إخفاق الإسلام السياسي"، وحول مقاربته ما يسميه بالاسلام المعولم، ومشكلة الاندماج الاسلامي في المجتمعات الغربية غير المسلمة.
سأبدأ من المنتصف، أي من النقطة الساخنة بعض الشيء. فمقولتك المعروفة حول "إخفاق الاسلام السياسي" تعرضت لنقد شديد إثر عمليات 11 أيلول. وقد حاولت تفسير الأمر في مقدمة كتابة الجديد "الإسلام المعولم". هل يتعلّق الامر بالنسبة اليك، بنوع من سوء الفهم أم ان هناك محاولة لدحض مقولتك دحضاً منهجياً، خصوصاً من أولئك الذين لا تعجبهم مقاربتك ظاهرة الاسلامية؟
- في ما يخص معظم الذين انتقدوني، اعتقد ان هناك عملية سوء فهم. قد يكون هناك أشخاص من ذوي النيات السيئة، لكن هذه مسألة أخرى. فأنا عندما تحدثت عن "إخفاق الإسلام السياسي"، لم أرد القول انه لم يعد هناك مكان للتيار الجذري الاسلامي السياسي. ما أردت قوله هو ان "المشروع" الاسلاموي انتهى الى الفشل. وهذا المشروع كان يقوم على انشاء مجتمع اسلامي من خلال الاستيلاء على سلطة الدولة، من خلال بناء دولة اسلامية. كان هذا مشروع الثورة الاسلامية في ايران، مشروع الاخوان المسلمين، وحزب الرفاه في تركيا، وجبهة الانقاذ في الجزائر... الخ. كل هذا انتهى، في نظري، الى الفشل. وذلك ليس فحسب لأنهم أخفقوا في تحقيق مشروعهم بطريقة ملموسة، بل لأن المفهوم نفسه متناقض، اذ لا يمكن بناء دولة إسلامية. فالدولة الاسلامية الوحيدة في هذا المعنى، انما هي تلك التي أقامتها حركة "طالبان"، وهي تقوم على تطبيق الشريعة لكنها لا تبني في الحقيقة أجهزة دولة. فبناء أجهزة دولة يقود بالضرورة الى اصدار تشريعات، ويقود بالضرورة الى انشاء مؤسسات وتحديد قواعد للسلطة، الامر الذي يتعارض مع المشروع الاصلي، ناهيك عن ان هذه العملية تقود بالضرورة الى "دنيوة" أو علمنة من طريق السياسة.
على أنني، في المقابل، لم أقل ابداً اننا نشهد زوال الجذرية السياسية. في كتابي "اخفاق الاسلام السياسي" قلت ان فضاء الأسلمة أصبح محتلاً من الذين أطلقت عليهم صفة الأصولية الجديدة. فهؤلاء يتشبثون بتطبيق الشريعة ولا يهمهم موضوع بناء الدولة، ولا يهمهم موضوع تسيير وادارة مجتمع معين. ما لم أحسب حسابه، وهذا صحيح، هو عملية التجذير السياسي للأصولية الجديدة المحافظة. فحركة "طالبان"، على سبيل المثال، تدخل في اطار الترسيمة التي انشأتها حول الأصولية الجديدة، لكن الأمر الذي لم أتوقعه هو كيف يمكن شخصاً مثل الملاّ عمر ان يصبح شريكاً مع بن لادن، وكيف يمكن أشخاصاً تشرّبوا الأصولية ان يصبحوا ارهابيين. هذا الجانب من المسألة لم أكن أتوقعه. أقصد بذلك عملية التجذير السياسي للأصولية الجديدة المحافظة، ولنقل لقسم لا بأس به منها. هذه الانعطافة لاحظت علامات ظهورها في أواخر العام 1995 وفي العام 1996، وكتبت مقالات عن هذه المسألة من خلال رصد جماعة بن لادن في أفغانستان.
أنت تعتبر، اذاً، ان إخفاق الاسلام السياسي ترك فراغاً راح يملأه أصحاب الأصولية الجديدة؟
- بالضبط. فالأصوليون الجدد يتوجّهون بخطابهم الى اناس مسلمين لا يتعرّفون إلى أنفسهم في اطار الدولة - الأمة، أو في اطار العروبة. أي أنهم يخاطبون بالدرجة الأولى المسلمين الحاملين مشاعر اقتلاع ويعيشون في الغرب. أتحدث عن مقتلعين لأن هناك مسلمين يشعرون على العكس بتجذرهم في الغرب. وهؤلاء لا يطرحون أية مشكلة. فنحن نرى شباناً وأناساً من الجيل الثاني والثالث فقدوا جذورهم من دون ان يندمجوا. ولدى هؤلاء يجد الأصوليون الجدد أرضية مناسبة لدعوتهم. هناك عامل آخر، يتعلق بمسلمين يعيشون في بلدان اسلامية في الشرق الاوسط ويشعرون بأنهم أصبحوا كمسلمين مؤمنين أقلية في بلدهم، وأفكر هنا على نحو خاص بعدد من المسلمين المتعبّدين في تركيا، كما نجد شيئاً من هذا القبيل في مصر. هكذا نرى عدداً من المسلمين ينمّون فكرة تحوّلهم الى أقلية، وفكرة تحوّل الاسلام الى وضعية أقلوية داخل المجتمع الملموس، ويروحون يبحثون عن التماهي مع "أمّة" عالمية متخيلة، اي انها ليست مجرد الجمع الحسابي لأعداد المسلمين في العالم، بل هي تعبير عن مفهوم غامض ومتخيل. وهذه الفكرة تنمو وتتوسع داخل عملية انكفاء الاسلاموية على الاسلامية القومية، خصوصاً في بلدان الشرق الاوسط.
سبق لمتخصصين معروفين في الاسلاميات، مثل ماسينيون ولوي غارديه، ان تحدثوا عن "الأمة" الاسلامية باعتبارها يوتوبيا متحققة تاريخياً. هل أنت من هذا الرأي؟
- اعتقد ان الفارق الأساس يعود الى انه في ايام ماسينيون وغارديه كان هذان الباحثان يتحدثان عن يوتوبيا ملموسة، في معنى أنه لم يكن هناك تجسيد أو تحقق سياسي، بل في معنى ان هناك اقليماً وثقافة مشتركة وأشياء كثيرة تشارك. والحال اننا اليوم نشهد عملية نزع أقلمة الاسلام. وهذه العملية لا تطاول الاسلام وحده، بل هي من مفاعيل العولمة التي تطاول مجتمعات اخرى، كما اننا نشهد عملية "تغريب" أو فرنجة لأشكال معينة من الثقافة ومن الحياة اليومية ومن الاقتصاد... الخ. وفي هذا المعنى، فإن ما اخذ يتلاشى ويختفي هو السند الاقليمي للأمة، وإن بقيت يوتوبيا هذه الامة فانها باتت أقل ملموسية. ولهذا نجد عدداً من الشبان المتعلمين يبحثون عن هذه الامة المتخيلة عبر الانترنت". فهؤلاء حين ينزلون الى الشارع، لا يعثرون على هذه الأمة حتى في صورتها الطبيعية الفيزيقية ولا يجدون شعور الجماعة والإخاء... إلخ. إلاّ في الأحياء السكنية المعزولة والمغلقة الغيتو، وهذا ما أطلق عليه اسم "الفضاءات المؤسلمة"، وأعني بذلك محاولات يقوم بها أناس مسلمون من اجل انشاء فضاء صغير خاص بهم ومقصور عليهم. والفضاء المقتصر على أناس معينين يأنسون الى بعضهم بعضاً هو من قبيل الغيتوات، وهذه نجدها مثلاً في عدد من أحياء اسطنبول كما نجدها في ضواحي باريس، وهي أشبه بجزر سكانية ولا تشكل مجتمعاً.
بعد مرور عام على هجمات 11 أيلول، هل تعتبر هذا الحدث على أهميته منعطفاً تاريخياً في ما يخص الاستراتيجيات العالمية، لا سيما بالنسبة الى الولايات المتحدة، وفي ما يخص العلاقات بين الغرب والاسلام؟
- لا أعتقد انه يشكل حدثاً مؤسساً، اذ انه لا يحمل في الحقيقة شيئاً جديداً، باستثناء الطابع الهائل والمشهدي لهذه الهجمات. ففي ما يتعلق بالجانب الارهابي، سبق لبن لادن ان ضرب واستهدف مرات عدة اهدافاً أميركية، بما في ذلك مركز التجارة الدولي عام 1993. وليست هذه المرة الأولى التي يواجه فيها الغرب ارهابين دوليين، فقد رأينا من قبل جماعة "بادر ماينهوف" التي كانت متحالفة مع مجموعات فلسطينية يسارية، وهناك الجيش الأحمر الياباني - الخ. هناك ايضاً الجانب المتعلق بالوسائل والتقنيات المستخدمة، وهذه ليست جديدة تماماً، الجديد فيها انها نجحت بطريقة مدهشة، اضافة الى دقة التنظيم والتوقيت المتزامن للهجمات، عدا ذلك ليس هناك شيء جديد.
الجانب المؤسس في هذه العمليات يقع على مستوى "التمثيل"، أي القول إن هناك الولايات المتحدة في جهة، والعالم الاسلامي في جهة مقابلة. اما الخطاب المتحدث عن "صدام الحضارات" فليس جديداً، اذ كان سائراً قبل 11 ايلول، وليس 11 أيلول هو الذي صنع وأنتج صموئيل هنتنغتون. حتى المفهوم المستخدم لتعقل 11 أيلول يعود هو ايضاً الى فترة سابقة. غير ان 11 أيلول من شأنه ان يبدّل رؤية الأميركيين الى الأمور. وهو في هذا المعنى حدث استراتيجي، لأنه يسمح بعقلنة الاستراتيجية الأميركية في العالم ويتيح ولادة اجماع بين الديموقراطيين والجمهوريين. أي ان الاهمية الاستراتيجية لاحداث 11 أيلول لا تكمن في العملية الاعتدائية نفسها، بل تكمن في رد الفعل الاميركي. وحين ننظر الى رد الفعل هذا، نلاحظ انه باستثناء الحرب التي شنت على أفغانستان والمتعلقة مباشرة بعمليات 11 أيلول فإن كل القرارات الأميركية الأخرى كانت اتخذت قبل 11 أيلول. فتصميم أميركا على التخلص من صدام حسين عبرت عنه الادارة الأميركية برئاسة جورج بوش لدى وصوله الى السلطة. والتصميم على اطلاق يد آرييل شارون واعطائه حرية الحركة، جرى ايضاً التعبير عنه مباشرة لدى وصول بوش. فقد أعلن هذا الاخير انه لن يفعل مثل سابقه بيل كلينتون ولن ينخرط في عملية سلام، و"ان الاسرائىليين حلفاؤنا" وأنه "ينبغي ان نترك لهم اختيار السياسة الفضلى التي تناسبهم". قيل هذا بوضوح. اما بالنسبة الى التقارب مع روسيا، والى سلوك بوتين وتبدّل السياسة الروسية، فالأمر يعود الى عام 1999، أي لدى وصول بوتين الى رأس السلطة. ويدخل في هذا مواصلة عملية "تغريب" روسيا، والتوقف عن سياسة تعزيز الجيش وصرف نفقات كبيرة عليه... الخ. كل هذا كان بدأ تنفيذه. كذلك بالنسبة الى تعيين دول "محور الشر" العراق وايران وكوريا الشمالية، فهذه هي نفسها التي وصفت ب"الدول المارقة" ايام كلينتون.
يستفاد من هذا انه ما عدا الحملة العسكرية على افغانستان، ليست هناك واقعة استراتيجية جديدة نجمت عن 11 ايلول.
صدر لك منذ ايام كتابان لدى دار "سوي" في باريس. الاول صغير الحجم ويندرج في اطار المناظرة الحالية والظرفية حول نتائج ورهانات ما بعد 11 ايلول، فيما يحاول الكتاب الثاني الاكبر حجماً ويحمل عنوان "الاسلام المعولم" ان يتناول بالتحليل المعمّق ظاهرة جديدة تسميها "الاسلام المعولم". ما وجه الصلة بين الكتابين الصادرين في آن، اي بين نمطين من المقاربة والتفكير؟
- كتابي عن احداث 11 ايلول يندرج في نطاق الدراسات الاستراتيجية، وهو يعنى تحديداً بالسياسة الاميركية، اي كيف ينظر الاميركيون الى الامور والى الاسلام، وذلك على الصعيدين الداخلي والعالمي. اما كتابي الثاني عن "الاسلام المعولم" فلا علاقة له بالولايات المتحدة، انه كتاب يدور على التطورات التي تشهدا الصفة الدينية للمسلمين، اي علاقة المسلمين بدينهم وما يحدث لها في ظل عملية "نزع الاقلمة" التي يعيشونها. الصلة بين الكتابين هي اسامة بن لادن. وأعني بذلك ان الأشكال التي يتخذها الاسلام المنزوع من اقليميته، الاسلام المعولم، معقدة وشديدة التنوع، فنحن نرى في اطار هذا الاسلام دعاة وواعظين من ذوي النزعة الانسانية والليبرالية، كما نجد دعاة سلفيين ووهابيين... الخ. وأود ان اشير هنا الى ان من بين نتائج عولمة او شوملة الاسلام نجد ظاهرة بن لادن، خصوصاً الجيل الثاني من جماعة بن لادن، فهؤلاء الشبان هم النتاج المحض لعملية "تغريب" او "غربنة" الاسلام، كما هي حال محمد عطا وزكريا موسوي وغيرهما، وهؤلاء في نظري نتاج عملية "تغريب" الاسلام، ناهيك عن الذين اعتنقوا الاسلام، وهم ايضاً نتاج العملية ذاتها. اعتقد أن بن لادن يندرج في اطار هذه العولمة للاسلام، وإن كان لا يمثل فيها سوى عارض هامشي ومعزول قائم على التطرف. غير ان المتطرفين هم الذين يحدثون تأثيراً ووقعاً اكبر على الصعيد السياسي. ذلك ان عملهم يؤثر في هذا المجال، وهذه ليست حال الواعظين الليبراليين والانسانويين الذين لا يملكون تأثيراً سياسياً مباشراً. قصارى القول إذاً، ان ظاهرة بن لادن لهي من نتائج عولمة الاسلام، ولأن عمله يطاول الولايات المتحدة، فإنه يصبح ظاهرة ذات بعد استراتيجي. هذا هو وجه الصلة بين الكتابين، اي انه بن لادن كما سبق وقلت، وليس الاسلام.
انت تصر على استخدام مفهوم "نزع الاقلمة" وأحسب ان هذا المفهوم مأخوذ من الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز الذي سبق واستخدمه. هل يمكنك ان تشرح طريقة استخدامك وما يعنيه لك هذا المفهوم الفلسفي؟
- اعني بعبارة "نزع الاقلمة" فقدان او ضياع البداهة الاجتماعية للدين، اي ان العلاقة مع الدين لم تعد متجذرة في مجتمع وفي معيوش يومي، وبالتالي داخل اقليم معين. وهذا الامر نراه بوضوح في حال الهجرة. فالمهاجرون لا يجدون بيئة ملائمة لعباداتهم، مثل صيام شهر رمضان وأداء الصلاة. والمشكلة مطروحة ايضاً في البلدان الاسلامية الاصلية، ذلك ان اشكال التمدين وأنماط العمل والاستهلاك، وخصوصاً انماط التسلية مثل الافلام السينمائية وغيرها... الخ. كلها تدخل عوائد وعلاقات مع البيئة تختلف عن البيئة الاسلامية التقليدية. اي ان الدين لم يعد وثيق الصلة بمجتمع ملموس، او انه اقل فأقل ملموسية، بمجتمع قائم في اقليم، في مدينة مثلاً، في بلد وفي لغة. ويتولد عن هذا الوضع شعور المؤمنين باضطرارهم الى اعادة صوغ معنى ان يكون المرء مؤمناً. هكذا يجد كل واحد نفسه مضطراً الى النظر في ما يعنيه الاسلام، لأنه لم تعد هناك بداهة اجتماعية. فلكي يؤدي المرء الصلاة ينبغي ان يتوافر العزم والارادة، وكذلك الامر بالنسبة الى صيام رمضان... الخ. وينبغي معالجة مسألة المحيط الخارجي، وينبغي معرفة الدفاع فكرياً عن هذه الاشياء في بيئة غير اسلامية، سواء كانت مسيحية ام يهودية أم إلحادية أم علمانية. فارتداء الحجاب لا يعود تقليداً بل يصبح مسألة اختيار شخصي، يمكن الفتاة ان تلبسه ويمكن ألاّ تلبسه. في هذا المعنى اتحدث عن "اسلام منزوعة اقليميته"، اي عن اسلام يتوجب عليه ان يفصح عن نفسه، وليس ان يصنع نفسه بنفسه، اذ على مستوى العقيدة، وأنا اشدد على هذه النقطة، ليست هناك قضية فعلية، والمسألة ليست مطروحة على الصعيد اللاهوتي الكلامي الاسلامي. ومعظم الذين يعودون، في بلدان الهجرة، الى الاسلام، يفعلون ذلك في اطار الاسلام الكلاسيكي المعروف. غير ان العلاقة مع الدين تستلزم اعادة التفكير والصوغ، لأنها هشة بسبب فقدان بداهتها الاجتماعية. هذا ما اسميه الاسلام المنزوعة اقليميته.
كتبت في الثمانينات بضع دراسات تحدثت فيها عن مشاريع وتصورات لدى الناشطين الاسلاميين في الضواحي السكنية الباريسية من اجل انشاء "مجتمع - نقيض". كيف تنظر اليوم الى هذه المسألة؟
- اقصد بذلك ما اسميه "الفضاء المؤسلم"، اي محاولة "لإعادة الاقلمة". الامر يتعلق بأفراد مسلمين يبحثون عن طريقة لكي يمارسوا ويحققوا ايمانهم في حياة يومية. احد الامكانات الدائرة على هذه المسألة يقوم على السعي الى انشاء فضاء خاص وإسلامي في مجتمع غير مسلم. وعليه يبدأ التمركز حول بعض المساجد او في بعض الاحياء. وهذه الظاهرة لا تقتصر على البلدان الغربية، اذ هناك ما يماثلها في اسطنبول حيث نجد في احياء معينة اناساً يحرصون على العيش بين بعضهم بعضاً وعلى ارتداء اللباس التقليدي... الخ. وهذا النمط من العيش هو الذي يوصف في الغرب ب"الجماعتية" او الطائفية، اي كما قلت السعي الى انشاء فضاء ذي طابع اسلامي في مجتمع غير مسلم او ذي طابع غربي. وأكرر القول ان هذه الظاهرة لا تتعلق فحسب بأوساط الهجرة الاسلامية في الغرب، بل نجدها ايضاً في حي انبابه في القاهرة مثلاً الذي تحول في فترة معينة الى ما يشبه "الكومونة" الاسلامية، ونجدها في بعض المناطق في نيجيريا حيث يحاول الناشطون انشاء فضاء مؤسلم يطبقون فيه الشريعة، كما نجدها لدى قسم من قبائل الباشتون في افغانستان حيث تجرى محاولات لانشاء فضاء لتطبيق الشريعة ولا شيء سواها. ومعنى هذا ان الظاهرة شمولية ولا تقتصر على عالم الهجرة الاسلامية في الغرب.
كيف تنظر الى قضية الاندماج الاسلامي في المجتمعات الغربية، والى مسألة "رهاب الاسلام" بالتالي والتي يتزايد الحديث عنها؟
- في ما يخص قضية الاندماج، ارى ان اشكال التدين الاسلامي مثلها مثل اشكال التدين المسيحي. وأعني ب"التدين" العلاقة بين الانسان وإيمانه، لا العقيدة. فهذه ثابتة لم تتغير. فالعولمة وهاجس انشاء جماعة متجانسة في صورة مستقلة عن المجتمع، والشعور بالعيش في مجتمع الحادي وفاسد، ونقد السلطات والاهل، والهوّة بين الاجيال، كل هذه الامور نجدها في عالم الكاثوليكية والبروتستانتية ويمكننا ان نضيف اليها رفض البحث الفكري والذهني. ففي اوساط التيار الاصولي البروتستانتي في الولايات المتحدة، نجد هذا الفرض لخوض النقاشات اللاهوتية، ورفض البحث... الخ لأن الشيء الاساسي لدى هؤلاء هو ان يعيشوا ايمانهم، حتى في ما يتعلق بأشكال التشدد المذهبي في ممارسة التدين، فإنها هي ايضاً متشابهة، ويمكنني ان استشهد بحال الواعظ الليبرالي الانساني، او الواعظ الذي يدعو البان الى العودة الى العمل الصالح والى الطهارة والنظافة، هذه الامور نجدها على حد سواء لدى البروتستانتيين ولدى المسلمين. هناك اذن وجوه مشتركة بين الكاثوليكية والبروتستانتية والاسلام في ما يتعلق بالتدين، حتى في اشكال التشدد والدعوة الجدرية الى تطبيق الايمان وفرائضه. المشكلة التي تنطرح هنا تتعلق بالعنف، اذ يقول البعض بأنه صحيح بأن هناك تشدد في البروتستانتية والكاثوليكية، ولكن ليس هناك دعوة الى ارتكاب اعتداءات. وأجيب على هذا بالقول انه حين يكون لدينا واحد مثل بن لادن، اي واحد لا يعبر عن نزاعات داخل الشرق، او يقوم بتصدير صراعات الشرق الى الغرب، بل هو شخص يحتل ويشغل فضاء احتجاجياً، وهو فضاء مناهض للامبريالية وللولايات المتحدة الاميركية وذو طابع عالمثالثي. وهذا الفضاء كان يشغله من قبل اليسار المتطرف وبات اليوم يحتله اشخاص اسلاميون. وفي هذا المعنى تمثل الاسلاموية خطاباً يسارياً متطرفاً في الغرب. فبن لادن قام بهجمات ضد الرأسمالية الاميركية وضد "النزعة الحربية" الاميركية، وهاجم مركز التجارة الدولي ومبنى البنتاغون، ولم يستهدف مصالح عربية او كنيسة نوتردام في باريس. والاهداف التي هاجمها بن لادن لا تندرج ضمن الاهداف الدينية بل هي اهداف من الطراز الماركسي وتطاول مصالح اقتصادية وعسكرية اميركية. هذه الجذرية التي يعبر عنها بن لادن لا تتعلق او لم تأته من الدين، بل هي تتعلق بأسلمة الاحتجاج الجذري الموجود على نحو خاص في اوروبا، اي في الغرب. ففي السبعينات كنا نجد في سهل البقاع فلسطينيين علمانيين يتعانون مع اناس ماركسيين مثل جماعة بادر - ماينهوف، وأصبح لدينا اليوم اسلاميون ومعتنقون للاسلام، الفارق بين الحالين هو ان الحال الاخيرة تنشط باسم الاسلام، وهنا المشكلة.
من هنا اصل الى القسم الثاني من السؤال لأقول إنه حين تكبر سطوة الخطاب الاسلامي ووطأته، فإنها تستثير هاجس "رهاب الاسلام"، على ان مسألة "رهاب الاسلام" موجودة منذ اكثر من عشرين عاماً وليست شيئاً جديداً في الحقيقة، وهي متصلة بوجود المهاجرين كذلك. وحين ننظر اليوم، حتى في خطابات اليمين المتطرف، نعلم أن الاسلام انتقل نهائياً الى الغرب. وكما يحصل عادة، تأتي الخطابات الدائرة على الهجرة متأخرة. ومعنى هذا اننا اليوم امام بنية تنازعية على المدى القصير اكثر مما نحن امام بنية نزاعية حيال الاجانب. ونلحظ هذا في الخطابات المعتدلة للحكومات وتلك التي يقرأها الناس، حتى عندما تكون هذه الخطابات دائرة على السياسات والتدابير الامنية. ونجد هذا مثلاً حتى في ادارة جورج بوش، اذ نلمس مقداراً كبيراً من الحذر لدى الحديث عن الاسلام، لأن الاسلام اصبح موجوداً وماثلاً. ويستدل من هذا انه اذا كان صحيحاً ان "رهاب الاسلام" يطرح مشكلة، فإن الصحيح ايضاً ان الاسلام بات شيئاً مستقراً ومغروساً في الغرب، يبقى انه يجب العثور على الكلمات المناسبة للإفصاح عنه.
* كاتب لبناني مقيم في باريس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.